القضايا العادلة لا تنتصر بالأماني الكاذبة، ولا تتحرك بالتأوه والألم، يجب أن لا ننتظر حتى تستيقظ ضمائر الظالمين والغاصبين، إنما يأتي الانتصار ثمرة للنضال والجهاد وتقديم التضحيات (وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لاَنتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ). وإذا كانت قضية الشعب الفلسطيني لاتزال تتجدد باستمرار المقاومة والإصرار على الحق، فإن العدو الصهيوني المحتل لم ولن يهدأ له بال، ولن ينعم بالأمن والاستقرار مهما تغطرس واستكبر ولابد له أن يسلم لأهل الأرض بحقهم مهما طال ليل الاحتلال. والجرائم الصهيونية البشعة التي تحاول بعض الدول الكبرى وفي مقدمتها أمريكا أن تغطي عليها، هاهي اليوم تفضح وينشر أسرارها وظواهرها إسطول الحرية الذي تعرض للقرصنة الصهيونية في المياه الدولية في البحر الأبيض المتوسط. ناشطون من كل الجنسيات: رجالاً ونساءً وأطفالاً، ومن كل الأديان، برلمانيون وصحفيون وعاملون في منظمات إنسانية هالهم الحصار الظالم على الفلسطينيين في قطاع غزة ولعدة سنوات، وأرادوا أن يكسروا هذا الصمت الدولي المريع، فعزموا أن يكونوا طليعة الإنسانية، وأن يضعوا رؤوسهم على أكفهم ويركبوا البحر ليقولوا بلسان الحال .. لابدعوى المقال – بأنه مازال في العالم أحرار: يبغضون الظلم، ويأبون الضيم، وينصرون المستضعفين، ويتطلعون للعدالة والحرية والكرامة لكل بني الإنسان، ولهم جميعاً كل الاحترام والتقدير. حملوا أدوية وأغذية ولعب الأطفال، وكراسي متحركة للمعاقين، ومواد بناء وملابس فواجهتهم القوات الصهيونية من البحر والجو، -ولما زالوا في المياه الدولية –حاولت كسر عزيمتهم، استعرضت عضلاتها على عزل من كل سلاح إلا سلاح الإيمان والرحمة والإنسانية، فتقزمت تلك القوات وهي تقتادهم من سفنهم وتقتل البعض، لكنها أوصلت رسالة أسطول الحرية إلى كل أنحاء العالم وإلى الزوايا المعتمة التي ماكان يمكن أن يصلها خبر هذا الظلم الفادح لولا تهور وعنجهية هؤلاء الصهاينة بقادتهم وجنودهم ومعداتهم المتطورة!! أيقظ هذا الأسطول الإنساني المبارك النائمين في العالم، ولفت انتباه العرب والمسلمين إلى أن لديهم عناصر قوة عظيمة لكنهم لم يجربوها، وإن هذا الإصرار والثبات يؤكد أن أمتنا ولادة، وأنها مستعدة لتقديم ملايين الشهداء وليس الآلاف فقط. لقد نجح أسطول الحرية في كسر الحصار عن غزة، لأنه نقلها إلى واجهة الأحداث، كما أنه ضرب حصاراً على المتخاذلين وضعاف الإرادة، ولاسيما الحكام الذين قيدوا أنفسهم بالذل والعجز، وحاصروها بالخوف والاستسلام، ولعلهم اليوم يتداركون مافات، ولهم في تركيا خير مثال، وإن كان العز والمجد لا يأتي إلا لمن يستحقه. وتحية اعتزاز للإخوة الكرام (محمد الحزمي، وهزاع المسوري، وعبدالخالق بن شيهون، وعبدالحكيم القطيبي) الذين رفعوا رؤوس اليمنيين بمشاركتهم في هذه القافلة الإنسانية التي ستدخل التاريخ من أوسع أبوابه. نحن اليوم بين عهدين من تاريخنا، ولاشك أن لدينا من مصادر القوة ما يجعلنا في عزة وكرامة، ويكفي أن نرى مجلس الأمن يجتمع بسرعة ويصدر بيان إدانة للكيان الصهيوني، وإن كان دون المستوى المطلوب، بسبب الانحياز الأمريكي الدائم، لكنه لم يتمكن من منع الدعوة إلى فك الحصار عن قطاع غزة والسماح بحرية نقل البضائع وانتقال الناس منها وإليها، وتحية خاصة لتركيا العظيمة حكومة ورئيساً وشعباً ولا نامت أعين الجبناء.