امتحن الله قوم طالوت قبل الدخول في معركة الحرية والكرامة بنهر جارٍ من الماء وطلب منهم الامتناع عن الشرب منه ليختبر إرادتهم قبل الدخول في المعركة،وكما اختبر الله قوم طالوت بنهر اختبرنا بشهر في كل عام هو أشبه بدورة تدريبية لتقوية الإرادة وإعداد الأمة لخوض المعتركات الصعبة التي قد تتعرض فيها للحصار الاقتصادي دون أن تتزود بزاد الصبر في شهر الصبر والصيام مما يمنحها القدرة على الصمود ومواجهة التحديات والإصرار على النصر اختبر الله قوم طالوت بالصيام عن شرب الماء بعد أن طلبوا الإذن في القتال من أجل الحرية لما أخرجوا من ديارهم وأبنائهم لأن الله كان يعلم ترددهم في اتخاذ هذا القرار﴿قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُوا) وكان جوابهم ﴿قَالُوا وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا﴾ ولكن هذه الحماسة الظاهرة كان لابد أن تختبر لأنهم لما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلاُ منهم ونتيجة لهذا التردد أراد الله ان يختبر هذه الحماسة الظاهرة والاندفاع الفائر فاختبرهم بعد الفصل في الجنود فلما فصل طالوت بالجنود قال: إن الله مبتليكم بنهر: فمن شرب منه فليس مني. ومن لم يطعمه فإنه مني - إلا من اغترف غرفة بيده - فشربوا منه إلا قليلاً منهم). ويعلق سيد قطب على الحكمة الإلهية في اختبار قوم طالوت بالصيام عن شرب الماء خلال اجتياز النهر فيقول:" هنا يتجلى لنا مصداق حكمة الله في اصطفاء هذا الرجل.. إنه مقدم على معركة؛ ومعه جيش من أمة مغلوبة، عرفت الهزيمة والذل في تاريخها مرة بعد مرة. وهو يواجه جيش أمة غالبة فلا بد إذن من قوة كامنة في ضمير الجيش تقف به أمام القوة الظاهرة الغالبة. هذه القوة الكامنة لا تكون إلا في الإرادة. الإرداة التي تضبط الشهوات والنزوات، وتصمد للحرمان والمشاق، وتستعلي على الضرورات والحاجات، وتؤثر الطاعة وتحتمل تكاليفها، فتجتاز الابتلاء بعد الابتلاء.. فلا بد للقائد المختار إذن أن يبلو إرادة جيشه، وصموده وصبره: صموده أولاً للرغبات والشهوات، وصبره ثانياً على الحرمان والمتاعب.. واختار هذه التجربة وهم كما تقول الروايات عطاش. ليعلم من يصبر معه ممن ينقلب على عقبيه، ويؤثر العافية" .. ويخلص سيد قطب إلى أن العبرة الكلية التي تبرز من القصة كلها –قصة طالوت وقومه- هي أن هذه الانتفاضة - انتفاضة العقيدة - على الرغم من كل ما اعتورها أمام التجربة الواقعة من نقص وضعف، ومن تخلِّي القوم عنها فوجاً بعد فوج في مراحل الطريق - على الرغم من هذا كله - فإن ثبات حفنة قليلة من المؤمنين عليها قد حقق لبني إسرائيل نتائج ضخمة جداً.. فقد كان فيها النصر والعز والتمكين، بعد الهزيمة المنكرة، والمهانة الفاضحة، والتشريد الطويل والذل تحت أقدام المتسلطين ﴿تَلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾. جميع هذه الدروس العظيمة تبدت في صيام بسيط عن شرب الماء وهو امتناع جزئي لا كلي، فماهي الدروس التي يجب أن يستلهما المسلمون من صيام شهر رمضان في المعتركات الصعبة والمواقف الفاصلة.