لقد مثل انقلاب الحوثية في اليمن تعديا على حق الإنسان وإرادته في الحياة ؛ حيث الحرية كقيمة كونية عظيمة شرط وجود الإنسان وبدونها ينعدم وجوده، كينونته وإرادته في التحرر والحياة. - فالحرية كما هو معروف في الدين الإسلامي مقدمة على الشريعة، بل إن الإسلام او الدين ككل لامعنى له في ظل غياب الحرية ، فالضرورات او الكليات الخمس كما في الشرع الإسلامي هي في العمق مدار حق الإنسان في الحياة ، إرادة وتمثلا، كما تتفق وكل الشرائع السماوية في حفظ"الدين ، والنفس، والعقل، والعرض، والمال". بمعنى أن الدين-أي دين كان- قد جاء من أجل الإنسان ولمصلحته التي تمثلها تلك الكليات او الضرورات الخمس، "فالإنسان غاية ما في الطبيعة" -كما يقرر ابن خلدون- لا العكس. وما ورود الدين إلى جانب الضرورات او الكليات الخمس تلك، والتي تشمل وتخص الإنسان الا دليلا وشاهدا على صحة ما ذهب اليه العلامة ابن خلدون، وإتيان الدين هنا من جملة الضرورات الا دليلا وشاهدا مركبا وإضافيا على ذلك؛ حيث انتفاء تلكم الضرورات هي في جوهرها نفي للدين ذاته، ولا معنى للدين-أي دين كان- في ظل انتفاء تلك الضرورات الخاصة والمشمول بها الإنسان وحده. ناهيك إلى أنها تقر بأن انتفاء تلك الضرورات هي نفي لحرية الإنسان ومصادرة حقه وإرادته في الحياة، واغتيالا عمديا له، وكينونته كإنسان ، وسلبا لكرامته ، اضافة عن كون النيل من ذلك الإنسان وبأي صورة كانت هو في حقيقته نيلا من الدين ابتداء وانتهاء. هل الحرية غاية في ذاتها؟
- بيد انني وفي هذه التناول أتساءل/هل الحرية غاية في ذاتها ولذاتها؟ اي مطلقة وبلا حد! - الجواب لا يوجد في عالم الأشياء -محسوسا كان او ماديا/رمزيا ومعنويا- ماهو غاية في ذاته ولذاته سوى الإنسان، اذ لو كانت الحرية غاية في ذاتها ولذاتها ، لكانت حرية الانتحار والقتل محمدة لا مذمة ، شرعا وقانونا وعرفا. - وعليه فإن الإنسان هنا كغاية في ذاته هو شرط وجود للحرية كشيء وصيرورة حياة. والحوثية هنا تتمثل الحرية بالمعنى السلبي لا الإيجابي ، اذ أن حريتها التي تقتفيها وتعتمرها خطابا وسلوكا وموقفا ، يجعل تلك الحرية المنوطة بوجود الإنسان لا معنى لها، اذ هي ضرب من العدمية ؛ حيث تدعي حرية القتل واغتيال الإنسان عمديا ورمزيا، من خلال التحكم بإرادته، وتعذيبه نفسيا وبدنيا، ومنعه من حقه في الإختيار السياسي والإنتماء الإجتماعي والحزبي، علاوة على مصادرة امواله، واستباحة شرفه ، والتهجم على عرضه، فإنها في العمق تعديا على الحرية ذاتها، والدين عينه، والإنسان نفسه. وهذه الثلاثية تجعل من الحوثية مجرمة قانونا وعرفا، دينا وكينونة وجودية ككل، نظرا لتبعات ما تقوم به ، وبالأحرى ما قامت عليه اصلا. اذ الحوثية كفكرة وايدلوجيا ومعنى سياسي ، بنية اجتماعية وثقافية ، اقتصاديا وقانونيا، موغلة في العدمية وبالضد من الحرية كقيمة والعدل كمبدأ، والدين كضرورة والوطنية كانتماء وهوية وكينونة وجود بمعناها ومبناها المجتمعي ككل، وهذا ما سنتطرق اليه في المقال القادم بمشيئة الله تعالى .