لما يزيد على ثلاثة عقود من الزمن كان عموده الأسبوعي (وخز الضمير) في الصفحة الأخيرة من صحيفة الصحوة هو المادة الأولى التي تتلمسها أعين القراء، وفي استطلاع أجرته الصحيفة مع قرائها عام 2004 كان (وخز الضمير ) وصاحبه الأول قرائيا، وحصد أعلى نسبة متابعة من بين مواد الصحيفة وأعمدتها وصفحاتها المتنوعة. كان الصدق هو المادة الأولى والأخيرة التي يحلي بها الأستاذ علي عبدالله الواسعي رحمه الله عموده المذكور بشكل خاص وكتاباته بشكل عام، بعيدا عن البهرجة اللغوية، والتنطع الأسلوبي، ولأنه كان كذلك؛ فقد وصل بعفوية وسهولة إلى قلوب وعقول القراء متلمسا آمالهم وآلامهم، حاضرا معهم وفيهم كل مستجدات الواقع وتقلباته الفكرية والسياسية والاجتماعية، وتلك هي الرسالة النبيلة التي ينبغي على الصحفي أن يسعى في أدائها في مختلف الظروف والأحوال. انطوت حياته رحمه الله على تجربة ثرية ومتنوعة، كان الوعي المبكر أبرز سماتها، وقد دفعه ذلك إلى الالتحاق بصفوف الثورة على الملكية ضمن طلائعها الأولى، وعقب فشل الثورة الدستورية عام 1948 اعتقل في سجن القلعة في مدينة صنعاء، ثم أفرج عنه بعد سبع سنوات، فعاد إلى سابق نشاطه، جنبا إلى جنب مع رفاقة الثوار حتى تحقق الحلم، وأشرقت شمس الثورة، وكان أن صيغت أهداف الثورة في منزله. يحسب للواسعي أنه رائد الصحافة الإسلامية في اليمن، فقد أسس بداية مجلة الإرشاد في مطلع ثمانينيات القرن الماضي، وكانت تصدر عن وزارة الأوقاف، وعقب قيام الوحدة اليمنية والسماح بحرية الصحافة أسس مجلة النور، ومن خلالها ساهم في رفد العمل الصحفي، وتعزيز جبهة المعارضة، ونشر الفكر الوسطي المعتدل. وتعود بدايات عمله الصحفي إلى فترة مبكرة، فقد عمل مديرا لتحرير صحيفة (صوت اليمن) التي أسسها الأستاذ محمد محمود الزبيري في مدينة عدن. مالا يعرفه الكثير عن الواسعي رحمه الله هو أنه كان أديبا مسكونا بالكلمة الجميلة، له كتابات شعرية، كان يواريها تواضعا، كما أنه ألف في مطلع ستينيات القرن الماضي رواية اسمها (جزيرة العميان) وقد دفع بها إلى إحدى دور النشر لطباعتها أثناء تواجده في مدينة القاهرة، لكنه عاد إلى صنعاء، حيث أوكلت إليه مهام شغلته عنها، ومرت السنوات تترى، فضاعت الرواية. كما يحسب له أنه دوْن واحدا من أهم الأعمال التوثيقية عن الثورة اليمنية، ألا وهو مذكرات العزي محمد صالح السنيدار أحد ثوار 1948، وقد نشرت هذه المذكرات في أعداد متوالية من صحيفة الصحوة، ثم صدرت في كتاب بعنوان (الطريق إلى الحرية). وللواسعي أيضا كتاب في التاريخ الإسلامي بعنوان (الإسلام في 14 قرنا) صدر عن مكتبة الإرشاد بصنعاء. وكتب أخرى مطبوعة ومخطوطة. ولد الواسعي في قرية القحقحة في بلاد آنس عام 1929، ثم استقر في مدينة صنعاء، حيث درس في مدرستها العلمية، ثم سافر إلى عدنوالقاهرة، وقبل سنوات رحل من صنعاء إلى اسطنبول كمنفى اختياري عقب الاجتياح الحوثي، وهناك لازمته الأمراض حتى أسلم روحه لباريها بعيدا عن الوطن والأهل والديار. كان رحمه الله سريع البديهة، حاضر النكتة، يحتفظ بالكثير والكثير من المواقف الطريفة التي تخللت العمل الثوري على مدى عقود ممتدة، ولو أن هذه المواقف دُوّنت وصدرت في كتاب لكان وحيدا في بابه ويمثل إضافة فريدة للمكتبة اليمنية.