نعرف أن الحوثية في خلافها مع اليمنيين خلافا في الماهية وليس اختلافا في الكيفية؛ أي خلافا في ماهية الأشياء ابتداء من ثوابت اليمنيين العليا وفضائلهم وأيدولوجيتهم ونظرتهم لقيم الحرية والعدالة التي يتقاسم نظرتها عموم اليمنيين وكل العالم بفئاتهم وأيدولوجياتهم المختلفة. فالدولة والمجتمع وفقا لمفاهيم الفلسفة السياسية ووظائفها، واهتماماتها واهداف المجتمع وثوابت الشعب وقيم ومعتقدات اليمنيين تتقاطع جميعها والحوثية،لذا تنظر إلى السلام بمفهومه واجراءته نظرة إزدراء وسخرية مبطنة بالرفض الكلي،ليس لأنها لا تؤمن به كقيمة واساسا ومدخلا لعودة الأمن والإستقرار والهدوء والسكينة لليمن واليمنيين-فحسب- بل وأن السلام يتعلق بكيانها وميليشياتها وتنظيمها الذي من اجله خلقت وتكونت وأصبحت جزءا من تنظيم وترتيب ونسق إقليمي، محوره ومداره تغيير في البنى والهياكل والمفاهيم والأنساق المجتمعية برمتها. فإيران التي ترتأي تغيير الإقليم ابتداء من وحداته السياسية مرورا بمذهبه وأيدلوجيته وتوجهاته ومواقفه وسلوكه،أو ما تنظر له"الشرق الأوسط الإيراني" حيث تكون هي جوهره والبؤرة والمركز فيه بمفاهيمها السقيمة واجراءاتها العنيفة وميليشياتها المدمرة،تبتغي الحوثية وبقية تنظيماتها الإرهابية والمرتبطة بها اساسا ومحورا جيوسياسيا لأهدافها تلك ومشاريعها القاتلة.أي روافع وأدوات ومرتكزات لمشروعها الإستعماري الجديد، وفق بنى وهياكل جديدة تتبناها استراتيجيتها التي لم تأخذها دوائر صنع القرار العربي وسياسييها وبحاثتها على محمل الخطر والتهديد المباشر والقراءة المستوعبة لتلكم الإستراتيجية الدفينة والموبوءة. وبالتالي فالحوثية واخواتها من التنظيمات وجماعات العنف والإرهاب،تنظر إلى دعوات السلام ومطارحاتها الديبلوماسية نظرة استهزاء ممتلئة بالتفاخر والزهو إذ لم يدرك صناع القرار في الوطن العربي وبحاثته حتى اللحظة جوهر وخطر الإستراتيجية الإيرانية وتنظيماتها العابرة للحدود والمخترقة المجال العربي برمته،بدءا من العراق فسوريا ولبنان واليمن وصولا إلى الخليج"البحرين" وغيرها من الدول التي لاتزال تلكم المخططات كامنة ولم تظهر للعلن بعد. ولنا في الحوثية اصدق مثال وتجربة؛حيث نكث العهد والمواثيق والإلتفاف على دعوات السلام ونبذ وتنحية الخلافات جانبا،كما أن السلام من جهة حيثياته والمبادئ التي يرتكز عليها والأساس الذي يجب أن يبنى عليه هو محل الخلاف ومتغيرا خفيا ومستقلا في رفض الحوثية للسلام وكل دعوة عربية واجنبية من اجله.فالسلام الذي تبتغيه الحوثية ومن ورائها قائم على اساس استكمال تغيير البنى والديناميات الإجتماعية والوحدات السياسية المشكلة للوطن العربي والثقافية ككل ابتداء،أي خلق خارطة جديدة جغرافيا وعلى مستوى العلاقات الخارجية والداخلية إيرانية الصنع والهوية والنشأة،مرورا بالإقتصاد وتغيير الديمغرافيا وصولا للثقافة والهوية برمتها. ولكي يكون السلام ممكنا في اليمن أو في باقي وحدات الوطن العربي الذي وقع في براثن النار الإيرانية بتنظيماتها المتوحشة تلك؛فإولى خطوة تكمن في إدراك المشكل والمأزق العربي الذي أوقعتنا به إيران وأدواتها الرخيصة ومقاربته بطريقة علمية حقيقية أولا، وثانيا تعبئة الموارد المادية والمعنوية والبشرية لجعله غير ممكنا، بل ومستحيلا،أي وأد هذا الحلم ودفنه بشروره كافة،وهذا يتطلب استراتيجية عربية وتكامل عربي شامل وموسع،مع وضع كل من لهم مصلحة وعلاقات وتحالف في الحسبان،إذ أن خطر المشروع الإيراني وأدواته تمتد إلى خارج وحدات الوطن العربي السياسية ونخبه ومجتمعاتهم وهوياتهم ومصالحهم جميعا في خطر،وثالثا على مستوى كل دولة ووحدة سياسية سيبدأ العد العكسي بنزع السلاح من يد جماعة الحوثية واستعادة الدولة شرط اساس لقيام السلام وجعله ممكنا في اليمن،واساسا ومدخلا لعودة الأمن والإستقرار والسلم الإقليمي والدولي.،ما لم فإن سياسة وديبلوماسية السلام والإيغال في محاولات تشجيع الحوثية وتأهيلها من أجل اجتراحه أو حتى مناقشة بنوده والإنخراط في مساره كعبث وسياسة عدمية لن يستفيد منها سوى الحوثية وباقي التنظيمات الملتحقة باستراتيجية إيران وسياساتها المرذولة، ومنحهم الوقت لاستكمال دوائر مشروعهم العنفي والرذيل،وبالتالي جعله مستحيلا أو فاقدا للمعنى والمبنى والأساس الذي يهدف إليه ويرومه على الأقل وإن لفترة زمنية معينة،خصوصا والنظام الإقليمي والدولي يمر بمرحلة سيولة،ولم يتشكل بعد أو يبرز معطيات ودلائل على كيفيته المقبلة، وإيران وميليشياتها واحدة من أكبر اللاعبين في صيرورة تشكله الجديد كما بيناه وأشرنا له آنفا،الأمر الذي لايعزز جماعات العنف والإرهاب على التفشي،بل وأن سياسة إيران واستراتيجيتها تلك وأذرعها المختلفة تخلقه بقصد استكمال حلقات مشروعها وبناء اذرعها،حتى اضحى العنف والإرهاب سمة وامتياز إيراني وماركة مسجلة باسمها،وما جماعات العنف والإرهاب التي تظهر مخالفة لها الا وسيلة وعمادا للإستقطاب والتغلغل لضرب النسيج المجتمعي العربي ووحداته السياسية وأداة من أدواتها الكارثية.