فيما كان النظام الكهنوتي الإمامي في الشمال يصر جاهدا على إغلاق كافة المنافذ و الأبواب على الشمال حتى لا تتسلل منها نسمة حرية، و كان المستعمر البريطاني يعزز حضوره الاستعماري في الجنوب حتى لا تشتعل فيه جذوة ثورة؛ كانت في المقابل قيادات يمنية تتسعر حماسا و مسؤولية تجاه فريضة التحرر و تخليص اليمن من الإمامة و الاستعمار . في عام 1961م. كانت القاهرة تحتضن لقاء من هذا النوع جمع المناضلين : محمد محمود الزبيري، أحمد محمد نعمان ، قحطان محمد الشعبي و محسن العيني، وذلك لتدارس الوضع في اليمن شمالا و جنوبا. و خلص هذا اللقاء إلى تكليف الرئيس الراحل قحطان محمد الشعبي بوضع دراسة وافية عن هذا الأمر مع وضع مقترحات محددة لقيام تنظيم سياسي لليمن شمالا وجنوبا .. فيما ذكر محمد سعيد مصعبين.
هذا الهم الوطني العام، ظل هم الجميع في كل محفل، فقد برز موضوع التكتل الوطني، و هو ما جاء في نشرة "الثوري" التي كانت تصدر عن حركة القوميين العرب في اليمن في عدد يناير 1962 و فيها :" تبذل مساع لإقامة تشكيل يضم كل العناصر المناضلة، و الهدف من هذا التكتل العمل من أجل تحطيم الرجعية في الشمال، وتحطيم الاستعمار البريطاني في الجنوب ".
و كان أهم ما تركز ، في مثل ما جاء هنا و في غيره، هو وحدة الصف الوطني ضد الإمامة و الاستعمار.
هذه السطور - التي تأتي بين يدي الذكرى الثامنة والخمسين لثورة 14 أكتوبر - ليست لإعطاء سرد تاريخي، و لكن لتقف بنا كيمنيين عند مستوى المشروع الوطني العام الذي يهمنا اليوم، و الذي كان بالأمس هو الهم الأكبر لدى اليمنيين في كل محطات نضالهم ضد الإمامة و الاستعمار.
لقد ترجم اليمنيون هذا الهم الجامع عمليا في ثورة 48، و في ثورة 26سبتمبر 62 ، ضد النظام الكهنوتي الإمامي، و في ثورة 14 أكتوبر 1963، ضد الاستعمار البريطاني، حيث كان اليمنيون جميعا في عمق هذه الثورات تخطيطا، و تمويلا، و تنفيذا . كما كانت مناطق و مدنا يمنية ملاذا، و ملجأ، و قاعدة انطلاق لهذه الثورة أو تلك . و لم يكن للقروية، أو المناطقية، أو الطائفية نَفَسٌ يتردّد، أو رأس يُطِل ؛ بل كان الهدف الأسمى، و الغاية الأعلا؛ أن تنتصر اليمن على طاغوت الإمامة، و طغيان الاستعمار .
و ها هو التاريخ اليوم - في هذه الظروف الماثلة - يذكرنا بتشابه الظروف، و بأهمية الالتفاف حول المشروع الوطني العام، لليمن ككل ؛ فالاستعمار يحرك أدواته، و الإمامة الكهنوتية تستدعي فلولها، و كأن الطرفين يستدعيان اتفاقية 1934 بين المستعمر البريطاني و الإمام يحيى حميد الدين في أن تعترف بريطانيا بسلطة الإمام مقابل أن يقر الإمام يحيى لبريطانيا بنفوذها على بقية أرجاء اليمن !!
إن تخادم الاستعمار و الإمامة الكهنوتية له سابقة، و له جذور، لكنها بالتأكيد جذورا سطحية، و سابقة منبطحة، و تبقي اليمن و اليمنيون الأصل ؛ الضاربة جذورهم عبر الآماد و الآباد، منذ و قبل ما كان لسبأ جناتان، أو حين أنذر عاد قومه في الأحقاف.
تاريخ اليمن ؛ بالأمس، و اليوم، و غدا ؛ كتبه و بكتبه ؛ أقيال و أذواء، و رجال صدقوا ماعاهدوا الله عليه، و لا تكتبه حفنة تستأجر، و لا قلة تستخدم، فالطفيليات دورة حياة هشة، و نفثة عابرة، و زَبَدٌ يذهب جفاء، و لا يكتب التاريخ إلا ما يمكث في الأرض و ينفع الناس.
أهلا بذكرى ثورة أكتوبر ؛ منتصرة بكفاحها و كفاح اليمنيين ضد الاستعمار .. أهلا بالثورة اليمنية منتصرة على الإمامة و الاستعمار .. أهلا بالصف الوطني .. بالصف الجمهوري ..بالصف المقاوم ضد الإمامة و الاستعمار.