"جمعة الكرامة"، اسم بات مرتبطاً بواحدة من أبشع المجازر في تاريخ اليمن قياساً إلى العنف الذي طال معتصمين سلميين. فهي محطة دموية لاتزال تلقي بظلالها على الأحداث بعد مرور عام شهد تسويات سياسية يرفضها أهالي الضحايا ويقولون إنها خيانة لدماء الشهداء . في الثامن عشر من مارس/آذار من العام الماضي، اعتلى قناصة موالون لنظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح أسطح المنازل المطلة على ساحة التغيير بالعاصمة صنعاء حيث كان يعتصم عشرات الآلاف من اليمنيين لإسقاط النظام ورحيل الرئيس .
عقب صلاة الجمعة، كان المعتصمون قد بدأوا للتو ترديد شعار "الشعب يريد إسقاط النظام"، وما هي إلا ثوانٍ حتى أمطر القناصة المعتصمين بالرصاص الحي، فسقط عشرات القتلى ومئات الجرحى، وتركزت معظم الإصابات في الرأس والعنق والصدر .
وقالت اللجنة التنظيمية للثورة اليمنية إن 57 شهيداً سقطوا يوم جمعة الكرامة وأكثر من 400 مصاب، إلا أن الموثق وفاتهم 52 شخصاً.
كان عدد كبير من القناصة يعتلون سطح منزل مملوك لمحافظ المحويت أحمد علي محسن، واتهمت النيابة العامة نجله المقدم علي، مدير الأدلة الجنائية بالبحث الجنائي بقيادة القناصة واستهداف المعتصمين.
فيما أعلنت اللجنة التنظيمية للثورة في الذكرى الأولى للمجزرة أدلة جديدة تثبت تورط الرئيس السابق صالح بشكل مباشر في الجريمة، معتبرة أن ما حدث يوم 18 مارس/آذار "جرائم ضد الإنسانية وهي سياسية بامتياز، وليست كما يصر القضاء اليمني على التعامل معها باعتبارها قضية جنائية" .
قبل وقوع المجزرة التي سقط فيها هذا العدد الكبير من القتلى، كان الإعلام الرسمي يقود حملة تحريض ضد المعتصمين، داعياً أهالي الأحياء المجاورة لساحة الاعتصام إلى طردهم .
وعقب المذبحة خرج الرئيس السابق صالح في مؤتمر صحفي يتهم المعتصمين بالاعتداء على منازل المواطنين في الأحياء المجاورة للساحة . وقال مبرراً ما حدث إن "من حق الأهالي أن يدافعوا عن أنفسهم وأعراضهم".
مشيراً إلى أنه يتعين على المعتصمين في العاصمة أن ينتقلوا إلى مكان آخر، حيث لا يكون هناك احتكاك مع السكان"، كما أكد أن "المعتصمين إذا رغبوا في مواصلة اعتصاماتهم فعليهم أن يبحثوا عن أماكن أخرى بعيدة عن الأحياء السكنية لتجنب الاحتكاك مع المواطنين" .
وفي شهر يوليو/حزيران من العام الماضي أعلن مكتب النائب العام، أن النيابة العامة أحالت 79 متهماً بمجزرة "جمعة الكرامة" بساحة التغيير بصنعاء، إلى محكمة غرب الأمانة، وأوضح مصدر في النيابة العامة قوله إن قرار الاتهام "شمل 79 متهماً بوقائع جنائية مختلفة منسوبة إليهم في القضية رقم 451 لسنة 2011 جسيمة الخاصة بمقتل وإصابة عدد من المواطنين في حي الجامعة بأمانة العاصمة يوم ال18 من مارس/آذار 2011" .
ورفض أهالي الضحايا تصنيف الجريمة على أنها "جنائية" وقرروا مقاطعة جلسات المحاكمة. ويقول رئيس اللجنة القانونية بساحة التغيير بصنعاء المحامي باسم الشرجبي ل"الخليج" إن "مذبحة جمعة الكرامة سياسية بامتياز، والمتهم الرئيس فيها هو الرئيس السابق علي عبد الله صالح وعائلته ورموز حكمه".
مؤكداً أن "التحقيقات أظهرت أن منفذي العمليات قناصة من الحرس الجمهوري والقوات الخاصة ووحدة مكافحة الإرهاب بالأمن المركزي، وأن العمليات تمت بعلم القيادات العليا"، فيما تقول منظمة "هود" الحقوقية إنها تحتفظ بوثائق تثبت تورط قيادات كبيرة في الدولة .
ويرفض أهالي الشهداء التسوية السياسية التي تمت وفق المبادرة الخليجية وتمنح صالح وأعوانه ضمانات من الملاحقة القضائية، ورغم رحيل صالح عن السلطة، إلا أن عائلات الضحايا لم تشعر بالفرحة ولايزالون يعيشون الألم والحسرة ويقولون إن فرحتهم الحقيقية ستكون بتقديم المتورطين في القتل إلى العدالة، وفي مقدمتهم صالح وأعوانه .
تقول والدة الشهيد علوي الشاهري ل"الخليج": "لا يمر يوم دون أن أبكي ولدي الذي قتل برصاص علي صالح، ولن نكفكف دموعنا، ولن تهدأ نفوسنا إلا عند تقديم صالح إلى المحاكمة" .
ويرى الناشط في ساحة التغيير بصنعاء، ياسر الشيباني، أن التسويات السياسية لا تعنيهم، وأن ثورتهم مستمرة حتى تحقيق كل أهدافها وأهمها محاكمة المتورطين في جرائم القتل .
ويقول الشيباني ل"الخليج": "ماذا سنقول لأطفال وعائلات الضحايا؟ وأية ثورة هذه التي تنتهي بتسوية سياسية ولا تكافح للوصول إلى العدالة التي تعيد الأمل إلى القلوب والطمأنينة إلى النفوس" . ويضيف: "نحن نرفض منح صالح أي ضمانات من الملاحقة القضائية، ولقد عاهدنا أنفسنا وشعبنا على الوفاء لتضحيات الشهداء وعدم التفريط بدمائهم" .