ودع الإصلاح بمحافظة تعز علما من إعلامه، و رجلا من رجالاته الأتقياء الأنقياء، نحسبه كذلك و لا نزكي على الله أحدا و دعت الأستاذ محمد علي اسماعيل اليوسفي إلى مثواه الأخير؛ رحمه الله رحمة الأبرار. لقد ودعت تعز ابنا بارا من أبنائها الأخيار، ممن قضى عمره ؛ على الحقيقة، عاملا في شتى ميادين المحافظة الدعوية و التربوية و الخيرية و الاجتماعية. و كان مثالا في كل عمل يقوم به؛ فيؤديه بجد و جهد و نشاط دائب.
خاض ميدان التربية و التعليم مدرسا و مديرا و موجها، و كان المدرس المثابر الذي لا يترك وراءه فراغا، و لا يدع ما أمامه مغلقا. ثم أصبح مديرا، فكان المدير المتفاني الذي لا يرى في الإدارة منصبا يباهي به، أو موقعا يتميز به على غيره، أو سلطة يتجبر بها على من سواه، و إنما كان الرجل المخلص الذي يتعامل مع نفسه بصرامة و حزم في عمله و وظيفته التي يؤديها بروح المتعبد ، و يريدها ممن معه بنفس طريقته مع ذاته، كل ذلك بصفاء نفس، و نقاء سريرة، و طلاقة وجه، و ابتسامة تشع من وجه بشوش يدير بها ما يوكل إليه من عمل أو مهام.
كان صدٌاعا بالحق بوعي و قوة، و حين أطلت-كمثال- جماعة الحوثي بخرافاتها، و أباطيلها، واجه تلك الأساطير و الخزعبلات بقوة و وضوح، و لم يكن ممن يتوارى في مثل هذه المواقف، أو يضع لنفسه خط رجعه، أو ممن يقدم نفسه كمحايد، حتى إذا ما اضطره ظرف ما لأن يقول في خرافات الحوثية شيئا تقوّل فيه على الجميع حتى لا يصنّف أو تصنّف مواقفه، و العياذ بالله من أوهام خطوط الرجعة.
كان رحمه الله قريبا من كل أحد، بعيدا عن أي غرور، متواضعا بلا تكلف. و مع بساطته و تواضعه و سماحته أغلق على نفسه أبواب حظوظ النفس، فلا تجره ردود الأفعال غير السوية إلى متاهاتها، و لا تتقلب به العواطف على حساب المواقف الحقة، فقد أحكم- رحمه الله- السيطرة على ذاته، فلم تجد الأهواء إليه سبيلا، و لا وجد انتفاخ الذات إليه طريقا، و هي صفات المربين الربانيين، و الدعاة الصادقين، فكان شفافا كالماء، رقيقا كالنسيم؛ غير أنه كان قويا صلبا في الثبات على المبدأ، متمسكا فيه بيقين، منحازا إليه بتضحية، فما غيّر و لا بدل، و لا تلكّأ أو تردد.
وهذه السطور ليست لمجرد المديح أو الإطراء، و إن كان من حقه علينا و قد أفضى إلى ربه أن نطريه و نمتدحه بما فيه؛ لتكون صفاته و خصاله معالم يأخذ بها الجيل، و يتربى عليها الشباب، و يتعظ بها الأقران، و يستفيد منها من يشاء، فنحن في زمن تسيل فيه الفتن و المغريات، و لا عاصم لأحد منها إلا أن يستعين بالله، و يُلجم عواطفه بالإيمان، و يحفظ مواقفه بالثبات على المبدأ.
رحم الله الأستاذ محمد علي إسماعيل اليوسفي رحمة واسعة، و كل العزاء لأسرته و أهله و أعضاء الإصلاح و جميع محبيه.