الاتهامات المتبادلة مؤخراً، بين طرفي العملية السياسية تجاه موضوع الالتزام بالمبادرة الخليجية تؤكد طبيعة الخلل العام في واقع الممارسة الحقيقية. وبقدر ما هي محاولة للتنصل من المسئولية، فهي تعكس حالة الشك المتبادلة وعدم قدرة الأطراف المعنية على الوقوف بشجاعة أمام الالتزامات المنوطة بهم، فشباب الثورة لم يقدموا تلك التضحيات عبثاً من أجل سواد عيون هؤلاء أو أولئك، وإنما قدموها من أجل إحداث تغيير حقيقي يعيد لليمنيين العزة والكرامة ويحقق لهم تطلعاتهم في بناء دولة مدنية حديثة. وقيام مجلس النواب – الأسبوع الماضي – باستدعاء الحكومة لتقديم تقرير عما أنجزته يعتبر خطوة جيدة، خاصة إذا تمت بعيداً عن أساليب المناكفة السياسية والابتزاز المقصود، لأن مثل هذا الاستدعاء سيجعل الحكومة حريصة على الإسراع بتنفيذ برنامجها وتوضيح العقبات التي تعترضها سواء كانت تلك العقبات موضوعية أو استهدافية. وفي هذا السياق من الطبيعي أن يتساءل الناس عن دور الرئيس عبدربه منصور هادي وموقع مسئوليته فيما يجري على مستوى الساحة اليمنية، فهو رئيس الجمهورية والقائد الأعلى للقوات المسلحة بحكم الدستور، وهو رئيس (لجنة الشئون العسكرية وتحقيق الأمن والاستقرار) بحكم ما نصت عليه الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية، وبالتالي فإنه يعتبر المسئول الأول عن الخروقات العسكرية التي تقوم بها بعض الوحدات، وهو المسئول الأول عن موضوع إنجاز هيكلة الجيش وتوحيده، وهو المسئول الأول عن وقف النزيف الأمني والانتهاكات التي تستهدف إقلاق المواطنين وإبقاء الأوضاع في حالة عدم الاستقرار. وبالتأكيد هناك مسئولية تضامنية وتشاركية بين الرئيس هادي وحكومة الوفاق فيما يخص إنجاز مهام المرحلة، كما جاء في البند (21) من الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية والذي نص على: "بعد الانتخابات الرئاسية المبكرة، يقوم الرئيس المنتخب وحكومة الوفاق الوطني بممارسة جميع المهام الاعتيادية المنوطة بهما على النحو المنصوص عليه في الدستور، وإضافة إلى ذلك يمارسان الصلاحيات اللازمة لمواصلة مهام التنفيذ المحددة للمرحلة الاولى، والمهام الاضافية المحددة في المرحلة الثانية من نقل السلطة...الخ". وحتى الدعوة إلى الحوار الوطني تعتبر مسئولية تشاركية كما ورد في البند (18): " مع بداية المرحلة الانتقالية الثانية يدعو الرئيس المنتخب وحكومة الوفاق الوطني إلى عقد مؤتمر حوار وطني شامل لكل القوى والفعاليات السياسية...الخ". وفي إطار المسئولية التشاركية مثلاً، كان يُفترض أن يتم تشكيل لجنة تفسير المبادرة بعد التوقيع عليها مباشرة، حسب ما نصت عليه الآلية التنفيذية في البند (25) والذي يقول: "في غضون 15 يوما من دخول مبادرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية وألية تنفيذها حيز التنفيذ، ينشئ نائب الرئيس ورئيس وزراء حكومة الوفاق الوطني المكلف لجنة التفسير لتكون مرجعية للطرفين لحل أي خلاف في تفسير المبادرة الخليجية والآلية." وعدم تشكيل مثل هذه اللجنة ربما ساهم في إثارة الجدل القائم والاتهامات المتبادلة. والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا الإطار أيضاً، إذا كان من حق مجلس النواب استدعاء الحكومة ومساءلتها، فكيف يمكن مساءلة الرئيس؟ أو لنقل كيف يمكن التعرف على ما قام به الرئيس، سواء فيما يخص المهام المناطة به شخصياً أو تلك المهام التشاركية مع حكومة الوفاق؟. أليس من حق أبناء الشعب اليمني عامة والمهتمين بالشأن الوطني خاصة، أن يجدوا من الرئيس هادي توضيحاً ومصارحة ومكاشفة صادقة تجاه ما يعيشه الوطن من أحداث وما يتطلعون إليه من حلول ومعالجات؟. فما يبدو حتى الآن، من خلال شكل القرارات والمواقف المرتبطة بها، أن المطبخ السياسي لم يتغير وأن قوى المصالح والفساد لازالوا هم أصحاب الحظوة، واستمرار مثل هذا الوضع بقدر ما يهز معنويات الرئيس، فإنه مع الأيام يضعف ثقة الناس به، ويكون لهذا الضعف انعكاساته السلبية على الأداء العام، كما أن ضعف ثقة الناس يؤدي بعد ذلك إلى اهتزاز المواقف الإقليمية والدولية، فالدعم الإقليمي والدولي مرتبط شرطاً بما يتحقق من إنجازات على أرض الواقع وفي طليعة ذلك إرساء قواعد الحكم الرشيد ومكافحة الفساد والإرهاب وتحقيق الانسجام العام كركيزة أساسية من ركائز الاستقرار والسلام الاجتماعي محلياً وإقليمياً. وبالتأكيد ليس من المصلحة الوطنية أن تبقى سياسة الكولسة هي المسيطرة على ما يجري، فهذه السياسة كلفت الوطن الكثير ولم يعد اليمنييون اليوم مستعدين لتحمل المزيد من المعاناة. كما أنه ليس من مصلحة رئيس الجمهورية نفسه أن يبقى محصوراً بخطاب التبرير الذي لا يمكن معه اتخاذ القرارات الضرورية في اللحظات الحاسمة. والرئيس هادي لا يحتاج إلى التبرير وليس مقبولاً منه ذلك أيضاً، لأنه ليس جديداً على هذا الموقع، فقد تسلم مهامه كقائم بأعمال الرئيس في 4 يونيو 2011م، وتسلم موقعه كرئيس فعلي بمجرد التوقيع على المبادرة الخليجية في 23 نوفمبر 2011م، وأصبح رئيساً منتخباً بشرعية شعبية في 21 فبراير 2012م. [email protected]