و فتحت مكة بعد تمنّع، و دان الملأ الذين ظلوا يمشون بين أهلها محرضين، و مهددين " أن امشوا واصبروا على آلهتكم " و تحطمت تلك الآلهة المُدّعاة، و تلاشت تيك الزعامات أو الملأ ممن تمنت يوما أن لو كان القرآن تنزل " على رجل من القريتين عظيم". إنه الكبر و الغرور، و معهما التناقض، حيث يقرون بإعجابهم بالقرآن، و لأنه لم ينزل على أحد منهم ، فقد جحدوا به ! إنه ادعاء الأحقية لهم وحدهم، و لا حق لسواهم. و هم وحدهم من يقررون هذه الأحقية، و بلا حجة أو دليل. غير أن مستكبري الأمس، و مغروريهم، وقفوا عند تمني أن لو نزل القرآن على أحد عظيمين من عظمائهم ممن يسلِّمون لهم بسمو المنزلة، و المكانة ؛ لكن مغروري اليوم و مستكبريه تجاوزوا أسلافهم عتوا و نفورا ؛ فإذا هم يدّعون أن القرآن إنما نزل بشأنهم، و جاء حصريا بهم ، لبيان أفضليتهم و أحقيتهم بزعمهم و زادوا في زعمهم أن الله أنزل قرآنا مكتوبا ؛ و هناك ما هو أهم فيما يدعون ، و هو أن كل دَعِيٍّ منهم قرآنا ناطقا !! تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا. مزاعم المعتوهين لا تصمد، و لا تثبت، و لا تستمر ، فقد تخلى الملأ من قرش عن صلفهم و تعسفهم، و أذعنوا للحق المبين عندما رأوا آلهتهم تُحطّم يوم الفتح،و لا تنتصر حتى لنفسها. معتوهو قريش ، و ملؤها كانت جاهليتهم جاهلية بسيطة، فلم يكونوا مرتهنين لمن وراء مكة ، و إنما كانوا مرتهنين لغرورهم ، و كبريائهم ، فكذبوا بالقرآن من عند أنفسهم ، و حرضوا عليه " لاتسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون". و حتى ذلك الذي حاول النضر بن الحارث أن يأتي بأساطير ينشرها في أوساط الناس بمكة؛ ليجذبهم إليها بدلا عن القرآن، سقطت محاولته حتى عند القرشيين أنفسهم، فلم يلتفتوا إليها، لأن جاهليتهم بسيطة، و ليست جاهلية مركبة شأن جاهلية القناديل المُصَنّعة. معتوهو اليوم،جاهليتهم جاهلية مركبة، لم يظهروا أنهم ينكرون القرآن، أو يقولون بتحريفه،أو نقصانه كما يقول به من ارتهنوا لهم من ملالي قم ، بل زادوا عليهم بمصادرة حق فَهْم القرآن و تأويله و بيانه، و حصر ذلك كله لمن زعموه القرآن الناطق. سقط مغرورو، و مستكبرو الأمس في مكة ، و تحرر أتباعهم من المستضعفين. و اليوم يترنح مستكبروه،و مغروروه، ممن لا يرون القرآن الكريم هدى للناس أجمعين؛ بل قد غدا قرآنا ناطقا يتمثل بكاهن معتوه يتألهه أتباعه ، و أنه هو القرآن ..!! و كما سقط هُبل الأخرس، و تطهرت مكة، و سقط معه الملأ ؛ سيسقط هُبل الناطق، و ستتهاوى القناديل المصنعة ، و سيتحرر منها الزنابيل ، من المستضعفين ممن رضي و تابعوا مكرهين ! نعم هاجر من مكة أهلها، و هاجر الرسول منها، و لكنه عليه السلام، خرج ليربي، و هاجر ليبني. و هناك في موقع آخر تمت التربية، و اكتمل البناء. إن المحنة مهما تكن؛ لا تحبط الأرقام الصحيحة، و الفتن مهما اضطربت فإنها تصهر القدرات، و تنفي الخبث، و حين يكتمل البناء، يأتي تحقيق الوعد: "لتدخلن المسجد الحرام". و كما تردد في أرجاء مكةالمكرمة "جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا". ستردد مساجد اليمن السعيد كلها، من أقصاها إلى أقصاها الآية نفسها، محطمة كل الأباطيل، و مزيلة كل الأصنام، و الصنمية.