أسوأ ما نفعله أننا نرى أوجاع زملائنا وأصدقائنا وأحبتنا ولا نراها. تمرّ بجوارنا حكايات متخفية في ملامح متعبة... رجل يكابد مرضه بصمت. امرأة تصارع ضيق الحال بكرامة. شاب خذلته الحياة لكنه ما زال يحاول. هؤلاء جميعا يعيشون بيننا.. لكن العيون مشغولة بالتحديق في مسارات الحياة.. والقلوب غارقة في همومها.. والأرواح تائهة في أحلامها.. نسهو ونؤجل السؤال عنهم.. وأحيانا من فرط العجلة ربما نظلمهم بتصنيفات وأحكام قاسية! بالتأكيد لا أحد معصوم من هذه الغفلة.. وهي ليست قسوة متعمّدة بقدر ما تكشف عن خلل عميق في وعينا الاجتماعي.. فالتعاطف مسؤولية نفسية متعبة تتطلب أن نشارك الآخر شيئا من ألمه وهمّه. لكن الموجع أننا لا ننتبه إلا متأخرين... حين نفقد هذا الإنسان نصحو فجأة. نملأ المجالس والمنصات بذكر مناقبه. نتسابق في تعداد مآثره. تتدفق عبارات التأبين كأننا نحاول غسل ذنوب تجاهلنا له. نصير كمن يعتذر بعدما أُغلق الباب وكأن كلماتنا المتأخرة ستمنحه دفئا لم ينله في حياته.! الحقيقة أننا في تلك اللحظة نبكي خذلاننا له... نبكي عجزنا عن منحه كلمة طيبة في أوانها. نبكي لأننا لم نقل له وهو بيننا: "نراك... نشعر بك... نقدّرك". لا نحتاج إلى مناسبة حتى نلتفت لمن حولنا. فلا تجعلوا الكلمة الطيبة مؤجلة لما بعد الوفاة. ربما لا نحتاج أكثر من كلمة لطيفة وتوقيت صادق وحضور بسيط يمنع كل هذا الحزن المؤجل.. لننتبه الآن وهم أحياء بيننا قبل أن يفاجئنا الغياب فنكتشف قيمتهم متأخرين.. لنصغِ لآلامهم ونتحسس أوجاعهم في لحظتها.. لا نرثيهم غدا من باب المجاملة وإسقاط الواجب.. الحياة أقصر مما نظن.. أقصر من أن نؤجل مشاعرنا لمن حولنا إلى ما بعد الغياب.. من نحبهم ينتظرون منا كلمة لطيفة.. عبارة دافئة.. موقفا صادقا.. إنهم يستحقون لمسة تقدير وهم معنا هنا... في هذه الدنيا القصيرة!