ذات لحظة تجلي وجداني كتب إبن ذبحان الشاعر عبدالله عبدالوهاب نعمان الملقب ب"الفضول" قصيدة غنائية مطلعها "مكانني ظمآن" وفيها من الرقة والوجد والشوق ما يعجز القارئ على المرور به إلا وأعاد الكرة ، فتلقفها فنان تعز واليمن أيوب طارش عبسي والذي مثل مع الفضول ثنائية نادرة جمعا فيها بين رقة الحرف وعذوبة اللحن ، وصنع منها لوحة غنائية لازالت حاضرة في الذاكرة الفنية وكأنها قيلت ولُحِنت اليوم ، ودار الزمن دورته وصرخت تعز كلها بصوت واحد "مكانني ظمآن" . ظمأ تعز هذه المرة ليس استعارة بلاغية إنما احتياج حقيقي للماء الذي تجمعت عدة أسباب لتنتج أزمة مياه خانقة في المدينة ، وأعادت للأذهان السبب الرئيسي الذي أوصل مدينة تعز الى هذه الأزمة في المياه ، ويتمثل بحرمان تعز من ضخ المياه من الآبار التي كانت تعذي المدينة حتى جاء أُس البلاء وأساسه والمتمثل بجماعة الحوثي الإرهابية التي بقت منطقة "الحيمة" تحت سيطرتها ، وفيها الآبار التي تغذي تعز ب75% من احتياجاتها من المياه فمنعت ضخها منذ عشرة أعوام خلت ، وهو من أسوأ وجوه الحصار الذي فرضته الجماعة على تعز ، ولازال قائما حتى اللحظة .
هذه الحقيقة المقلقة تعود للظهور في كل عام في مثل هذه الايام حيث تعجز المصادر البديلة عن سد الاحتياج ، وقد سبق ل«هيومن رايتس ووتش» القول أن "الحوثيون استخدموا المياه كسلاح في تعز ، وهناك أربعة من أصل خمسة أحواض تقع تحت سيطرتهم ، مما يجعل الوصول إليها غير ممكن ، رغم أن غالبية السكان يعيشون في مدينة تعز الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية" ، ورفض الانقلابيون التجاوب مع عدة مبادرات ووساطات قامت بها شخصيات اجتماعية وجهات مختلفة لتحييد آبار المياه والسماح بضخ المياه للمدينة ، مع أن السلطة المحلية التزمت بتحمل كل تكاليف ضخ المياه للمدينة والحوبان على حدٍ سواء .
لازالت تعز تواجه ألوانا مختلفة من الحصار ، ولازال الحوثيون يتلذذون بايقاع الأذى انتقاماً من أبناء تعز الذين أختاروا منذ اللحظة الأولى الوقوف مع الدولة ورفضوا الانقلاب عليها ، وهو موقف مشرف وسيظل منارة للاجيال مع أن الضريبة باهضة والثمن فوق الاحتمال .
مما كتبه الفضول وغناه أيوب : كم سرت في وديان خضرا رطاب قد أرتوت سُقيا وداخت شراب واشرب مع الوديان هطل الضباب وانام في افيائها إنَّما.. مكانني ظمآن