عن ثلاثية سبتمبر والجمهورية والإصلاح    هل نبدو نخبة يمنية سلبية في هذا الزمن؟!    الأمم المتحدة تعلن إحصائية للاجئين وطالبي اللجوء اليمنيين في الأردن    الأمم المتحدة تعلن إحصائية للاجئين وطالبي اللجوء اليمنيين في الأردن    النائب حاشد يغادر المستشفى في نيويورك    سريع يعلن عن أربع عمليات عسكرية في فلسطين المحتلة    خبير في الطقس يتوقع هطول أمطار غزيرة على عدة محافظات يمنية    أحمد فتحي .. العود الذي غنّى اليمن للعالم وخلّد الوطن في الذاكرة    حملة نظافة في مأرب بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف    بيان البنك المركزي بعدن.. دفاع مرتبك أم هروب من المسؤولية؟    مساء الغد.. المنتخب الوطني تحت 23 عاما يواجه سنغافورة في التصفيات الآسيوية    مجازر جديدة للاحتلال الإسرائيلي وارتفاع عدد ضحايا التجويع بقطاع غزة    الداخلية تصدر 12 توصية والتزام لفعاليات المولد النبوي    مجلس الوزراء السعودي يجدد التزام المملكة بتحقيق سلام عادل وآمن وشامل في الشرق الأوسط    عدن: تناقض السلطات في مواجهة البعوض والأمطار وشبهات باجندات خفية    إب.. الإفراج عن 282 سجينًا بمناسبة المولد النبوي    في مشهد مناقض للقيم.. عناصر حوثية تعتدي بعنف على موظفة في منتجع سياحي بإب    هيئة مكافحة الفساد تنعي رئيس حكومة التغيير والبناء وعدد من رفاقه الوزراء    حماس: حكومة المجرم نتنياهو تُشنّ حربًا شاملة على المدنيين الأبرياء خاصة في غزة    اختتام دورة بهيئة المواصفات حول متطلبات كفاءة مختبرات الفحص والمعايرة    نادي الصمود الرياضي ينظم ماراثون ل 100 معاق من منتسبي القوات المسلحة    اليمن يشارك في دورة الألعاب الآسيوية الثالثة للشباب    انتقالات الدوري الإنجليزي.. أرقام قياسية في اللحظات الأخيرة    من الاجتياح إلى التحرير.. قصة جيش الجنوب الذي لم يُكسر    محافظ العاصمه عدن بزياره خاصة الى منزل الموسيقار احمد بن غودل    تواصل حملة رفع مخلفات المنخفض الجوي في التواهي بعدن    ذمار .. استكمال كافة التجهيزات الخاصة بالفعالية المركزية للاحتفاء بالمولد النبوي    مسيرة ضوئية بذماراحتفالا بالمولد النبوي    ابتكار ياباني يستعيد نمو الأسنان    غرق شابين في إحدى برك المياه بتريم    فريق التوجيه والرقابة الرئاسي يتفقد مستشفى زنجبار ومركز معالجة الإسهالات    القطيبي ربح 10 مليون دولار في يوم الاحتيال والباقي للحوثي وتجار القات والخضار    البنك المركزي اليمني والمؤامرة على أموال المواطنين    64 دقيقة تقود نعومي إلى ربع النهائي    العمليات البحرية اليمنية تثير دهشة وقلق الغرب    القائم بأعمال رئيس الهيئة وعدد من أعضائها يزورون اسرة الشهيد القاضي مجاهد احمد عبدالله    حرب غزة تؤثر على نفوذ إسرائيل في الكونغرس الأميركي    بلجيكا: سنعترف بفلسطين ونعاقب إسرائيل    «فلاشينج ميدوز».. إيجا الأصغر في ربع النهائي    عدن... انقطاعات الكهرباء تجبر النيابة العامة على دفن عشرات الجثث مجهولة الهوية    الصلاحي: اليمن بحاجة إلى خارطة طريق تنفذها تنقذها من ضلال النخب والوعي الزائف    من أئمة الزيدية إلى وريثهم الحوثي.. الفوضى واستدعاء الحروب شرط البقاء    المبعوث الأممي: اليمن لا يمكن أن يصبح ساحة لصراع جيوسياسي أوسع نطاقاً    رسالة عاجلة إلى الحكومة.. مهندس الاقتصاد .. نسخة لا تتكرر    محافظة شبوة تُحيي ذكرى المولد النبوي الشريف    وفاة الأمين العام للاتحاد اليمني لألعاب القوى عبيد عبود عليان    على هامش الذكرى.. إشهار كتاب "ثوار في رحاب الله" وزارة الثقافة وهيئة الكتاب تُحييان الذكرى ال26 لرحيل الشاعر الكبير عبدالله البردوني    الحليب كامل الدسم.. متى يشكل خطرا على الكبد؟    بشرى النبوة    آن الأوان أن نقرأ البردوني كاملاً، لا أن نختزله في الشعر وحده    اشهار كتاب ثوار فى رحاب الله للبردوني    الرئيس الأمريكي كارتر يزور الصحفي بن سميط في منزلة بشبام    بعد 1500 عام.. حل لغز أول جائحة في التاريخ من مقبرة جماعية في الأردن    يا سر الوجود.. لولاك ما كان قدرٌ ولا إسراءٌ ولا دنيا    ترييف المدينة    إغلاق 10 منشآت طبية وصيدليات مخالفة في مأرب    عظمة الرسالة المحمدية وأهمية الاحتفال بالذكرى العطرة لمولده الشريف    مشروع الطاقة الشمسية.. كيف نحافظ عليه؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شحنات الموت الإيراني.. كيف تُبقي طهران اليمن رهينة للسلاح والدمار؟
نشر في الصحوة نت يوم 19 - 07 - 2025

أعادت واقعة ضبط شحنة سلاح إيرانية ضخمة، الأربعاء الماضي، على يد قوات المقاومة الوطنية في الساحل الغربي، التذكير بالحقيقة التي لطالما جرى التغاضي عنها: الشكوك العميقة حول جدية مليشيا الحوثي في الانخراط بسلام حقيقي، وما إذا كانت الهدن والمسارات السياسية بالنسبة لها ليست سوى أدوات خداع وتكتيك مرحلي.
الشحنة التي تجاوز وزنها 750 طنًا من الأسلحة النوعية لا تمثل مجرد انتهاك جديد لقرارات مجلس الأمن المتعلقة بحظر توريد السلاح لليمن، بل تشكّل صفعة صريحة لجهود الأمم المتحدة ومساعي إحياء العملية السياسية المتعثرة.
يناقش هذا التحليل أبعاد هذه الشحنة وتوقيتها، ويستعرض علاقتها بالاستراتيجية الإيرانية في اليمن، لنفهم كيف يشكل استمرار الدعم العسكري عائقا أمام عودة الاستقرار لليمن بما في ذلك البحر الأحمر.

أبعاد الشحنة الأخيرة

لم يكن ضبط شحنة الأسلحة مجرد حادثة أمنية عابرة، بل شهادة دامغة على استمرار التهريب الإيراني إلى الحوثيين، في تحدٍ سافر للتعهدات والقرارات الدولية مثل القرار رقم 2216، كما تمثّل دليلاً إضافياً على ازدواجية السلوك الإيراني، الذي يجمع بين الإنكار العلني والدعم الخفي المتواصل، في إطار استراتيجية ممنهجة لإبقاء الصراع مشتعلاً وزعزعة أمن المنطقة.
هذه الكمية الضخمة من الأسلحة تعني أن الحوثيين باتوا يمتلكون قدرة متنامية على تنفيذ عمليات عسكرية أكثر دقة وفتكاً، تستهدف ليس فقط الجبهة الداخلية في اليمن، بل تتجاوز ذلك إلى دول الجوار والمنطقة. إن تنوع وتعقيد الأسلحة المصادَرة يعكس وجود شبكة تهريب إقليمية عالية التنظيم تعمل خارج إطار القانون الدولي، وتستخدم طرقاً بحرية وبرية معقدة لضمان وصول هذه الشحنات إلى أيدي الحوثيين، مما يعكس حجم الاستثمار السياسي والعسكري الذي توظفه طهران في مشروع الحوثيين، والذي لا يهدف سوى إلى تقويض استقرار المنطقة وتوسيع نفوذها الجيوسياسي.
تشير المعلومات التي نشرتها المقاومة الوطنية إلى أن الشحنة شملت: منظومات صاروخية بحرية وجوية، ومنظومات دفاع جوي، ورادارات حديثة، وطائرات مسيّرة استطلاعية وهجومية مع منظومات إطلاق، بالإضافة إلى أجهزة تنصّت واستخبارات ميدانية، وصواريخ مضادة للدروع، مدفعية B10، عدسات تتبّع حرارية، قناصات، ذخائر، ومتفجرات متنوعة.
وتؤكد طريقة تهريب هذه الأسلحة أنها على درجة عالية من الاحتراف والتمويه، إذ تم تفكيكها وإخفاؤها داخل مولدات كهربائية، ومكائن صناعية، ومضخات هواء، في حين وُضعت الذخائر داخل أجسام بطاريات مصنّعة بعناية لعدم إثارة الشكوك. ناهيك عن أن الأخطر هو أن مسار التهريب كان غرب الممر الملاحي الدولي في البحر الأحمر، وهي منطقة حيوية للملاحة العالمية، ما يُنذر بعواقب تتجاوز اليمن إلى الأمن البحري الدولي.
كل طن من هذه الشحنة يعني مزيداً من الضحايا، والدمار، وتوسّعاً في النزوح، واستمراراً للكارثة الإنسانية التي يعيشها اليمنيون والتي تُوصف بالأكبر في العالم، بحسب الأمم المتحدة.
استمرارية الدعم الإيراني
إن استمرار تدفّق السلاح الإيراني إلى مليشيا الحوثي بهذه الكثافة والانتظام يمثّل الدليل الأقوى على أن الجماعة لا تمتلك أي نية حقيقية نحو السلام، ولا تعترف بمبدأ التفاوض، ولا تؤمن بالتعايش الوطني كأرضية لحل الأزمة.
رغم كل المبادرات الدولية، والهدن، بما في ذلك تلك القائمة منذ 2022، ومحاولات بناء الثقة، ما زال الحوثيون يراهنون على القوة المسلحة كأداة لفرض أجندتهم السياسية والمذهبية، معتمدين على الإمداد المستمر من السلاح والتمويل الإيراني.
المنطق السياسي البسيط يقول إنه لو كانت الجماعة جادة فعلاً في الانخراط السياسي، لكانت أوقفت التصعيد العسكري، وشاركت بمرونة في العملية السياسية، وتخلّت عن اعتمادها شبه الكامل على العنف المنظم والمدعوم خارجياً. لذلك فإن اعتمادها على القوة العسكرية يعبّر عن رفضها العميق لفكرة الشراكة الوطنية، وتطلّعها لفرض مشروع أحادي بالقوة، وهو ما يناقض كل أسس الديمقراطية والتعايش، ويجعل من أي حل سياسي في المستقبل مجرد وهم يصطدم بجدار السلاح المهرّب.
من جانب آخر، يمثل الدعم الإيراني عقبة كبرى أمام أي جهود دبلوماسية جادة، ذلك أن الميليشيات المسلحة التي تحصل على إمداد مستمر لا تجد دافعاً للانخراط في مفاوضات حقيقية أو تقديم تنازلات، لأنها تؤمن بأنها قادرة على فرض واقعها بقوة السلاح.
أضف إلى ذلك أن هذا التهريب يشكّل خرقاً سافراً لقرارات مجلس الأمن، وعلى رأسها القرار 2216 الذي ينص صراحة على حظر توريد السلاح للحوثيين، وقرار الولايات المتحدة الذي صنّفهم كجماعة إرهابية.
طرق التهريب المعقّدة
أثبتت عمليات ضبط شحنات السلاح أن الحوثيين يعتمدون على شبكات تهريب منظّمة ومعقّدة تمتد من إيران إلى البحر الأحمر، مروراً بخليج عدن وبحر العرب، وتستفيد من ضعف الرقابة على بعض الموانئ والجزر.
لم تتوقف هذه الشبكات عن العمل خلال السنوات الماضية، بل تصاعد نشاطها مؤخراً بالتوازي مع تصعيد الحوثيين البحري واستهدافهم الممنهج للملاحة الدولية.
تبدأ عملية التهريب عادة من ميناء بندر عباس أو ميناء جاسك الإيرانيين، حيث تُنقل الشحنات على متن سفن تجارية أو صيد، ثم تُسلَّم في عرض البحر إلى وسطاء يمنيين تابعين للحوثي. تتولى عناصر حوثية أو مرتبطة بها مهمة التغطية، مثل الصيادين في الجزر الإريترية الذين يستخدمون قواربهم في نقل السلاح، أو عناصر الحوثي الذين ينتحلون صفة خفر السواحل ويوفّرون المسارات الآمنة لإدخال الشحنات إلى ميناء الحديدة.
هذه الشبكات المعقّدة تجعل من الصعب جداً على القوى الإقليمية والدولية رصد كل حركة، مما يمنح الحوثيين قدرة شبه مستمرة على إعادة بناء وتحديث ترسانتهم العسكرية.
التحديات على مستقبل اليمن
إن استمرار تدفّق الأسلحة الإيرانية إلى الحوثيين يشكّل تهديداً وجودياً لليمن، وخطراً متعاظماً على استقرار المنطقة والأمن البحري الدولي.
في الداخل اليمني، تعني هذه الأسلحة تصاعداً في القصف، وتهجيراً قسرياً للمدنيين، وتدميراً للبنية التحتية، وتعميقاً للأزمة الإنسانية التي تُصنّف ضمن الأسوأ عالمياً.
أما على الصعيد الإقليمي، فإن استخدام هذه الأسلحة في استهداف الملاحة في البحر الأحمر والمنشآت الحيوية في الخليج، يضع اقتصاد المنطقة والعالم أمام مخاطر جسيمة، لا سيما في ظل اعتماد التجارة العالمية على هذه الممرات البحرية.
التحدي أمام المجتمع الدولي لم يعد مقتصراً على وقف شحنات السلاح، بل أصبح ضرورة للضغط الجاد على إيران لوقف دعمها العسكري المباشر وغير المباشر للحوثيين، وفرض تدابير فعالة على الجماعة لإجبارها على الدخول في عملية سياسية جادة وشاملة.
من دون تجفيف هذا الدعم الإيراني، ستبقى كل مبادرات السلام محاولات مؤقتة سرعان ما تنهار تحت وقع البنادق المهرّبة.
في المجمل، يعكس الدعم الإيراني المستمر للحوثيين رهاناً استراتيجياً طويل الأمد على هذه الجماعة كمخلب إيراني متقدّم في جنوب البحر الأحمر، بعد تراجع أذرع طهران في سوريا ولبنان.
وهذا يشير إلى أن الانخراط الشكلي للحوثيين في المسارات السياسية لا يعدو كونه تكتيكاً مرحلياً، هدفه كسب الوقت وتعزيز الموقع العسكري، لا القبول الحقيقي بالسلام.
أمام هذا الواقع، يتعيّن على المجتمع الدولي اتخاذ تدابير أكثر صرامة لردع الجماعة وكبح قدراتها، بدءًا من تشديد الحظر البحري، مروراً بالعقوبات على الأفراد المتورطين، وصولاً إلى دعم المسار العسكري إذا استدعت الضرورة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.