علي العمراني أتذكر، ونحن في مجلس النواب، أنه كان يُفترض فينا، نحن أعضاء الحزب الحاكم، أن نؤيد ما يأتي من الحكومة، ولو كنا نراه في غير مصلحة البلد أحيانًا! أما المعارضة فقد كان عليها أن تعارض ما قد يكون صوابًا أحياناً، ولو فيه مصلحة حقيقية للبلد! وأتذكر أحد الزملاء من المعارضة، وهو يقر أن ما وصلنا إليه في اللجنة المالية حول إحدى قضايا الإصلاح الاقتصادي الرئيسية كان صحيحًا، لكنهم سيعارضونه، وحدثني وهو يبتسم، وربما يسخر. ولعل السبب الرئيسي في ذلك، بالإضافة إلى أسباب أخرى، أن الشعور كان لديهم بأن عليهم أن يكونوا في المعارضة على طول، وأن من في الحكم يريد أن يبقى على طول. وكان يصلح لليمن ائتلاف يدوم طويلًا حتى تستقر أوضاعها ويتحسن اقتصادها؛ ولكن ذلك لم يتم، ولا تتحمل اليمن فكرة حكم ومعارضة، على نحو ما كان حاصلاً. وأدعي أنني ممن طالب بالتحالف الواسع طويل الأمد، في وقته، ولكن؛ وهل يطاع لقصير أمر؟! ولعل الأستاذ عبدالله البشيري يتذكر المقترحات التي سلمتها له، بعد الانتخابات الرئاسية 2006، ليسلمها للرئيس صالح رحمه الله! وأتذكر أن الزميل نبيل باشا قد أُعجب بعبارة تحذير وردت في تلك المقترحات، مذكِّرة بانهيار الاتحاد السوفييتي؛ عندما لم يعد الناس مستعدين للتعاون مع الرئيس جورباتشوف وهو يقدم مشروع إصلاح تأخر عن وقته عشرين عامًا، وانهار الاتحاد السوفييتي! كانت جلسات النواب علنية، وكانت الصحافة حرة إلى حد بعيد، وتنقل كل شيء عن البرلمان. وظهر من المعارضة نجومًا، بالحق نوعًا ما، وبالباطل أحيانًا! وكان من أعضاء المؤتمر من يقف ضد الحكومة في قضايا كثيرة، وبعض أولئك، غالبًا ما كانوا غير مرحب بهم من قبل حزبهم الحاكم، وإذا تكرر انتخابهم، فغالباً، يكون ذلك بسبب شعبيتهم في دوائرهم، وحيث يكون البديل صعباً. ونصحني الأستاذ حمود عباد ذات مرة، وكان في قيادة المؤتمر، قائلاً: خفف! فإن الحنق عليك كثير، وهم لم يجدوا البديل فقط، في دائرتك! كان ذلك قُبيل انتخابات 1997؛ وكنت محبطاً فعلاً مما لمسته من أوجه التدهور والاستهتار والغرور بعد حرب 1994، ولذلك قصة وتبعات. وقد يتذكر أبناء العم، أحمد عبده والخضر محمد، ونحن في بلحجف ذات الليل قبيل تلك الانتخابات، عندما ابتدرني أحمد عبده، وقال: أراك طافشًا أو مكتئبًا، يا أستاذ علي، مالك؟ مع أن الانتخابات صارت مضمونة؛ وكل شيء تمام. ورددت: لو أن شريط رصاص يخترقني الآن، لما كان عندي فرق! لعلني كنت أشعر أننا سنعود بعد الانتخابات إلى ذات الوضع حيث الغرور والعنجهية، واللامبالاة. ولا خيارات! ومعلوم أن الولاء والانضباط أساسيان، في الحياة الحزبية، حتى في الدول المتقدمة، وأعرق الديمقراطيات؛ لكن تجاوزات السلطة والمعارضة، ومزايداتها، عندهم، قد لا تكون صارخة، وحتى غبية وفجة، في غالب الأحيان، مثلما هو الحال عندنا. وفي الدول المتقدمة توجد مؤسسات غالبًا ما تكون مستقلة، مثل الجيش والقضاء والإعلام الحر القوي، وتوجد مؤسسات الدولة القوية وهياكلها الراسخة، ومستوى التطور الاجتماعي والوعي، وكل ذلك يحد من أثر أنانية الأحزاب والسياسيين، الذين قد تحتم أولوياتهم خلاف ما تقتضيه المصلحة العامة. أما في تجاربنا فقد تنتهي التجاوزات والمعارضات والمماحكات إلى ضياع البلد والدولة نفسها! يتعرض الوطن اليمني الآن لخطر وجودي، ليس من الح وثي فقط ولكن من الخارج أيضاً، وقد قيل وسيقال في الح وثي أكثر مما قال مالك في الخمر، وهو يستحق ذلك وأكثر، لكن الصمت يكاد أن يكون مطبقاً فيما لا يقل خطراً إن لم يكن أشد، من عبث الخارج، وممن يُعدون حلفاء! ويبقى السؤال أين الناس؟! أين من كانوا رجال دولة، ومن كانوا نجومًا في المعارضة، أين القوميون والاشتراكيون، وأين المثقفون والإعلاميون تجاه ما يتعرض له الوطن من انتهاكات لاستقلاله وسيادته وسلامة أراضيه، وكان صوت هؤلاء وأولئك واضح وجلي ومبين، وبعضهم صارخ جداً! ولا يشكك في وطنيتهم أحد؟! قد تتلاشى النجوم اللامعة وتنطفئ ولا يعود لها أثر، مع أن الوقت الطبيعي للنجوم الساطعة اللامعة هو عندما يشتد الظلام. ما تزال في أحزابنا الآن قدرات ومهارات، لا تقل إمكانات ووعيًا وثقافة، إن لم تزد عن شخصيات وطنية تاريخية مثل الزبيري والنعمان وباذيب والموشكي، وغيرهم؛ لكنهم مُؤطَّرون في أحزاب لها مصالح، قد لا تتفق دائمًا مع مصالح الوطن، وقد يكون في السكوت والتغاضي عما يجري ضد مصالح الوطن ما يحفظ مصالح أحزاب وأفراد. وفي ذلك تجد الأخطاء الكبرى الماحقة من يسكت عنها أو يدافع عنها في كل الأحوال وكل الظروف، وهكذا يتنامى التدهور والخراب، دون وجود إجماع، أو أغلبية في مواجهته. وهكذا يضيع الوطن، وفي النهاية سوف تضيع الأحزاب، والقادة والأعضاء، وقد يكسب الفاسدون واللصوص والمنتفعون أموالاً، لكنها ليست عوضاً عن الكرامة والوطن.