كان يوم 20 مارس 2015م. يوما بائسا في تعز، و ذلك أنه كان مولودا غير شرعي،لأب غير شرعي هو 21 سبتمبر النكبة، حيث تخلت فيهما قيادات عسكرية كبيرة لألوية و وحدات عسكرية ، و سلمت بخضوع مهين لمليشيا الحوثي. في تعز لم يقف أي قائد لواء عسكري ليواجه الحوثي، و إنما تعاملت جميع الألوية بنفس الخضوع المهين الذي تعامل به إخوة لهم في صنعاء العاصمة التي غُدرت.
و كانت تعز أمام خيارين: الخضوع تبعا لخضوع أربعة عشر لواء، تركها قادتها لقمة سائغة لمليشا الحوثي، و تلقي بيدها لمليشيا الحوثي تسومها كيف تشاء، أو تأخذ بالعزم و الحزم، و تواجه الحوثي و ما استلبه من ألوية غَدَر بها قادة منها !
لا أحد يستطيع أن يبرر لقادة تلك الألوية الاستسلام بحجة خوفهم على أنفسهم بأنهم لم يكونوا من تعز ؛ لأن الحر يرتبط بالمبدأ لا بالقرية، أو الحارة ! و قدكان هناك ضباط أحرار من محافظات عدة، و جنود انضموا للمقاومة الشعبية التي أعلنت عن نفسها سريعا.
و بقي السؤال المؤلم ؛ أين ذهبت تلك الألوية الأربعة عشرة، و قادتها، و غالبية منتسبيها ؟!
برزت المقاومة الشعبية من مختلف شرائح المجتمع؛ لتحل محل جيش نسي قادته القسم، و سارع ضباط و جنود، و أفراد أمن للعمل كمقاومة أولا ؛ ثم لحقه سريعا قرار الرئاسي عن تشكيل ألوية جديدة من ضباط و أحرار تلكم الألوية التي عاب بها قادتها الذين استسلموا للحوثي.
و بقيت المقاومة الشعبية و الألوية الناشئة بضباط أحرار تواجه مليشيا الانقلاب الحوثية؟
نعم ، المقاومة الشعبية: من مدرسين، و طلاب، و مهندسين، و عمال، و أطباء، و مزارعين، و قضاة.. الخ.
و أين الأربعة عشر لواء، بل أكثر ؟!
صمدت تعز بجيشها الذي نشأ، و بالمقاومة الشعبية. و ماذا فعل المدرسون، و المهندسون، و الطلاب،و العمال .. الخ؟ تحملوا مسؤوليتهم التي ندبوا أنفسهم تطوعا للدفاع عن الكرامة، و الهوية و العقيدة و التاريخ و العرض؟
نزح البعض إلى صنعاء ، و منهم إلى ضفاف النيل، و مضى الجندي، و المدرس، و الضابط، و الطالب... يخوضون معركة جيش ناشئ، لم تكتمل بعد يومها كتائبه فضلا عن ألويته، و مدنيين من المدرسين و الطلاب.. الخ. يطهرن المدينة شبرا شبرا، و الناس ممتنون، يهللون، و يكبرون للجندي الذي يقاتل بالبندقية، و يستلف الذخيرة، و يشيدون بالمدرس الذي ترك المدرسة، و التحق بالمعركة، و الطالب الذي ترك قاعة الدرس و لازَمَ متراس المواجهة، و العامل الذي رمى بالحجنة ؛ ليصطحب البندقية.
بهؤلاء، و الحاضنة التي وقفت معهم تحررت المدينة، و مديريات أخرى ، و تسامع الذين نزحوا منها ، و راحوا يتأكدون من أنها آمنة، و مستقرة، فعاد من كان غادرها، واطمأن بها، و فيها.
وعرفت القيادة السياسية لأولئك المدرسين و الأطباء، و الطلاب، و العمال .. الخ. جهدهم، و جهادهم، فأعلنت بضمهم للجيش الوطني، و أهّلت بعضا منهم بدورات.
و هنا.. برزت تعز بجدها، و جهدها، و حاضنتها، و جيشها، و مقاومتها، و مخلصي رجالها،و دورها،و تميزها. تلفت الذين اخطأوا في الحساب، و تواروا هنا أو هناك، كيف لا يكون لهم نصيب من هذا، أوذاك الدور. فراحت قلة اليوم تزيف التاريخ و الوقائع، و نسي أو تناسى أحدهم أنه كان يتصل كل مساء، بفلان،أو علات ليعرفه بالجديد ، و كيف تسير الأمور في المواجهات. و راح الأكثر اليوم يقدحون، و يطعنون بالجيش، و الأمن، و الحاضنة؛ و مضوا على قاعدة:
إذا أنت لم تنفع فضر فإنما يُراد الفتى كيما يضر و ينفع
الأفراد ، والمجتمعات ، و الشعوب الحية ، تفخر و تفاخر بأبطالها، و حاضنتها، و جيوشها، و مقاومتها، و تبقى فئة انتهازية أخطأت على نفسها بحساباتها، و بدلا من أن تراجع حساباتها،و تصحح مسارها، أبت إلا أن تزداد غيا.
تعز ! لا تستحق من تلك القلة، و لا من أولئك البعض هذا الجحود و النكران، ناهيكم عن الحملات المسعورة، من الاستعداء، و التحريض، و الشيطنة.
تعز بأحرارها و جيشها، و حاضنتها، لاتزال يدها قابضة على الزناد، دفاعا عن كرامتها، و هويتها و ثقافتها، فأووا إليها راشدين، أو كفوا عنها ساكتين.