إذا كان القرن الماضي هو عصر الاستبداد والظلم والديكتاتورية؛ فإن إطلالة القرن الواحد والعشرين قد جاءت بعصر الشعوب, وبدأت الشرارة من(سيدي أبو زيد) في تونس لتشتعل الثورات في أنحاء مختلفة من عالمنا العربي, وصار(محمد البوعزيزي) شاهداً على حالة القهر والإذلال التي جعلت المواطن العربي يفقد القدرة على المزيد من الاحتمال, لكن هذا الفعل الذي ربما بدا إحباطاً ويأساً , تحول إلى ثورة عاتية اقتلعت الطواغيت الذين أخذوا يتساقطون واحداً تلو الآخر !! غيرت الشعوب نفوسها وقررت الانتفاضة على حالة الضعف والهوان, عزمت أن تعيش بحرية وكرامة, فكان لها ما أرادت, وتلك سنة الله في الحياة أن من يقبل الذل والهوان ويرضى بالعيش الذليل يتجرع المرارات ويعيش على هامش الحياة, ومن يضحي من أجل الحرية والكرامة يسعد بهما ويتفيؤ ظلالهما الوارفة.. لم يأت الربيع العربي رغبة في الانتقام, أو تمرداً على أنظمة عادلة, بل ظل رواد الأمة ودعاتها وقادة الرأي فيها ينادون بالإصلاح والتغيير, فلم يجدوا آذاناً صاغية ولا قلوباً واعية, تجاهلهم الحكام ووضعوهم بين خيارين إما الترغيب والإغراء مقابل السكوت والخنوع, أو التعامل بالحرب والاعتقال والتعذيب والتنكيل والقتل, فضاعت طاقات الأمة وإمكاناتها وأوقاتها, وتخلفت عن ركب العالم, ومازالت في عداد الدول النامية والمتخلفة والفقيرة, صارت تستجدي ولا تعطي , تأخذ ولا تمنح, وكان لابد لذلك الليل من آخر. بدأ الحراك الشعبي في المملكة المغربية, وطالب المحتجون بالإصلاحات, فأدرك النظام المتغيرات , ولم تأخذه العزة بالإثم, فوافق على إجراء تعديلات دستورية تحقق الكثير من المطالب الشعبية, نقل الكثير من السلطات والصلاحيات إلى الحكومة, وجعل حق التعيين لأكثر من ألف وظيفة قيادية في الدولة من اختصاص الحكومة, وأبقى لنفسه وظائف محدودة يصدر فيها الملك قرار التعيين, سمح بانتخابات حرة ونزيهة, وتمت الانتخابات التي نقلت المعارضة إلى السلطة بإرادة شعبية, واستطاع حزب العدالة والتنمية أن يشكل حكومة ائتلافية مع أحزاب أخرى, ومن بقي في المعارضة ظل متمتعاً بحقوق وحريات تسمح له بأدوار فاعلة بدون انتقاص ولا تهميش !! واستكمالاً لهذا النهج الديمقراطي يحق لكل حزب ينجح في الانتخابات أن يعين عدداً من الموظفين في البرلمان ينتتدبهم من العاملين في الجهاز الإداري, ويعود هؤلاء إلى وظائفهم بعد انتهاء الدورة الانتخابية, وبهذا لا يظل الكادر الإداري للبرلمان حكراً على حزب ولا جهة ولا جماعة .. وفرّ الإخوة في المغرب إمكاناتهم وطاقاتهم, وحقنوا دماءهم, وانطلقوا يتنافسون في برنامج البناء والعطاء, ولو أن الأنظمة العربية سلكت هذا السبيل , وسمحت بالتداول السلمي للسلطة لأحسنت لنفسها أولاً, ولكسبت ودّ واحترام شعوبها, لكن التوفيق لا يهتدي إليه إلا القليل . وفي المؤتمر الوطني السابع لحزب العدالة والتنمية المغربي رسم أبناء الحركة الإسلامية صورة رائعة للتعايش والقبول بالآخر, وأبرزوا قدرتهم على الجمع بين الاهتمام بقضايا الناس المعيشة والاعتزاز بمنهج الإسلام الوسطي, والالتزام بالشريعة الإسلامية, مع التعاطي الايجابي مع دول الغرب وخاصة جارتهم أسبانيا التي كان لها حضور في مؤتمرهم العام, وتحدث الأستاذ عبد الإله بن كيران رئيس الوزراء الأمين العام للحزب بلغة الرباني الواقعي والموضوعي ليقدم صورة مشرقة للمسئول الصادق الذي افتقدناه منذ زمن بعيد. الحضور الكبير والمتعدد للأحزاب العربية والإسلامية, ومنهم حماس وفتح, كان دعوة واضحة لاستعادة أمتنا لقوتها ووحدتها, وبشارة خير ننتظر أن تؤتي أكلها في موسم الربيع العربي وعلى مستوى دول العالم .. [email protected]