استضاف منتدى الدكتور غالب القرشي أمس الأحد القاضي مرشد العرشاني وزير العدل، الذي حاضر في المنتدى بحلقة نقاشية بعنوان "القضاء اليمني بين الواقع والطموح". وفي الندوة التي كانت ساخنة المداخلات والنقاشات، قال القاضي العرشاني، القضاء في اليمن بحاجة إلى استقلالية حقيقية بحسب مواد الدستور والقانون.
متهماً النظام السابق بتكريس القضاء لخدمة مصالحه الخاصة وتجييره، وقال: "السلطة التنفيذية السابقة سيطرت على القضاء بالتدخل في شؤونه وأنشأت العديد من المحاكم لتنفيذ رغباتها، كما أن وزارة المالية ضيقت على السلطة القضائية مالياً حتى أفقدته استقلاليته".
وأضاف القاضي العرشاني: "جئت إلى الوزارة ومشروع قانون السلطة القضائية معروض أمام مجلس النواب قبل أن آتي إلى الوزارة بفترة، وهناك أربعة مشاريع (تصورات) مطروحة على المجلس، وحسمت أن تكون وزارة العدل هيئة خدمية لمجلس القضاء الأعلى".
وأكد القاضي العرشاني على حاجة القضاء إلى قوة الدولة وهيبتها وقوة الجهاز الأمني لتطبيق الحكم القوي وتنفيذه بعيداً عن تدخلات النفوذ والأجهزة الأخرى والجهوية.
وكشف القاضي العرشاني عن أنه قدم استقالته إلى مجلس الوزراء، وقال: "قدمت استقالتي لرئيس الوزراء وقاطعت جلسات المجلس لجلسات متتالية احتجاجاً على رفض وتجاهل وزارة المالية لمطلب مجلس القضاء بأن تكون ميزانيته 5%، حتى جاء أمر الرئيس إلى إعادة 5% من الموازنة لمجلس القضاء".
كما كشف عن أن الدفعة الحالية التي ستتخرج من المعهد العالي للقضاء "ستحال كلها إلى العمل في النيابة العامة، وفي المستقبل سيتم اختيار قضاة من بينهم بحسب الكفاءة والنزاهة".
وقال العرشاني: "عجلت التغيير دارت وستبلغ منتهاها، وأي ممارسة خاطئة ينتقدها الناس ولم يصبروا عليها حتى تتبين خيوطها"، مضيفاً: "وزير العدل ليس اللاعب الوحيد في مجال القضاء وهو مكبل بمجلس الوزراء وبعض الأجهزة وبحسب سياسة المرحلة، وهناك وضع متراكم متردي يعرفه الجميع".
واستعرض وزير العدل في الندوة فيلماً تسجيلياً وتحقيقاً بوضع القضاء ومرافقه العامة وبناه التحتية في المحاكم في بعض محافظات الجمهورية. وأظهر التسجيل المعروض (فيديو) رداءة المحاكم وتشققاتها واهترائها وهي متردية، وبعضها في حاويات وكنتيرات، وأراشيفها مبعثرة أشبه ببسطات البساطين إلا أنها مزرية، ووصل الحال ببعضها إلى وضع سجلاتها وأرشيفها في الحمامات بصورة سيئة للغاية.
وقال العرشاني معقباً: "لدينا طموح في إعادة الهيكلة والبناء والتدريب البشري في القضاء لإيجاد العنصر النزيه الصالح، وكذلك إيجاد الربط الشبكي، والتوسع في البنى التحتية لإيجاد مبان نموذجية للقضاء، وتوفير التجهيزات اللازمة للقضاء، والاهتمام بالمعهد العالي للقضاء للارتقاء بالقضاة".
بعد ذلك فتح باب المداخلات والنقاشات، حيث عقب المحامي محمد ناجي علاو رئيس منظمة هود، مستعرضاً بعض أسباب تردي القضاء اليمني، وقال: "دخل القضاء في الثورة متأخراً وأنشئ منذ سبعينيات القرن الماضي وعمره قصير. وفي دولة الوحدة صار للقضاء دور سياسي، وكان يدير القضاء مكتب رئيس الجمهورية علي الآنسي بعيداً عن مجلس القضاء، كما تم عسكرة القضاء والقضاة ضباطاً وأسميته أركان حرب القضاء".
وأضاف علاو: "لقد كسر أهم مبدأ من مبادئ القضاء وهو الاستقلالية، وعدد القضاة وأعضاء النيابة في الجمهورية 2100 لثلاثة وعشرين مليون نسمة هم سكان اليمن". وانتقد علاو حال القضاة في إدارة القضاء بدون تأهيل أو تخصص، وطالب بإصدار دراسة حقيقية للقضاء في الهيكلة والبنى التحتية والتوسعة وغيرها وتكلفتها الاقتصادية، وعمل ورش ودراسات استراتيجية متعددة في هذا الجانب بمساعدة كل القوى السياسية التي كانت تطالب باستقلال القضاء.
وفي مداخلة لرئيس لجنة العدل والأوقاف بمجلس النواب رئيس المنتدى الدكتور غالب القرشي، قال: "ما تم عرضه في التسجيل غيض من فيض وهو قليل لما وجدناه في هيئة العدل والأوقاف بمجلس النواب، فقد وجدنا العجب العجاب، ولا بد أن يكون القاضي عالماً في مجاله".
مضيفاً: "طالبنا بأن لا يكون وزير العدل عضواً في مجلس القضاء، وشددنا على انتخاب مجلس القضاء من الأقدر، ولا بد من استقلاليته. وأن أكثر الناس اليوم يشكون من القضاة وخاصة قضاة التنفيذ، وهناك أحكام من 25 سنة لم تنفذ حتى اليوم".
أمين عام القضاء الأعلى القاضي هزاع اليوسفي من جانبه قال في مداخلته: "نشعر بما يعانيه اليوم المواطن اليمني من مشاكل إذا وصل إلى القضاء، وهناك كثير من العوامل لتراكم مثل هذه المشاكل، من مثل قلة المحاكم المختصة، ومن المآسي أنه توجد محكمة لتشمل أكثر من محافظة كمحكمة في عدن تضم عدن ولحج وتعز، وهو واقع مؤلم وغير مستساغ ويكلف المواطن آلاماً نفسية وجهداً ومالاً وغير ذلك، وقد رفع وزير العدل مذكرة بدراسة إنشاء المحاكم المتخصصة وهي منظورة أمام مجلس القضاء".
مضيفاً: "لا توجد لائحة لتوصيف أعمال الوظائف في المحاكم والنيابة تحدد لكل موظف مهامه وحدود اختصاصه كالقاضي وأمين السر وعضو النيابة. ونحن بحاجة إلى تحسين الوضع الحالي وإزالة العراقيل التي يشعر بها المواطن، وبعض القضاة بحاجة إلى تأهيل وتدريب".
القاضي محمد الماوري عضو المحكمة العليا شدد في مداخلته على استقلالية القضاء وأن يكون مجلس القضاء العلى من القضاة الأقدمين المتدرجين في السلك القضائي "ولا يجوز أن نحمل وزير العدل ما لا يحتمل لأن القضاء لا زال يسير في تنفيذ السلطة التنفيذية، وهو لا يملك من قراره شيئاً".
وأضاف: "القوى السياسية تتحمل مسؤولية التأسيس للنظام القادم الجديد للدولة وعلى رأسها استقلالية القضاء، وأن يكون هناك قرار قوي من مؤتمر الحوار الوطني القادم يعمل على استقلالية القضاء".
المحامي خالد الآنسي من جهته دعا إلى استقلال القضاء واستغلال وزارة العدل للظروف الراهنة إلى إطلاق مشروع وقانون السلطة القضائية قبل أن تأتي سلطة معينة وتجير ذلك لصالحها. كما دعا إلى استثمار البنية التحتية للمحاكم وإنشاء 301 محكمة كما هو الحال عدد الدوائر الانتخابية في اليمن، وانتقد التداول الوظيفي في القضاء ومثل لذلك بأن القاضي عصام السماوي أقيل من رئاسة المجلس الأعلى للقضاء وتعيينه عضواً في المجلس، واتهم وزير العدل بإجهاض احتجاجات القضاء، الأمر الذي نفاه الوزير.
وكان الشيخ ورجل الأعمال نبيل الخامري قد افتتح المنتدى بالإجابة عن سؤال: ماحقيقة ما يجري في ريدة من قتال بين الحوثيين ورجال القبائل؟ وهل لإقالة كهلان أبو شوارب يد في ذلك القتال؟باعتبار الشيخ الخامري نائب رئيس لجنة الوساطة بين الحوثيين وسلفيي وقبائل دماج وكتاف في صعدة.
فقال الشيخ الخامري: "ما يحصل في ريدة من قتال في رأيي وفي رأي الجميع هو بسبب عدم الحسم الثوري الذي جعل القتلة والفاسدين يسرحون ويمرحون دون حساب أو عقاب، وعلى القضاء محاسبتهم".
مضيفاً أن "تحالف الحوثيين مع المؤتمر وعلاقته بإبعاد كهلان أبو شوارب سبب وارد بما يجري في ريدة من قتال، ودون محاسبة القتلة سيستمر الإنفلات والاقتتال".
وكان حضور منتدى هذا الأسبوع لافتاً من حيث الشخصيات والعدد وكذلك من حيث سخونة النقاش والمداخلات.
حضر المنتدى الدكتور عبدالله محسن الأكوع، وعدد من القضاة والأكاديميين والمحامين والمهتمين، ومن شباب الثورة.