سنظل بحاجة إلى حشد الجهود والإمكانات, والتغلب على الخلافات والارتفاع فوق الجراح, والنظرة المتفائلة للمستقبل؛ لأننا شعب أنهكته الحروب, وأوهنت قواه الصراعات, وبددت خيراته الأثرة والأنا, وأضعف مركزه الظلم والاستبداد, وما لم نتعظ بتجارب الماضي, ونثق بالله ثم بأنفسنا, ونأرز إلى شريعتنا السمحة, ونتمسك بقيمنا النبيلة في التسامح والتعاون فإن واقع التردي والانهيار سيستمر, ولن ينفعنا تعاطف الآخرين معنا, ولا بكاء المحبين على سوء أحوالنا, ولن يجدي تعاون الأشقاء والأصدقاء لإخراجنا مما نحن فيه!! علينا أن نعلم بأنا لسنا بدعاً من البشر, فالصعوبات والمشكلات متلازمات حياة الإنسان, والعقلاء والمخلصون لأوطانهم يبحثون عن الحلول ويجتهدون في البذل والعطاء حتى يتجاوزوا واقعهم المُرّ, ينشغلون بالعمل ويتركون المراء والجدل, وبهذا انتقلت شعوب كثيرة من القلّة إلى الوفرة, ومن الضعف إلى القوة, ومن الفقر إلى الغنى, ونحن أولى بالأخذ بالسنن الآلهية: " كلاً نُمدّ هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاءُ ربك محظوراً " كل يوم يمضي نكتشف أن فضل الله علينا كان عظيماً, فقد كادت اليمن أن تصل إلى الدولة الفاشلة وكان ينتظرها الأسوأ, فكل محاولات إصلاح الاختلالات قوبلت بالرفض أو المماطلة أو الالتفاف, لتفتح الثورة الشبابية الشعبية السلمية أعيننا على واقع مخيف ونيران تتأجج تحت الرماد, وآلام متراكمة في النفوس لم ينسها تقادم الزمان ولا قرب المكان. هيكل دولة تقوم على المحسوبية والقرابة, وقوانين تُطبّق على الضعيف ويستثنى منها المرضي عنهم, واستثناءات لا حصر لها تخرق القواعد المتعارف عليها, موازنات شكلية ليس للبرنامج الاستثماري منها إلا ما يذرّ الرماد على العيون, وديون داخلية تصل إلى أكثر من ترليوني ريال وأقل منها ديون خارجية, وفوائد ربوية على الديون تزيد عن خمسمائة مليار ريال سنوياً, ومرتبات لمئات الآلاف لا يعملون وكثير منهم أسماء وهمية – خاصة في الجيش والأمن - يتسلّمها متنفّذون, وطاقة كهربائية لاتصل إلى ألف ميجاوات وبنية تحتية متخلفة, ومئات الآلاف منتقصة حقوقهم خرجوا اليوم يجأرون بالشكوى يطالبون بها... لا أقصد هنا أن أدين الماضي أو أبرر للحاضر, لكن معرفة الداء يساعد على وصف الدواء, والاعتراف بالواقع بداية صحيحة للانطلاق نحو المستقبل. أرى أن جميع القوى السياسية مدعوة اليوم أن تشعر بالمسؤولية, وتتجه نحو تفكيك عقد المشكلات, وتبتعد عن المكايدة والمكابرة وتسجيل المواقف, الواجب عليها أن تعمل لتضميد جروح الماضي, وتغُذّ السير نحو بناء المستقبل لإعادة بناء الثقة والمشاركة في صناعة الحاضر, ونأمل أن يوفر الحوار الوطني البيئة الحاضنة لتحقيق الآمال ووضع الحلول للمعضلات المتراكمة. [email protected]