بدون تمويل خارجي لأي دراسة .. كان خبراء اقتصاد يمنيون عديدون يحذرون منذ سنوات طويلة؛ وبالتحديد منذ تنفيذ برنامج الإصلاحات الاقتصادية على الطريقة المؤتمرية؛ بأن هذه الخطط لن تؤدي إلى تحسين الوضع الاقتصادي في البلاد ولا إلى تحسين الحالة المعيشية للمواطنين .. لأسباب كثيرة؛ من بينها: الإدارة الفاشلة الغارقة في الفساد .. ومن بينها أن الإصلاحات المفترضة ركزت على جباية الأموال من المواطنين ولم تهتم بإحداث إصلاحات حقيقية وجذرية في جهاز الدولة الذي يخطط وينفذ تلك الإجراءات! وهاهي (15) عاماً تمر على بدء برنامج الإصلاحات المؤتمرية وبلاد السعيدة تقف على حافة خطيرة من المشاكل والأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية .. فلا اقتصاد أنصلح ولا سياسية رشدت ولا بيئة نجت من التدمير والتخريب .. ولا ثقافة وتعليم وصحة يمكن أن تفاخر بها موزمبيق أو جيبوتي أو حتى جنوب السودان! *** عاندت السلطة وأصرت على تمرير خططها وصدقت المستشارين الذين تبدأ وتنتهي علاقتهم بالاقتصاد بأرقام حساباتهم في البنوك ومقدار ما يزيد فيها! مئات وآلاف الدراسات والتقارير والمقالات والتصريحات وحلقات النقاش في كل مكان حذرت السلطة بأن طريقها في الإصلاحات المزعومة مسدود! ولكنهم عاندوا وكابروا! وهاهم اليوم يصلون إلى النتائج التي وصل إليها الآخرون .. مع فارق 15 سنة زادت فيها المعاناة .. معاناة الشعب وليس معاناة (الكبار) الذين كبرت كروشهم من نتائج العمل مع المنظمات الدولية التي مولت إصلاحاتهم التي صارت بحاجة إلى إصلاح سريع وجذري! ربما .. لأن الذين حذروا كانوا يمنيين فإن تحذيراتهم لم تجد لها آذاناً صاغية لأن (الخبرة) كانوا جيوباً مفتوحة شعارها: هل من مزيد .. والذي يلاقي العاقبة يدق بها صدره! وربما .. بل بالتأكيد –لو كان المحذرون أجانب لوجدوا مسئولاً يقول: احتمال كلامكم صحيح .. أعطونا فرصة سنتين فقط- وليس 15 عاماً- لإصلاح (مالي) و(إداري) وبعدها نفكر في الإصلاحات الحقيقية! *** وزارة التخطيط والتعاون الدولي نفذت دراسة بتمويل من منظمة (أوكسفام) حول نتائج الإصلاحات الاقتصادية. بعنوان (أصوات الفقراء: تقييم أثر خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية الثالثة للتخفيف من الفقر (2008-2010م) ووصلت الدراسة إلى نتيجة –معروفة سلفاً عند اليمنيين- بأن الفقراء لم يلمسوا تحسناً في أحوالهم المعيشية .. لأن الخطة انحازت إلى الأغنياء .. أي هؤلاء هم الذين استفادوا منها! الله يقبح شياطينكم .. خطة لمدة خمس سنوات للتخفيف من الفقر ولا يستفيد منها إلا الأغنياء؟ وأيضاً لم يستفد منها –وهذه من عندنا وليس من الدراسة- إلا المسئولون الذين أشرفوا على إعداد الخطة وتنفيذها؛ لأنهم أقاموا شراكة مع المؤسسات الدولية التي منحتهم مكافأة وعلاوات بالدولار طوال المدة فتحسست أحوالهم المعيشية! ولأنهم يعتبرون أنفسهم فقراء .. فقد ظنوا أن الخطة نجحت في التخفيف من الفقر! المهم .. كان لابد من تمويل أجنبي لدراسة تؤكد فشل خطة تخفيف الفقر حتى تقتنع السلطة في بلادنا أنها لا تصلح لعمل شيئين متناقضين في وقت واحد: صناعة الفقر .. والتخفيف من الفقر! هذه المتناقضات في بلادنا ليست مقصورة على الفقر: صناعته ومحاربته .. فالفساد أيضاً تصنعه السلطة وتكرسه ثم تعلن الثورة عليه ومحاربته وتنفق مئات الملايين لتشكيل هيئات ولجان وأجهزة لمكافحة الفساد! تنفق السلطة ملايين لا تعد ولا تحصى من أجل تعميق الولاء الوطني وحب اليمن، و(اليمن أولاً ثم هي بسياساتها الغبية تدفع الناس إلى كراهية الحياة في وطنهم .. وبعضهم يسقط في مصيدة الحقد والكراهية لوطنه فينغمس في خدمة مشاريع طائفية ومناطقية. تنفق السلطة مئات الملايين لتحقيق الأمن والاستقرار وسيادة القانون .. ثم تكون هي التي تخرب الأمن والاستقرار وتنتهك أجهزتها الدستور والقانون! خذوها قاعدة: كل ما تعلن السلطة محاربته ومكافحته يزداد انتشاراً وقوة: - مكافحة الانقطاعات الكهربائية انتهت بدخول اليمن عصر .. الشموع والمولدات الصينية! - مكافحة التلوث البيئي .. أدى إلى تلوث السواحل اليمنية .. والمياه اليمنية الجوفية .. واختلاط الصرف الصحي بما نشربه! - مكافحة مرض حمى الضنك .. جعله خبراً دائماً في الصحافة! - محاربة النزعات الانفصالية .. جعلها ترفع رأسها جهاراً علناً! - محاربة النزعات الإمامية .. جعلها تمتلك شبه دولة! - محاربة القاعدة .. جعلها ننشط وكأننا في أفغانستان! - محاربة الفقر .. جعله الحاضر في كل مكان! وعليه .. فإننا نسأل الله تعالى ألا تعلن السلطة الحرب على إسرائيل حتى لانجدها ذات يوم تحتل اليمن. كما نسأله ضارعين ألا تعلن السلطة الحرب على نفسها فيتلاشى الأمل الضئيل الموجود في قلوبنا بأن يأتي يوم قريب تزول عن اليمن هذه الغمة التي تحكمنا!