تجده متأبطاً ملفاً فيه كل المستندات التفصيلية لقضية أرضه التي سلبه إياها الرئيس السابق، ولا يكاد يمر شهر أو شهران منذ سنوات عديدة إلا وهو يجوب نقيلي سمارة ويسلح صاعداً وهابطاً بين صنعاءوتعز باحثاً عن منصف يعيد له أرضه الاستثمارية المغتصبة التي كانت حصيلة عمره من الاغتراب وتحويشة العمر. إنه المستثمر عبدالعزيز قائد أحمد مرشد من محافظة تعز..إشترى أراضٍ له في مديرية التعزية في منطقة مفرق ماوية والدفاع الجوي ليقيم عليها مشروعاً استثمارياً ليستقر في بلده الأم اليمن ويعود من السعودية، لكن أرضه وقعت في كماشة الفساد والنهب التي نخرت البلاد نخراً وهذه المرة من رأس الدولة في النظام السابق. ما إن بدأ صالح يفكر بإقامة مشاريع مدن سكنية في المحافظات إلا وضع عينه على أفضل أرضية تقع عينه عليها..في محافظة تعز كان بدأ مشروعه السكني بعد المطار ووضع كل قواعد المدينة، ولما نزل إلى تعز لزيارة المشروع حتى أوقفه وعلى الفور أمر بإقامة ذلك المشروع في أرض المستثمر عبدالعزيز قائد أحمد مرشد مغتصباً منه أكثر من ثمانية آلاف قصبة عشارية، دون الالتفات إلى صاحب الأرض أو تعويضه، لتبدأ معاناة الرجل الطويلة. وتصدرت قيادة المحافظة السابقة لهذا المشروع وظلت في الواجهة حتى جيء بقيادة جديدة استمرت معها معاناة ذلك المستثمر. معاناة الاستثمار مستمرة: المستثمر عبدالعزيز قائد الذي كما يقول "هذه الأرض هي تحويشة العمر ومشقاية الغربة كلها"، قال في المرة الماضية اغتصب الرئيس السابق جزءاً من الأرض تقدر بأكثر من ثمانية آلاف قصبة، وبنى عليها "مدينة الصالح" السكنية ولم يقم بتعويضي حتى الآن، وقبل أن تقوم الثورة بزمن قليل قام باغتصاب أرضي الأخرى المجاورة تقدر بأكثر من 26 ألف قصبة وتسليمها للسفارة القطرية لبناء "مدينة حمد الطبية". وأوضح المستثمر عبدالعزيز: "عندما أخذوا الأرض وقالوا لبناء مدينة طبية كمصلحة عامة لم أقم بالاعتراض وعرقلة المشروع بل لجأت للقضاء كملاذ أطلب تعويضي التعويض العادل، ولم نقم بممارسة البلطجة والمنع بالقوة كما يفعل الكثير، نحن مسالمون ومدنيون نطالب بدولة مدنية تنصف الجميع لذلك لجأت إلى أهم مؤسسة من مؤسسات الدولة وهي القضاء". وأضاف مرشد: "قام القضاء في المحاكم الابتدائية والاستئنافية بفحص كافة مستنداتي التي تثبت ملكيتي للأرض من مستندات شراء وأصولها وأصول الأصول ومن أحكام قضائية وغيرها وقضى بصحة وسلامة كل مستنداتي وحكم لي بالتعويض بعد سنوات من المشارعة والمطالبة، وخسارتي كل ما أملك في سبيل وصولي إلى حقي". الطريق إلى القضاء: وبالاطلاع على ملف المستثمر، فقد شكلت المحكمة الاستئنافية مع قيادة المحافظة السابقة لجنة قضائية لتعويض المستثمر، وقامت اللجنة المشكلة من القضاء بدورها بتشكيل لجنة تثمين من ثلاثة عدول وخبراء للتثمين أحدهما ممثلاً عن المحافظة والمجلس المحلي، وقام العدول بتثمين الأرض وإطلاع المحافظ الجديد شوقي أحمد هائل على النتائج، بحسب التقارير والمحاضر الرسمية المحررة. وقال المستثمر: "المحافظ أعاد القضية إلى المربع الأول وأدخل الأوقاف في القضية رغم أن القضاء ألزمنا بالإعلان ثلاث مرات في الصحف إذا ما كانت هناك جهة تمتلك شيئاً في الأرض ولم تأت أية جهة أخرى.. المهم مرة أخرى نعود إلى القضاء نحن والأوقاف وستة أشهر أخرى بشريعة جديدة مع الأوقاف ولم يستطيعوا تقديم أي مستندات ملكية وحكم لنا القضاء مرة أخرى وصفيناها من جهة الأوقاف". يشكو المستثمر مرشد معاناته بمرارة وهو يقول: "طالت مشارعتنا وطالت المماطلة في التعويض رغم أننا قمنا بتصفية كل العثرات في طريق التعويض وجمدت التعويضات في نهاية المطاف عند قيادة المحافظة والمجلس المحلي وإلى اليوم ونحن معرقلون لا استلمنا التعويضات ولا سلمونا أرضنا..لذلك أناشد رئيس الجمهورية الأخ عبدربه منصور هادي ورئيس الوزراء محمد سالم باسندوة إنصافي في هذه القضية وتعويضي التعويض العادل أو تسليمي أرضي". ما يلفت نظرك في أمر هذا المستثمر أنه ما إن يشكو أمراً أو منعطفاً في هذه القضية إلا وأظهر لك حجة شرعية (بصيرة) أو وثيقة رسمية ليدلل على شكواه. حراك الأراضي المنهوبة: معاناة المستثمر عبدالعزيز قائد مرشد تلخص قصص مستثمرين كثر في هذا البلد وواقع الاستثمار المرير في بلادنا؛ ضجت بها وسائل الإعلام المختلفة لتعكس حالة من الفوضى في مجال الاستثمار الذي لا نقول إنه يحبو بل يتم شلله والقضاء عليه قبل أن يتحرك. وإذا كانت هناك قضايا مشابهة لكثير من المستثمرين الذين يتم تطفيشهم وتهجيرهم من هذا البلد بدل جذبهم إليها كما تفعل بلدان العالم الأخرى؛ فإن هذه القضية تختلف عن مثيلاتها في أن كثيراً من تلك القضايا كان يشكو أصحابها من تهبش المتنفذين والمسؤولين والفاسدين، لكن هذه القضية عرت رأس النظام السابق الذي كان هو المتهبش الأول على ما يبدو والذي قام بسلب هذا المستثمر كل أرضه في الجندية للاستعراض في مشاريع خاصة به تقوم على حقوق الناس المغتصبة، كما هو الحال في مشروع "مدينة الصالح" السكنية القائمة على أرض مغتصبة لهذا المستثمر، أو خزانة الشعب المنهوبة ويظهر على أنه صاحب إنجازات للشعب. لم تكن هذه القضية وهذه الأرض هي الأولى من نوعها في تلك المنطقة، فلقد شهدت منطقة الجندية والمطار ومفرق ماوية اغتصابات بالجملة لأكثر من مائتي ألف قصبة بحجة توسيع المطار، وبعض المواطنين تم تهجيرهم من بيوتهم بحجة التعويض الذي كان لبعضهم تعويض بثمن بخس وصل سعر القصبة في التعويض بعشرين ألف ريال فقط بينما سعر القصبة في تلك المنطقة بمليون ريال أو ثمانمائة ألف ريال، ومن كان يرفض هذا التعويض البخس يتم أخذ أرضه بالقوة دون تعويض، وبلغ إجمالي ما تم تعويضه من تلك الأرض فقط حوالي سبعين ألف قصبة من إجمالي الأراضي التي تفوق المائتي ألف قصبة. شهدت المنطقة مظاهرات واعتصامات مستمرة وكانت أجهزت الأمن تفرقهم بالقوة وأصيب الكثير من المواطنين بإصابات متنوعة..لكن ولمسالمة المواطنين هناك وبساطتهم وبساطة عيشهم وحالتهم المادية المتعبة حال كل ذلك دون مواصلة احتجاجاتهم ومطالبتهم بالتعويض العادل. ومثل هذه القضايا من نهب أراضي المواطنين وأراضي الدولة تكونت مظلمة الشعب الأولى في قضية الأراضي المنهوبة في الجنوب التي وصل الحد بضيق أهلها بأن يطالبوا بالانفصال ودخول البلاد في معمعة الفوضى والثورات اللانهائية، أو أراضي تهامة المسلوبة التي تعمل الآن كنار تحت الرماد توشك أن تنفجر هي الأخرى. فهل سنشهد في تعز أيضاً قضايا أراضٍ منهوبة كغيرها من المحافظات؟ هذا ما ستكشفه الأيام وربما تكون هذه القضية في طليعتها ما لم يتم تداركها في بدايتها وإنصاف أصحابها. كما يبدو أننا حتى في ظل النظام الجديد وحكومة الوفاق ورثنا عجز النظام القديم في كل شيء وعلى رأسها معالجة قضية الاستثمار وحماية المستثمرين وإنصافهم.