غالي هو الوطن، حيث لا ثمن يقدر به الوطن، تتعالى الأثمان في استباق محموم بين كل الموجودات في حياتنا، يصنع التنافس زخما لكل شيء، ويحدد الاختيار تقدم بعض أشياء على أخرى، لكنه حينما يتعلق الأمر بالوطن لاخيار ولامنافس سوى العقيدة نفسها التي تتماهى مع الوطن وتسموا به مع أنفاسنا كل صباح إلى الأعالي، مشيعة بنسائم الأسحار وعبق الذكريات. تصنع من الانتماء قيم إيمان تبدأ بالتعلق بالخالق ولاتنتهي إلا بإرساء العقيدة على أرض حرة إلا من قيم العدل والمساواة والخير والسلام ،ذلك هو الوطن. ما من شيء يجمع بين أحلام آبائنا بوجودنا ونحن في عالم الغيب وبين النظرات الأولى التي خرجنا ذات يوم من بريقها، بين لحظات ذلك الصباح التي كللنا بالحبور وبين ذكريات الطفولة وأنغام الصبا وشقاوة الأصحاب، بين الدمعتين دمعة الألم ودمعة الحلم، لاشيء يجمع بين تلك الذكريات والحاضر المرصع بعقود الأبناء وحلل الرفقة والأحباب، لاشيء يجمع تلك العوالم في نفوسنا سوى الوطن. وهكذا عندما نبحث عن الوطن ولا نجده! فإننا نفتقد كل تلك العوالم التي لسنا بشيء دونها، نصارع الوجود نتشبث بالعدم، نحملق في غيمة عابرة نتشبث بريح هائجة ثمة معنى واحدا يصحب حيوات الضائعين في قوافل الاستجداء والمسكنة هو اللاشيء، أقصد اللامعنى لما في اليد، مهما ثقلت كتله ولمع بريقه، لاشيء أعمق ألما وضياعا من ضياع وطن، وما من جريمة أثقل من نهب لمعان الوطن. ما من عاقل يدعي أن الوطن هو تلك الكتل التي نعيشها اليوم. مسكن! وأهل! ونقود!، غداء وملبس وما حولها من الموجودات! لاشيء من هذه يمت بصلة إلى الوطن الذي ننشده! فكل ما سبق يجعلنا نعيش، ونتلذذ بأعضائنا. ( فم معدة ... الخ) دون أن يصنع أية لذة ذات معنى لأرواحنا، حيث لانصعد إلى الدرجة الإنسانية بدون أرواحنا (سر الله في أجسادنا الثقلاء ). ما من شيء يفرقنا سوى نهب للقيم التي نحلم بها، في بحثنا عن الوطن فريق واحد نحن، وعند حصولنا على تلك القيم لانملك إلا التوحد، نحن نحيا معا ولا نملك غير أن نكون معا. هل أدركتم إذاً عما نبحث؟ عن معان الوطن التي سلبت منا، لكننا سنظل نبحث عنها معا حتى نصل معا.