في هذا الحوار يجيب الدكتور غالب عبدالكافي القرشي عضو مجلس النواب ورئيس مجلس شورى إصلاح الأمانة على جملة من التساؤلات الملحة التي يعج بها الراهن السياسي والفكري في المشهد اليمني، مثل مكانة الدعوي والسياسي في حاضر الإصلاح، واستراتيجيته لما بعد الثورة، والعوامل التي جعلت الثورة لا تصل إلى كثير من مؤسسات الدولة، بما في ذلك مجلس النواب الذي علقت أحزاب المشترك مشاركتها فيه، وأخير سألناه عن منتداه الأسبوعي: الأهداف والوجود والأثر الفكري.. فإلى التفاصيل: حاوره عبدالغني المقرمي
@ انتُخبتم في الفترة الأخيرة رئيسا لشورى الإصلاح في أمانة العاصمة خلفا للدكتور عبدالعظيم العمري رحمه الله.. ما أولوياتكم العملية في هذا المجلس؟ أولا أسأل الله الرحمة والمغفرة والرضوان للأخ الدكتور عبدالعظيم العمري، الذي أوقف حياته للدعوة الإسلامية في اليمن، وأستغفر ربي أني لم أكتب عنه في وفاته شيئا، لأن ما كنت أريد أن أقوله فيه سبقني إليه غيري من الإخوة الذين كتبوا عنه.. أما عن سؤالك حول مجلس شورى العاصمة.. فالحقيقة أن الإخوة فاجئوني باختياري رئيسا لهذا المجلس، ووجدت نفسي في غاية من الحرج بسبب أنني لن أستطيع التفرغ لهذا العمل تفرغا كاملا، وربما لن أستطيع أن أسد الفراغ الذي تركه الدكتور العمري رحمه الله. من أولوياتي في هذا المجلس: أحياء اختصاص هذا المجلس لأني أشعر أن هذه المجالس شبه ميتة، لانشغال الناس في الفترة الأخيرة، وأنت تعلم أن الهم الثوري طغى على الهم المؤسسي في الفترة الماضية، وفي اعتقادي أن واجب اللحظة هو البدء بتفعيل هذه الدوائر التنظيمية، بما يواكب المرحلة. @ على الرغم من وجود الديمقراطية في الداخل التنظيمي للإصلاح إلا أنه يلاحظ أن مثل هذه الدوائر التنظيمية تقتصر في رئاستها على الأساتذة والشيوخ، بينما يغيب عنها الشباب.. فهل هو تهيُّبٌ وأحجامٌ من قبل الشباب؟ أم استئثارٌ من قبل الشيوخ؟ أم ماذا؟ إذا كنت تشير إلى مجلس الشورى الذي كنا نتحدث عنه.. فأنا أطمئنك أن نائب رئيس المجلس وأمين السر، وسكرتير المجلس كلهم من الشباب، علما بأني لا زلت شابا وإن بدا شعري أبيض ..(يضحك).. ولا أخفيك أني كنت أرى الحضور أمامي في المجلس، وأكثر من ثمانين في المائة منهم من الشباب، فارتحت لذلك كثيرا، وقلت لهم بصدق: الأولى أن تختاروا لرئاسة المجلس شابا من بينكم، وخاصة ممن كانوا في ساحة الثورة، لكنهم أصروا على موقفهم في اختياري، ولم ينظروا لانشغالاتي الكثيرة. وأنا أقول أن الشباب حاضرون في كل مكونات الإصلاح، والأمرُ بحسب تقديري دعوة ونضال، ونحن لا نقف عند التسميات كثيرا، وفي نفس الوقت هناك من الآليات ما يسمح للشباب بالوصول إلى شتى المواقع، والأهم في الأمر أن هذه الصورة التي أشرت إليها ليست عامة، وهي عفوية، ولا تحمل أي بعد إقصائي. @ كثيرا ما يقال عن الإصلاح أنه في الآونة الأخيرة انشغل بالسياسي على حساب الدعوي والثقافي.. فإلى أي حد يصدق مثل هذا الطرح؟ إلى حد كبير.. لأن الإصلاح في الآونة الأخيرة يصدق عليه قول القائل: تكاثرت الضباءُ على خُراشٍ فلا يدري خراشٌ ما يصيدُ كما أن واجب الأولويات هو الذي فرض هذه الحالة، ولا شك أن أولوية العامين المنصرمين كانت هي الثورة، والثورة شغلت جميع الناس، وظهر فيها الصادقون والجادون والمبرزون والمضحون، ولا شك أن جل رجال الإصلاح من هؤلاء، إذ بذلوا كل جهدهم في ميادين الثورة، وقدموا تضحيات جسيمة لا ينكرها أحد، وكلنا يعلم أن النظام الصادق كان يجيد إدخال الناس في دوامات سياسية متتالية، وهي أغلبها سياسية، ولا شك أن الإصلاح كغيره من الأحزاب انشغل في تفكيك هذه الدوامات لفترة، ومع ذلك فالإصلاح قدم جهودا استثنائية في العمل الخيري والاجتماعي، وفي إنكار المنكرات التي تظهر هنا وهناك، ولا شك بعد ذلك كله أن العمل السياسي أخذ المرتبة الأولى. @ هذه الدوامات التي تفضلتم بالإشارة إليها جعلت الإصلاح في الفترة الماضية يتموضع في كثير من الأحيان في مربعات ردود الفعل.. هل لا يزال الأمر كذلك؟أم أن الإصلاح انتقل إلى ساحة العمل الاستراتيجي، وخاصة في هذه المرحلة المهمة من تاريخ اليمن؟ لا شك أن هناك تغيرا كبيرا نشهده في أداء الإصلاح، فالإصلاح وغيره من الأحزاب ينظرون إلى المرحلة التالية للثورة على أنها مرحلة جديدة تماما، لكن ذلك لا يعني أن كل شيء قد تغير، فلا يزال المشوار طويلا، لأن مظاهر الفوضى والظلم والاستبداد لا تزال موجودة، كما أن الثورة لم تصل بعد إلى كثير من مؤسسات الدولة، وهو أمر مؤلم جدا أن تجد لدينا في اليمن على وجه الخصوص كثيرا من الأوضاع المقلقة لا تزال على عهدها، فالأمن متدهور، والفوضى الإدارية تتربع على كثير من مرافق الدولة، مع التسليم بأن هناك خطوات عظيمة أنجزت على صعيد التغيير. @ هذا التمنع الشديد الذي نشهده من بعض مؤسسات الدولة أمام حركة التغيير.. ما الذي يقف وراءه؟ - المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية تقضي ببعضٍ من هذا التغيير، وليس به كُلاً، فالتغيير بحسب هذه المبادرة لا يتم إلا بتوافق، ومن ثم فإن آلية التوافق أصبحت اليوم هي الدستور الذي يحكم حركة التغيير في المرحلة الانتقالية وصولا إلى الانتخابات، وحين ترفع صوتك مطالبا بتغيير فاسد في مؤسسة ما، يقول لك الطرف الآخر: هذا أصلح من عندنا، وعلى المتضرر اللجوء إلى القضاء، وكلنا يعلم الوضع المزري الذي ما يزال عليه القضاء. @ من بين مؤسسات الدولة التي لم تصلها الثورة بعد؛ يأتي مجلس النواب في المقدمة.. باعتبارك عضوا في هذا المجلس ورئيسا للجنة العدل والأوقاف فيه.. هل لكم أن تطلعوا القارئ الكريم على حيثيات القرار الذي اتخذته كتل المشترك بمقاطعة هذا المجلس؟ - مجلس النواب مجلس رقابي تشريعي، ومن المهم جدا أن يرى الشعب فيه تغييرا يليق بثورته السلمية، لكنه لم يتغير فيه شيء، وكل همِّ الأغلبية فيه في الفترة الحالية الاستفادة من الوقت في هبر المال وتوظيف أشخاص فيما لا يحتاجه المجلس، والترقيات بغير قانون. ومن أول يوم عقد فيه المجلس بعد الثورة جاء رئيس المجلس الشيخ يحيى الراعي، وأبدى استعداده لأي تغيير، وتعامل مع الناس بخلق جم وبرقة، وكأنه يستشعر مرحلة جديدة للمجلس، لكن الإخوة في المشترك لم يسارعوا للمطالبة بما في المبادرة وآليتها التنفيذية من إبطال مفهوم الأغلبية التي لم يعد لها وجود مع آلية التوافق، لأن الحزب الحاكم كان قد صنع أغلبيته داخل المجلس وفق ما يهوى، ومعروف للناس كيف صنعت هذه الأغلبية، وقد استمر الأمر بعد المبادرة على ما هو عليه، وكنت أنا من الناس الذين يرون السرعة في اتخاذ موقف مفاده أن هيئة رئاسة المجلس لا ينبغي أن تبقى مع حزب واحد له أخطاء مثل الجبال. الإخوة في المشترك وعلى رأسهم الإصلاح الذي يمتلك أكبر كتلة بعد كتلة المؤتمر، لم يتخذوا الخطوات العاجلة للمطالبة بذلك، وكان يمكن يومها لقاء الراعي، ليكون نصيب المشترك على أقل تقدير اثنين في هيئة الرئاسة، وتحقيق حضور معتبر للمشترك في الأمانة العامة بما يحقق آلية التوافق، لكن شيئا من ذلك لم يحدث، علما بأننا مغيبون أيضا في لجان المجلس، فليس لدينا غير لجنتين اثنتين نرأسهما من بين عشرين لجنة، لجنة العدل والأوقاف، ولجنة الصحة التي يرأسها الدكتور نجيب غانم، وهي لجان غير ذات أهمية، ولأن الوقت مضى ورئيس المجلس وهيئته لم يريا تغييرا، والناس مقتنعون بالحال؛ فقد رأوا بقاء الحال على ما هو عليه. @ باعتبارك عضوا في كتلة الإصلاح ما السبب الذي شغلكم عن المطالبة منذ وقت مبكر بما سبق ذكره؟ - عذرنا في الكتلة أننا كنا ننظر إلى قيادة المشترك مجتمعة، كما أن بعض الإخوة في المشترك يجاملون رئاسة المجلس كثيرا، ولذلك تجدهم الآن مستمرين في عملهم بالمجلس، كنوع من الخذلان، وهم الذين يصولون ويجولون عند طرح هذه القضايا، ويحضرون جلسات المشترك، على الرغم من أن المقاطعة اتخذت بقرار صارم من كل مكونات المشترك!! @ ما الجديد في هذا الأفق؟ - حتى الآن لا جديد.. ونحن في الحقيقة وكّلنا رؤساء الكتل وهيآتها بمتابعة الموضوع وإلى الآن لم يأتونا بجديد، والموضوع متوقف على الأخ رئيس الجمهورية الذي ظهرت بصماته الجيدة على المؤسستين العسكرية والأمنية، وفي كثير من مؤسسات الدولة، ونحن هنا ندعوه لأن تكون له بصماته في هذا المجلس، ولكن يبدو أن الرئيس يستمع كثيرا لرئيس المجلس، ومقتنع ببقائه على رئاسة المجلس، ونحن ليس لدينا مانعا من بقائه، لكن التغيير التوافقي فيما سواه لا بد منه. @ يمثل منتدى القرشي إضافة جيدة لمنتديات أخرى سبقته مثل منتدى الشيخ الأحمر وغيره.. فما المعاميل الفكرية والسياسية التي أدت إلى قيام هذا المنتدى؟ - لا أخفيك أن ظروف ميلاد المنتدى كانت عفوية في البداية، وجاءت فكرة قيام المنتدى عقب جلسات في المقيل مع كثير من الإخوة الذين يأتون إليَّ في المنزل، وهم بطبيعة الحال مثقفون، وقد رأينا تحويل المناقشات التي كانت تدور في هذا المجلس إلى صيغة جادة، فكان المنتدى، وتجاوب الناس معنا، واستطعنا بحمدالله أن نناقش على مدى عام أو يزيد قليلا قرابة أربعين موضوعا، حيث يتخذ المنتدى من عصر كل أحد موعدا لجلسته، وهي موضوعات ملحة، شارك فيها أناس لهم وزنهم سواء في المجال الفكري أو السياسي، ومن مختلف الاتجاهات الفكرية حرصا منا أن يكون المنتدى مفتوحا للكل دون استثناء. @ رغم أهمية هذه المجالس إلا أن تأثيرها ما يزال محدودا ونخبويا، ولا يتعدى دائرة الحاضرين.. فكيف يمكن إحداث تأثير جماهيري لها؟ - نحن تنبهنا إلى هذه القضية، وحاولنا بقدر الإمكان جمهرة منتدانا بجعله مفتوحا أمام الكل، ثم بدعوة كثير من القنوات الفضائية لتغطية الفعاليات، وقد استجابت لنا عدد منها بما فيها الجزيرة مباشر، وسهيل، ويمن شباب، كما أننا نقوم بتقديم نبذة عن كل موضوع يناقش عبر صفحة المنتدى على الفيسبوك، ولدينا مشروع طباعة كتاب يتضمن تلخيصات لكل الأوراق التي قدمت على مدار العام. @ في رأيك أين يقف منتداكم من بقية المنتديات؟ - منتدانا هو أخ شقيق للمنتديات الموجودة على الساحة، وهي منتديات جيدة، وخاصة منتدى الشيخ عبدالله الذي أدى –ومايزال يؤدي- دورا كبيرا في الحوار السياسي، ومقيل الدكتور المقالح الذي يسهم بدور كبير في المشهد الثقافي. وكم أتمنى أن يزداد عدد هذه المنتديات، حتى ليصير في كل دائرة منتدى، ليشارك الجميع في التنوير الفكري والسياسي، ولتصبح مجالسنا أكثر فائدة. @ لكن هذه المجالس لا تزال موصدة أمام المرأة.. فهل من صيغة تُمنح المرأةُ بموجبها حق الحضور والمشاركة؟ - في اعتقادي أن تطوير هذه المنتديات إلى مؤسسات سيقضي على مثل هذه السلبيات، ولدينا نحن مشروع في تحويل المنتدى إلى مؤسسة، يصبح لها مقرها العام، وتؤدى فعالياتها في مكان مرن يسمح بحضور المرأة. @ لكن المشكلة تكمن في التمويل؟ - صحيح.. لكن كثيرا ممن حضروا المنتدى أبدوا استعداهم للدعم، وعسى أن يكون ذلك قريبا بإذن الله.