يسير مؤتمر الحوار الوطني بخطى حثيثة من أجل وضع القواعد الأساسية لبناء الدولة اليمنية الحديثة، وفي مقدمة ذلك إجراء إصلاحات دستورية من خلال مخرجات الحوار، تتواكب مع التغيير الذي أحدثته الثورة الشبابية السلمية. في هذا الحوار يتحدث الدكتور منصور الزنداني عضو فريق بناء الدولة في مؤتمر الحوار الوطني عن الإصلاحات الدستورية، ودور مؤتمر الحوار في انجازها. حوار/ عبدالله السامعي * دخل مؤتمر الحوار الوطني مرحلة جديدة بعقد الجلسة النصفية على طريق إيجاد حلول لمختلف القضايا، وتضمين أهم الاتفاقات في الدستور الجديد.. ما الأشواط التي قطعتموها بهذا الاتجاه؟ - أولاً هذه الجلسة هي جلسة أقرت من قبل مؤتمر الحوار منذ لحظاته الأولى، وهي جلسة لمدة أسبوعين يتم فيها مناقشة ما وصلت إليه الفرق التسع التي كونت، في اطار مؤتمر الحوار الشامل، ولكن ايضاً نحن لا نعد دستوراً جديداً كما يعتقد البعض، لكن كما جاء في المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية هي أننا نقوم بإصلاحات دستورية، هذه الإصلاحات قد تكون في كل أبواب الدستور، في هذا الباب مادتين، وفي باب تجد ثلاث مواد، وبعض المواد فيها تعديل لبعض الجمل، أو إضافة فقرات جديدة إلى هذا الدستور، لكن هناك من يعتقد أننا سنقوم بعمل دستور جديد وهو تفكير في الحقيقة لا يلتقي مع الواقع. * الإصلاحات الدستورية هل تعني أن هناك قصور أو خلل في الدستور الحالي؟ - أذكر أن السفير الفرنسي وهو يتحدث معنا في قاعة بناء الدولة ويقول لديكم دستور ممتاز في الحقيقة لكن للأسف الشديد هذا الدستور لم يطبق على أرض الواقع، وأنه ظل دستورا على ورق، وهذه هي الاشكالية التي نعاني منها سواء بدستورنا أو بالقوانين الموجودة، لدينا قوانين من أفضل القوانين في الوطن العربي لكن للأسف الشديد كلها مجمدة والعمل عمل مزاجي في أجهزة الدولة وفي المؤسسات وفي المنظمات، كل الأمور في اليمن للأسف الشديد تأخذ البعد الشخصي والمزاجي، قبل أن تأخذ البعد الدستوري والمؤسسي. * لا شك أن فرق العمل في الحوار قد وضعت بعض اللمسات التي تشكل بداية للإصلاحات الدستورية، فما الذي تم؟ - فرق الحوار قدمت للجلسة العامة تسعة تقارير، فكل لجنة قدمت تقريرا بما توصلت إليه، بعض الفرق استطاعت أن تصل إلى بعض النقاط باتفاق وهذه النقاط الآن تقرأ علينا وخاصة في فريق الحقوق والحريات والحكم الرشيد، وأيضاً في استقلالية الهيئات التي تحدثت عن الأوقاف وعن الزكوات والخدمة المدنية والإعلام كيف يمكن إعادة ترتيب أوضاع هذه الوزارات من خلال إعطائها استقلالية كاملة باعتبار أنها هيئات مستقلة محايدة لا تدخل في اطار العمل التنفيذي للدولة، وإنما تكون جامعة بعيدة عن التسييس والسياسة باعتبار أن الحكومة القادمة كما هو شبه متفق عليه أنه ستكون حكومة برلمانية، وهي بطبيعتها حكومة حزبية. * التعديلات التي تتحدث عنها هل ستكون تعديلات جوهرية أم غير جوهرية؟ - نعم قد تكون تعديلات جوهرية من الدرجة الأولى، يعني تعديلات حقيقية، نحن في فريق بناء الدولة لم نتخذ قرارات بعد في هذا الجانب، كنا متريثين واستعرضنا فقط رؤى المكونات، وقدمنا في ملحق التقرير مصفوفة رؤى كل الأحزاب ماذا يقول في كل قضية من القضايا المطروحة أمامنا، ونحن قلنا ماذا يقول الإصلاح في كل قضية لدينا في بناء الدولة، هوية الدولة، وشكل الدولة، ونظام الحكم، والنظام الانتخابي، والنظام الإداري، والسلطة القضائية، وايضاً السلطة التشريعية، فكل الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني والشباب قد قدموا رؤاهم في هذا الجانب. * وهل هناك اتفاق بين المكونات في هذه القضايا؟ - لم يحصل أي اتفاق. * إذاً هناك تباينات، ما هي القضايا محل التباين؟ - هناك بعض النقاط تستطيع أن تقول إن مؤشرات أولية في بعض القضايا قد تمت من خلال طرح الرؤى، على سبيل المثال هناك ما يصل إلى 90% أو 95% من الرؤى قالت إنها مع نظام الحكم البرلماني، ونفس الشيء أنها مع نظام القائمة النسبية، ولكن مثلاً في شكل الدولة حصل نوع من الاختلاف، هناك من يرى الدولة الفيدرالية، وهناك من يرى الدولة الاتحادية، وهناك من يرى اللامركزية بأقاليم أو وحدات إدارية، فهناك آراء متباينة، لدينا ايضاً اختلاف واضح في قضية مرجعية الدولة، فهناك من يقول فصل الدين عن الدولة وهذا مكون واحد الذي طرح هذا الطرح، وهناك مكونات تقول أن الشريعة الإسلامية مصدر أساسي من التشريعي، وآخر يقول المصدر الرئيسي للتشريع، وهناك مكونات سياسية أكدت أن تكون الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريعات جميعاً ومنها التجمع اليمني للإصلاح. * ما هو المكون الذي تبنى رؤية فصل الدين عن الدولة في موضوع هوية الدولة؟ - ليس بالضرورة أن نذكر اسم هذا المكون، ونترك له فرصه لكي يعود، لأنه ربما طرح هذا الطرح من باب المزايدة. * كيف سيتم المواءمة بين الرؤى لمختلف المكونات.. كيف ستكون آلية الاتفاقات أو التصويت؟ - هناك آراء طرحت في مواضيع بناء الدولة لكن لدينا الآن إشكالية حقيقية هي أن رئاسة المؤتمر اتخذت قرارات أننا نصوت على بعض مفردات النصوص التي أقرت في بعض الفرق، وأنا اعتقد أن هذا استباق، والمفترض أن نراجع هذه القرارات ونأخذها في توصياتنا عندما ندخل في الدورة الثانية في الشهرين القادمين في إعداد الصياغة النهائية للاتفاقات، أما لو صوتنا عليها الآن فاعتقد أننا سنخلق مشكلة بعدها سيقال قد تم التصويت، وهناك سنحدث عرقلة هل نصوت ضد ما صوت عليه المؤتمر، فأقول إن فيها نوع من التعجل في قضية التصويت من الآن، لكن للأسف هذا ما جرى وماضون فيه. * ما أبرز المواد التي ترى أنها ستخضع للتعديل في عملية الإصلاحات الدستورية؟ - اعتقد أن ما سيتم تعديله هو ما يتعلق بنظام الحكم وأتصور أنه سيتحول من نظام مختلط "رئاسي برلماني" إلى نظام برلماني، واعتقد أنه أصبح عليه شبه إجماع، ايضاً النظام الانتخابي القائم اليوم على القائمة الفردية، هناك من يطرح الآن فردية، وآخرين طرحوا نسبية، والبعض طرحوا أن تكون مختلطة نسبية وفردية، واعتقد أنه سيحصل تغيير كبير في قضية نصوص الدستور. النقطة الثالثة قضية اللامركزية، وكيف ستكون، والحقيقة أن هناك كثيرا يذهب نحو الأقاليم، لكن ما زالت هناك آراء قوية تقول بأقاليم في إطار الدولة الاندماجية الواحدة وليس دولة اتحاد، لأن البعض للأسف الشديد يتحدث عن دولة اتحادية وهو لا يدرك مفهوم الاتحاد والدولة الموحدة، فالاتحاد هو وحدة بين شعوب ومجموعة من الدول مختلفة ومتناقضة، فهذه تسمى دولة اتحادية أما الدولة البسيطة الواحدة فهي دولة ذات شعب واحد وأرض واحدة، ومساحتها محدودة، هناك الدول في النظام الفدرالي مساحتها واسعة جداً، لكن مثل اليمن مساحتها (555) ألف كم، وبلا شك أن هذه تحتاج منا إعادة نظر، فأقول إن اللامركزي هذه إجماع لدى كل المكونات، وهذه ستكون مؤشرا واضحا في الدستور القادم ومن الاصلاحات الدستورية الجوهرية. * هذا في جانب بناء الدولة.. وفي الجوانب الأخرى هل ستشملها الاصلاحات؟ - طبعاً هناك اصلاحات دستورية في موضوع الجيش والأمن، وأهم الاصلاحات الدستورية كما ذكرت ستكون في جانب الهيئات المستقلة وفي الحقوق والحريات فيما يخص الشباب والمرأة وعلاقة المواطن بالحكومة وبالمؤسسات الأمنية، وحقوق المواطن وواجباته والمواطنة المتساوية. * يبدو أن هناك قضايا جديدة ستدخل في الدستور الحالي فضلاً عن تعديل مواد موجودة.. ما هي هذه القضايا بنظرك؟ - على سبيل المثال اليمن هي جزء من الأمة العربية والإسلامية، هذا في الدستور الحالي، وموضوع الشريعة الإسلامية مصدر جميع التشريعات واعتقد أن الناس سيذهبون إلى هذا الاتجاه، الاتفاق على احترام اليمن للمواثيق الدولية المتعارف عليها بصورة عامة واحترام الاتفاقيات التي توقع عليها اليمن على المستوى الإقليمي أو الدولي هذا أيضا موجود في الدستور، هناك قضايا كثيرة، وسندخل الآن في تفاصيل، مثلاً اللامركزية وانتخاب الأقاليم أو المحافظات والحكام فيها، وهذه ستكون جديدة، فلا بد أنها تحتاج لإصلاح دستوري جوهري، وفي جانب السلطة القضائية، فصلها عن السلطة التنفيذية، وهذه ليست جديدة لأنها موجودة في الدستور السابق، لكن الآن سيتم التأكيد عليها بأن تكون منفصلة تماماً، وهناك من يرى أن وزارة العدل في المستقبل لن تكون إلا جانبا إداريا فقط، ومجلس القضاء الأعلى سيكون الأساس في العمل الدستوري القادم. * ما ذكرته يعني أن هناك تعديلات جوهرية واسعة. - بغض النظر عن إذا كانت التعديلات جوهرية أو غير جوهرية نحن نمضي في إصلاحات دستورية، قد تكون بنسبة 30% أو 60% ليس عيباً في ذلك ولا نقلق طالما وهي منضبطة وتأتي بما يحقق رغبات الشعب اليمني. * ما سيجري من تعديلات أو ما يتم اقراره من قبل مؤتمر الحوار لا بد أن يكون المواطن اليمني على اطلاع بما يجري.. أم أن ما يقره مؤتمر الحوار سيكون نهائياً؟ - في الأخير يجب أن نضع لدى الشعب اليمني بصورة واضحة أن كل ما سنتفق عليه في الحوار الوطني, فإن هذا كله سيعود للشعب وهو الذي سيصوت بنعم أو لا لكل التعديلات الدستوري أو الإصلاحات أو لنقل التعديلات الجوهرية، ستوضع أمام الشعب فإنه الفيصل في قول نعم أو لا في هذه التعديلات. * ما هي الآلية التي ستتم بها الاصلاحات الدستورية؟ - سيكون هناك لجنة لهذا الغرض، فعندما يصل مؤتمر الحوار الوطني إلى اتفاقات نهائية حول ما يجب تعديله أو ما تم الاتفاق عليه ستحال هذه إلى لجنة يتم اختيارها، وسميت هذه اللجنة في المبادرة الخليجية "لجنة صياغة الدستور" ستأخذ هذه الرؤى والاتفاقات ثم تعكسها على صور قواعد دستورية، نحن سنضع أفكارا وآراء نهائية، فتأتي اللجنة بنصوص متقدمة تصيغها بأسس معينة، ويكون أعضاء اللجنة ذوي خبرة، فأعضاء مؤتمر الحوار ليسوا كلهم خبراء دستور ولا خبراء قانون، وإنما ستكون لجنة صياغة الدستور هي المعنية بذلك، وسيتم اختيارها من قبل رئيس الجمهورية، وتوضع معايير للأعضاء الذين سيدخلون في إعداد صياغة الدستور. - وبعد ذلك؟ بعد أن يتم صياغة الدستور بشكله النهائي سيحدد اليوم المعين للاستفتاء عليه، ويذهب الشعب اليمني إلى صناديق الاقتراع للتصويت بنعم أو لا لما تم إعداده من قبل لجنة صياغة الدستور. * أنت قلت إن الدستور الحالي لم يتم تطبيقه.. ما هي الضمانات الآن لتطبيق الدستور الجديد؟ - قلت لك إن السفير الفرنسي قال بذلك وهناك شهادة من وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة رايز، وهناك شهادات من خبراء عرب، لكنه للأسف لم يطبق، واليوم الشعب اليمني هو الضامن لكل شيء، كما كان الشعب ضامناً لتغيير النظام السابق فسيكون ضامناً في احقاق الحق وفي تقرير إرادته، فالشعب اليمني اليوم أصبح مشاركاً فاعلاً في صنع السياسات، ومشاركاً أساسياً ورئيسياً في صناعة مستقبله، وما تجده اليوم من نشاط وحراك سياسي في الساحة اليمنية يؤكد أن الشعب اليمني لن تسلب إرادته إن شاء الله لا في الحاضر ولا في المستقبل. * كلمة أخيرة تود أن تضيفها. - أطلب من كل فرد من أبناء الشعب اليمني أن يكون متابعاً نشطاً ومراقباً فاعلاً لكل مخرجات الحوار الوطني، وأن يرقبوا كل ما يجري في هذا الحوار؛ لأن الشعب هو المعني، وكل ما يخرج من هذا الحوار يستهدف اليمن والشعب بحيث أن الشعب اليمني يكون أيضاً حارساً لمخرجات الحوار، التي تحقق مصالحه، وتقف في وجه المصالح التي تحاول حرفه عن تحقيق هذه المخرجات.