ولد التجمع اليمني للإصلاح فتياً، لأنه جاء امتداداً لحركة الإصلاح والتجديد الممتدة عبر فترة زمنية طويلة، ومنذ الميلاد إلى اليوم مرّ (الإصلاح) بمراحل صعبة استطاع أن يتفاعل معها ويطور أداءه فيها ليكون في صف الحرية والعدالة والحقوق والكرامة، ومع محافظته على الأسس والمنطلقات والثوابت التي قام عليها، إلا إن تعامله مع القضايا السياسية والاجتماعية المتجددة قد جعلته اليوم غيره بالأمس استيعاباً وتفاعلاً وفهماً، فقد كسر الحواجز المفتعلة مع الآخرين، وجسّد الشراكة مع الذين سبق أن اختلف معهم، وظل داعياً ومؤمناً بأن اليمن لن تنهض إلا بجهود جميع أبنائها الذين لا تستغني عن أحد منهم... بدأ (الإصلاح) مسيرته عام 1990م في صف المعارضة، وجعل نهج النضال السلمي أسلوباً للمطالبة بالحريات والحقوق، ولم تُحدث معارضته أزمات سياسية، ولا تصدعات في النسيج الاجتماعي، وفي أول استحقاق انتخابي بعد الوحدة حصل على المركز الثاني، لكنه كان واقعياً ورضي أن يكون في المركز الثالث من خلال مشاركته في الحكومة الائتلافية الثلاثية (المؤتمر والاشتراكي والإصلاح)، وجاءت انتخابات 1997م ليعود إلى المعارضة، ومدّ جسور التعاون مع القوى الوطنية الأخرى، فأسهم بفاعلية في تكوين اللقاء المشترك، الذي غدا الرافعة القوية للتغيير، فالمشترك إنجاز عظيم قدم صورة رائعة للتعايش والتعاون في تحقيق المصالح الوطنية الكبرى، فضلاً عن تقديم (الإصلاح) كتنظيم منفتحٍ على الداخل والخارج وفق رؤية وسطية، وحزب قادر على ردم الفجوات مع فرقاء العمل السياسي... بذل (الإصلاح) مع شركاء العمل الوطني جهوداً مضنية لإصلاح الأخطاء ومعالجة الاختلالات، فكل المؤشرات كانت تؤكد بأن الأوضاع في اليمن بحاجة ماسة إلى إصلاحات جذرية في النظام السياسي الذي لم يستوعب الواقع، وظل يناور ويكابر فكانت الهبة الشعبية والثورة الشبابية الشعبية السلمية، التي أسهم فيها (الإصلاح) بكل إمكاناته، وقدم خيرة شبابه وقياداته شهداء دفاعاً عن حق الأمة في الحرية والعيش بكرامة، ولم يَمُنّ على أحد بتلك التضحيات، وأفضت الأمور إلى التسوية السياسية التي تعاطى معها (الإصلاح) وشركاؤه في المشترك والمجلس الوطني بواقعية وقبلوا تحمل المسؤولية مع المؤتمر الشعبي العام، من أجل الخروج بالبلاد إلى بر الأمان، رغم الظروف الصعبة وغير المواتية.. حقق (الإصلاح) إنجازات كبيرة على المستوى التنظيمي والسياسي والشعبي وعلى الصعيد الوطني، والمشاركة المجتمعية، والانفتاح على الداخل والخارج؛ إلا إنه مازال بحاجة إلى جهود كبيرة للتواصل مع كل الذي يقرأونه من خلال المنافسين له والمختلفين معه؛ والذين يحاولون إلباسه رداءً لا ينطبق عليه ولا يتناسب معه، وتحميله أخطاء غيره، واتهامه بما لم يفعل، فالكم الهائل من الضخ الإعلامي المعادي للإصلاح الذي يقول الحق والباطل، ولا يتورع عن الكذب، والاتهام بدون دليل، ولا شك أنه خطاب مؤثر وكفيل بقلب الحقائق رأساً على عقب، ويساعد على تصديق تلك الشائعات الإمكانات المادية والإعلامية المتواضعة (للإصلاح) المنشغل بالقضايا الوطنية والتنظيمية، لكن ذلك لا يعفيه من بذل الجهد للتعريف بنفسه وبيان حقيقة توجهاته وأهدافه، والرد على الشبهات التي تُثار حول أدائه ومواقفه. يستطيع (الإصلاح) أن يعوض نقص الإمكانات بالاتصال المباشر - الفردي والجماعي - مع كل شرائح المجتمع، وقد تبين بأن الكثير من الذين حدّدوا مواقف عدائية من (الإصلاح) سرعان ما يغيّرون مواقفهم بمجرد الجلوس إليهم والقرب منهم والتواصل معهم، وبيان وجهات نظر (الإصلاح) في القضايا محل الخلاف والنقاش، مع ملاحظة أن (الإصلاح) لا يدعي العصمة، ولا يدافع عن الأخطاء الصادرة من أي فرد أوجهة، وهو لا يزعم احتكار الحقيقة، ولا يتزمت في المواقف؛ إلا ما يتعلق بالثوابت الشرعية والوطنية. والتواصل وحده - على أهميته - ليس قادراً على تقديم الإصلاح للعام والخاص من الناس والهيئات والجهات، إذ يجب أن يطور(الإصلاح) أداءه الإعلامي، ويسعى لمساعدة كوادره للتأهيل والتدريب والارتقاء بهم مهنياً في مختلف المجالات، إضافة إلى استمرار تقويم أدائه السياسي بما يجعله قادراً على التعاطي مع المواقف السياسية المتجددة بما يحقق المصالح العليا للوطن والمواطن. الآلاف من كوادر (الإصلاح) المؤهلة استبعدت من مواقع عملها وما زالت، ومع ذلك فتترد دعاوى بأن (الإصلاح) قد سيطر على كل مفاصل الدولة، مع أن مشاركة الإصلاح في الحكومة محدودة، لكن هذا يفرض على الإصلاحيين أن يتحلّوا بالصبر ويحرصوا على الشراكة وتطبيق مبدأ تكافؤ الفرص بين الجميع، وعليهم أن لا يمَلَّوا من تقديم التنازلات من أجل تحقيق الوفاق الوطني والسلم الاجتماعي حتى ينعم كل أبناء اليمن بخيرات وطنهم. ونظراً للتغيرات الكبرى التي يشهدها عالمنا اليوم فيتوجب على الإصلاح أن يدفع بقياداته الوسطية لتسنم المواقع التنظيمية المتقدمة، وتحمل المسؤوليات، ومواصلة مسيرته الرائدة بروح متفائلة وعزائم وثّابة وقدرات شابّة، وأداء مبادر ومقتحم، مع الحرص على عدم التفريط بالثوابت التي من أجلها احتشد الإصلاحيون ومازالوا أملاً في تجسيد المبادئ التي آمنوا بها وضحوا من أجلها، " فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلاً ".