لقد صدق وصفك الناسخ لهذه التي ودعتها أستاذ عبد الملك المواقف التي من بها علينا القدر بصحبة الأستاذ المربي العالم الأديب المؤرخ عبد الملك الشيباني كثيرة كثيرة.. لكن هناك موقفان لهما صلة بلحاقه بربه.. رحمة الله عليه. فعلى عادة الأستاذ عبد الملك في كسر قوالب الأفكار السائدة قال مرة: يقولون إن أعمار العلماء والأفاضل قصيرة.. وما صدقوا.. فإن معظم العلماء عمروا طويلا.. وأخذ يسرد علينا أمثلة لعلماء عمروا طويلا.. فكانت بالنسبة لطالب مولع بأسلوب أستاذه ومراجعاته- كانت مسألة ليست قابلة للنقاش..(كيف وقد قالها الأستاذ عبد الملك الشيباني).. لكن حدث ما غيرها عنده.. آنذاك ثم عندي آنئذ.. فلقد كان أحد تلاميذه النجباء -عبدالله سعيد عشال- صديقي المقرب.. مصابا بالضغط.. وكان يحاذره دائما.. لكن عندما أراد القدر شيئا.. أنساه فتناول ما يرفع عليه الضغط بدرجة جلطت الدم في دماغه ودخل في نوبة إغماء كانت خاتمة طريقه السالك في مدارج الأولياء.. فلقي على إثرها ربه عز وجل.. وبينما كان الأستاذ عبد الله -يرحمه الله- في المستشفى الجمهوري في غرفة الإنعاش كنا نحن بالخارج نرقب قدر الله.. وكان من ضمن الحاضرين الأستاذ المرحوم -بإذن الله عبد الملك الشيباني- وكأنما كان يعالج حزنا دفينا في نفسه ويدافع الدمع أن يبثه.. طأطأ رأسه إلى الأرض وقال: صحيح أن الدنيا خصيمة الصالحين.. فهي تضيق بالصالحين.. فيذهبون منها مبكرين.. وعندها هززت رأسي للمرة الأولى.. وهأنذا أهزه للمرة الثانية.. صدقت في الأولى وفي الثانية أستاذي المبجل.. فكل شيء عند ربك بمقدار.. لكننا وإن أمطرت علينا الدنيا حزنا بفراقك ونحن على البعد منك.. لن نقول إلا ما يرضي ربنا: إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع وإنا لفراقك يا عبد الملك لمحزونون.. رحمك الله رحمة الأبرار وأنزلك منازل الصديقين وألحقنا بك صالحين.. على الحق ثابتين.. والحمد لله أولا وأخيرا وفي كل آن وحين..