منذ استفراد جماعة الحوثي المسلحة بالسلطة في إعلانهم الانقلابي الجمعة الماضية، يتفاقم الوضع الاقتصادي في البلاد مما ينذر بتدهور الأوضاع في البلاد، مع زيادة المخاوف من اتساع المأساة الإنسانية والفقر والبطالة وغياب الاستثمار إضافة إلى شحة موارد الدولة. يعيش اليمن أزمة مالية معقدة وصعبة تنذر بحدوث تدهور اقتصادي شامل، قد تعجز مؤسسات الدولة القيام بدورها من سداد رواتب العاملين في الجهاز الإداري للدولة، والإنفاق على الخدمات الرئيسية حيث أكدت وزارة المالية قد أكدت وجود ضعف في إيرادات الدولة ، ويعتبر الوضع الاقتصادي صعب في اليمن في ظل امتناع الدول الخليجية عن دفع المزيد من الأموال منذ أشهر بسبب الفساد والتبديد وسوء التصرف والإدارة ، ويؤكد الخبراء، أنه وفي غضون مدة، من شهرين إلى ثلاثة كحد أقصى، فإن الدولة لن تستطيع دفع رواتب الموظفين وكادر الجيش والأمن ، بالنظر إلى وقف برامج التمويلات والمساعدات الخارجية. تحديات اقتصادية .. وقد فاقم الانقلاب الحوثي التحديات التي يواجهها الاقتصاد في اليمن، الذي يحاول منذ سنوات العودة للاستقرار، حيث تعاني البلاد من الفقر ومعدلات البطالة المرتفعة ، وبحسب البنك الدولي فإن 54%، من سكان اليمن فقراء، في حين أن 45% منهم يواجهون صعوبة في الحصول على المياه والغذاء ، وقد سجل الاقتصاد في اليمن نموا ب4.8%، في عام 2013، بحسب بيانات البنك الدولي إلا أن التوقعات للعام الماضي أقل بكثير عند 1.19%، رغم أن الأرقام لم تصدر بعد رسميا. وتدهورت الأوضاع الاقتصادية في البلاد إضافة إلى المالية العامة للدولة نتيجة الهجمات المتكررة على خطوط أنابيب النفط الرئيس حيث أن قطاع الطاقة يشكل نحو 25%، من الناتج المحلي الإجمالي ونحو 70%، من إيرادات الحكومة و90%، من صادرات البلاد، وقد أعلنت الحكومة المستقيلة أن الاقتصاد والموازنة العامة تكبدا خسائر تقارب 7 مليارات دولار جراء التخريب المتكرر لخطوط نقل النفط والغاز وشبكات الكهرباء بين عامي 2012 و2014، أما عجز الميزانية فقد بلغ 8%، من الناتج المحلي الإجمالي في 2013ويرى مراقبون أن الاضطرابات قد تؤثر على المنطقة المحيطة باليمن في حال تأثر مضيق باب المندب الذي يشهد مرور 8%، من عمليات الشحن حول العالم و4%، من ناقلات النفط ، وسيفاقم الإعلان الدستوري للانقلابين الحوثيين من التحديات التي يواجهها الاقتصاد والذي يحاول منذ سنوات العودة للاستقرار الذي من دونه لن تتحرك العجلة الاقتصادية. ثورة جياع .. وحذر محللون اقتصاديون من ثورة جياع قادمة؛ نتيجة تدهور الأوضاع الاقتصادية والأمنية وإعلان الأقاليم استقلالها، وعدم الاعتراف بالانقلاب الحوثي ، وقال الخبير الاقتصادي، الدكتور سيف العسلي في تصريح صحفي إن اليمن بات على مشارف الانقراض الاقتصادي وإعلان الإفلاس، محذراً من أن تقود الأوضاع المعيشية المتردية البلاد إلى تفجير ثورة جياع حقيقية . واعتبر محللون أن عدم الاستقرار والحروب والنزاعات الداخلية كانت لها تداعيات سلبية على الاقتصاد الوطني؛ نتيجة توقف عملية التنمية وتدمير البنية التحتية وارتفاع نسبة الفقر، موضحين أن ردود الفعل الأولية على إعلان الانقلاب الحوثي تهدد بكارثة اقتصادية وثورة جياع، حيث أعلنت المحافظات الجنوبية عدم اعترافها بالإعلان الحوثي. ومن ضمن المحافظات محافظات حضرموت وشبوة ومأرب الغنية بالنفط، ووقف تعاملاتها مع صنعاء يعني توقف النفط اليمني. وتوقع الخبير الاقتصادي عبد المجيد البطلي، أزمة غذاء نتيجة التدهور الاقتصادي على خلفية غياب الدولة وسيطرة جماعة الحوثي على مفاصل البلاد. وقال البطلي :إن اليمن يعاني من زيادة الأعباء على كاهله وغارق في فقر مدقع وسوء تغذية، وإن سيطرة الحوثيين ستفاقم أزمات البلاد. وأكد البطلي، أن الأسرة اليمنية تأثرت بشكل مباشر جراء الحروب والنزاعات، متوقعا أن يؤدي هذا التصعيد من جانب الحوثيين إلى أزمات اقتصادية وإنسانية؛ جراء نقص السلع وارتفاع أسعارها بشدة، لا سيما الغذائية؛ بسبب تدهور الأوضاع الأمنية وتعطّل موارد الدولة. أزمة إنسانية .. ويؤكد تقرير الاستجابة الإنسانية للأمم المتحدة، تضرّر نحو 58% من سكان اليمن أي ما يزيد عن 14مليون من عدد السكان بسبب الأزمة الإنسانية الحاصلة في البلاد ، وتبقى الاحتياجات الأشد معاناة محصورة في انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية لدى الأطفال وعدم توفر مياه الشرب الآمنة ومرافق الصرف الصحي الملائمة، وعدم الحصول على الرعاية الصحية. وبحسب التقرير فإن حوالي 13 مليون شخص يفتقرون إلى مصادر محسنة للمياه خاصة في المناطق الريفية، في حين أن 8.6 ملايين لا يحصلون على الرعاية الصحية الأساسية، وهناك أيضاً أكثر من نصف مليون نازح وعائد من الخارج، وكذلك أكثر من 243 ألف لاجئ معظمهم من الصوماليين. ويقول خبراء اقتصاديون أن الاقتصاد في اليمن "هش وضعيف" وإنه يشبه ما يمكن تسميته ب "الاقتصاد الريعي" (الذي يعتمد على مصدر دخل واحد)، وهو بتلك الصفة يواجه صعوبات متعددة أبرزها اتساع مساحة الفقر، وتفشي البطالة، والنمو السكاني السريع، وشحّ المياه، والمشاكل المتعلقة بآلية الحكم. وذكر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، في تقرير حديث حول "الجوع في اليمن"، أن 41.1% من اليمنيين، أي 10.6 ملايين شخص، يعانون انعدام الأمن الغذائي، من بينهم 5 ملايين شخص يعانون انعدام الأمن الغذائي الحاد، و5.6 ملايين يعانون انعدام الأمن الغذائي المعتدل ، وأفاد التقرير بأن المعدلات الوطنية لسوء التغذية الحاد، تبلغ نحو 12.7%، مقارنة مع 13% عام 2011. وأكدت منظمة أوكسفام البريطانية أن أكثر من نصف سكان اليمن بحاجة لمساعدات إنسانية، محذرة من أن البلاد تتجه نحو كارثة إنسانية إذا ما استمر تدهور الوضع فيها ، وأشارت المنظمة في بيانها إلى وجود نحو 16 مليون شخص في اليمن بحاجة للمساعدة، أي ما يعادل ثلث من هم بحاجة للدعم الإنساني في عموم الشرق الأوسط. رفع أسعار المشتقات النفطية.. وقد دعا القيادي في جماعة الحوثي محمد البخيتي إلى إضافة المزيد على أسعار المشتقات النفطية لمواجهة الأزمة التي تعصف بها البلاد، وقال محمد البخيتي عضو المجلس السياسي للحوثيين في مداخلة بقناة الجزيرة "ان الحكومة بحاجة إلى إضافة المزيد على أسعار المشتقات النفطية من أجل مواجهة الأزمة القائمة وأضاف «نحن نتوقع أن يكون هناك ازدهار، لكن نتيجة الانخفاض المتسارع لأسعار النفط، نتوقع أن يستمر الوضع كما هو عليه». وبدأت سيطرة جماعة الحوثيين على مقاليد السلطة في اليمن، منذ تحركاتها العسكرية تحت مزاعم رفع حكومة الوفاق في أسعار المشتقات النفطية، وحشدت قواتها على مشارف العاصمة تحت أهداف منها ثني الحكومة عن سياسية التجريع. من جانبه، قال مستشار رئيس الحكومة المستقيلة، جمال الحضرمي، ان الاقتصاد اليمني لن يتحسن إلا عندما تكون السياسيات الاقتصادية موجهة لتحقيق نمو اقتصادي حقيقي لأي نظام كان، لا الحفاظ على النفوذ الاقتصادي. وأوضح ان أي نظام قادم يجب أن يتخذ حزمة من الإجراءات والإصلاحات التي ستزعج النافذين داخل هذه الأنظمة التي لا تعمل حسابها للاقتصادي المحلي، وخلال الفترة الماضية، استخدم الحوثيين الحزمة السياسية، مستغلين موضوع الجرعة، وهذا الأسلوب ذاته التي سيستخدمه أي مكون. وقال رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، مصطفى نصر، ان الاقتصاد اليمني يعاني من تدهور كبير، وقد يتجه لانهيار كامل، "هناك حالة من القلق ومن التوقف". وأضاف "الأزمة السياسية سببت حالة شلل للوضع الاقتصادي وهناك مؤشر مخيف في تعامل البنوك الخارجية مع البنوك المحلية، كما هو الحال في الاستثمار" ، ونقلت قناة الجزيرة عن «مسؤول يمني رفيع» قوله ان جماعة الحوثيين لن تكون قادرة على دفع رواتب فبراير الجاري للموظفين. تراجع اقتصادي مستمر .. وكان تقرير صادر عن الجهاز التنفيذي لتسريع استيعاب تعهدات المانحين في اليمن قد قال أن الفوضى السياسية والأمنية ما زالت تعيق تحقيق الاستقرار الاقتصادي، وعطّلت وصول أموال المانحين إلى اليمن ، وكان رئيس الوزراء المستقيل، خالد بحاح قال إن الحكومة السابقة أخفقت في الاستفادة من نحو 10 مليارات دولار تعهدت الدول المانحة بتقديمها لليمن في عام 2012، وأكد أن الحكومة لم توفر للمانحين الأرضية المناسبة لتخصيص تلك المبالغ والإسراع في استيعابها، موضحاً أن الوضع الاقتصادي في البلاد يمر بمرحلة خطرة ، وقد كشف مصدر رفيع أن ممثلتي البنك والصندوق الدوليين في اليمن تراقبان الأوضاع عن كثب وباهتمام كبير، وما سوف تؤول إليه خيارات انتقال السلطة ، لتقرر على ضوء ذلك الخطوة القادمة وقالت مصادر صحيفة أن الممثلية المالية الدولية بالعاصمة صنعاء، أن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، سوف يمتنعان عن تقديم أية تمويلات جديدة أو مساعدات مالية لأي سلطة "غير دستورية". وأضافت أن البنك والصندوق الدوليين يرفضان، بالمطلق، التعامل مع أية سلطة، وفي أي زمان ومكان لا تعتبر وفقًا لمعايير متعارفة، سلطة دستورية ، وأوضح المصدر، أن معايير البنك والصندوق الدوليين، تعتبر السلطة انقلابية والنظام الممثل لها غير دستوري. وهذا يستتبعه مباشرة وقف كافة البرامج والتعاملات. وقالت مصادر تجارية مطلعة إن السلطات رفعت حالة القوة القاهرة يوم الجمعة الماضية عن شحنات الغاز الطبيعي المسال من محطة بلحاف ، وكانت رويترز قالت الأسبوع الماضي إن مرفأ تصدير الغاز البالغة طاقته 6.7 مليون طن سنويا وتديره شركة توتال الفرنسية أعلن حالة القوة القاهرة بسبب تدهور الوضع الأمني عقب سقوط الحكومة ، والقوة القاهرة بند في العقد يسمح للمشترين أو البائعين بالتراجع عن التزاماتهم بسبب أحداث خارجة عن إراداتهم.