الشعب اليمني من صعده إلى حضرموت ومن صنعاء إلى عدن متوحد اليوم كما لم يحدث من قبل في مواجهة السلطة تحت مطلب واضح ومحدد هو إسقاط النظام, وللمرة الأولى تجتمع كلمة اليمنيين, وتتفق كل القوى الشعبية والسياسية والقبلية والحراكية والحوثية على هدف واحد هو رحيل نظام الرئيس صالح, وهو ما يزيد من عزلته ويجعله يقف وحيداً في مواجهة الشعب, وإن حاول الظهور بخلاف ذلك من خلال تضليل الرأي العام عبر وسائل الإعلام الرسمية. النظام لم يعد يجد ما يواجه به الثورة الشعبية المتصاعدة والممتدة شمالاً وجنوباً سوى الترويج لنظرية المؤامرة التي تستهدف أمن الوطن ووحدته كما يدعي, وهو يلوك بشكل دائم مفردات الأمن والاستقرار والفتنة والحرب الأهلية وتقسيم الوطن وتمزيقه لتسويق بضاعته, بالرغم من أن الاعتصامات والاحتجاجات الشعبية في كل محافظات الجمهورية وفي مقدمتها المحافظات الجنوبية التي ظلت طيلة الفترة الماضية مسرحاً للشعارات الانفصالية مدفوعة الأجر, لم يحدث أن رفعت خلال هذه الانتفاضة الشعبية أية شعارات انفصالية, ولم تدعوا إلى مناطقية أو مذهبية أو غير ذلك مما يخلق صراعات في أوساط الشعب, بل إن كل اليمنيين اليوم يناضلون كتلة واحدة تحت سقف الوحدة, ويهتفون بصوت واحد «الشعب يريد إسقاط النظام», لكن هذا النظام وعوضاً من أن يبادر إلى إصلاح نفسه, ويسارع لتلبية مطالب الشعب ويمتص غضبه, إذا به يواجهه بتلك الأسطوانة المشروخة التي عادة ما تقتات منها السلطة عندما تتأزم الأوضاع من الحديث المكرر والممل عن المؤامرات التي تستهدف تمزيق البلد وزعزعة أمنه واستقراره, وكأن النظام يقايض شعبه, فالأمن والاستقرار ووحدة البلد مرهون ببقائه, ورحيله يعني خسارة كل ذلك! وهي نفس سياسة الأرض المحروقة التي ينتهجها الآن سفاح ليبيا في مواجهة ثورة الشعب الليبي. وتأملوا...!! كيف أن كل هذا القمع والإرهاب والبلطجة وقتل المتظاهرين السلميين في محافظة عدن وغيرها, وتضليل الرأي العام بتشويه الحقائق, وحشد الناس للوقوف وراء مبادرته, واستقدامهم من مختلف المحافظات وإنفاق ملايين الريالات كي يهتفوا ببقائه, ومحاولة إثارة الصراعات القبلية والمناطقية كي يقتتل الناس فيما بينهم, وتوزيع الأموال من خزانة الدولة لشراء الذمم وكسب الولاءات, كل ذلك يصدر عن شخص يؤكد لنا ويريد إقناعنا بأنه لن يترشح لدورة انتخابية جديدة, وأنه مع تداول السلطة عبر صندوق الاقتراع! كيف لنا أن نصدق مزاعمه وهو يقوم بكل هذه الأعمال؟! النظام يفضح نفسه لسنا هنا بصدد الحديث عن مخططات جهاز الأمن القومي التي كُشفت مؤخراً, وتم وضع اليد عليها من قبل الشيخ حِمير الأحمر نائب رئيس مجلس النواب وعضو اللجنة العامة لحزب المؤتمر الحاكم, والتي فضحت ما كانت تنوي السلطة القيام به من تصفية لمعارضيها السياسيين والقبليين وأولهم الشيخ حميد الأحمر, ليس هذا موضوعنا في هذه العُجالة كونه قد كُشف, وهو ليس بالأمر الغريب أو الجديد على نظام عودنا دائماً تسخير كل إمكانات الدولة وأجهزتها الرسمية وفي مقدمتها أجهزة الأمن لخدمة أغراضه ومصالحه الخاصة. المخطط الذي نحن بصدده هنا هو ما كشفه الرئيس بنفسه في خطابه أمام قادة القوات المسلحة يوم السبت 26 فبراير المنصرم, فبعد أن تحدث عن التآمر الذي قال بأنه مازال قائماً على وحدة واستقرار أراضي الجمهورية اليمنية, وبأن القوات المسلحة ستحافظ على النظام الجمهوري ووحدة الوطن, أشار في خطابه إلى أن العلم الشطري ظهر منذ سنوات في أكثر من مديرية, وفي أكثر من مناسبة بوضوح وجلاء, وأضاف: والمحطة الأخرى هي علم الإمامة الكهنوتية « السيف والخمسة نجوم « , وهو جاهز لإبرازه في المحافظات الشمالية بحسب تأكيداته, وأستطرد قائلاً: هذا دليل على حجم المؤامرة على أمن وسلامة الجمهورية اليمنية ووحدة الشعب اليمني. ثم نبه إلى ما أسماها بالمؤامرة التي تسعى إلى إعادة اليمن إلى عهود الظلام الإمامية والتشطير البغيض, وقال: نثق أن شعبنا ومؤسسته الوطنية الكبرى سيحبطون أية مؤامرات, ولن يقبلوا بالعودة إلى الماضي أو أن يظهر العلم الإمامي مجدداً في شمال الوطن, وتابع: إذاً هذه ردة, والردة الأولى تستهدف العودة بوطننا إلى الشطرية وعودة الاستعمار, والردة الثانية تسعى للعودة إلى عهد الإمامة ورفع علم السيف والخمس نجوم, ومن يقف وراء ذلك يسعون لتقليد ما يحصل الآن في ليبيا. إلى هنا إنتهى كلام الرئيس. وقد حدد بوضوح شكل المؤامرة التي تستهدف وحدة الوطن والعودة به إلى عهود التشطير والإمامة من خلال رفع أعلام التشطير وأعلام الملكية الإمامية ذي السيف والخمسة نجوم التي سيجري رفعها- بحسب كلامه- في المحافظات الشمالية. لكن السؤال: من الذي سيرفع تلك الأعلام الإمامية؟ للإجابة على هذا السؤال, كشفت مصادر مطلعة قيام التوجيه المعنوي- في القوات المسلحة- بطباعة آلاف الأعلام الملكية والشعارات الانفصالية لتوزيعها بهدف خلط الأوراق للتشويش على مطالب الشباب برحيل النظام. وتحدثت المصادر عن توجيهات سابقة لرئيس الجمهورية بالإفراج عن القيادي في الحراك حسن باعوم، ومنحه مبالغ مالية كبيرة للاستقالة من الاشتراكي والدفع بقيادة الحراك الأخرى للاستقالة من الحزب والاستمرار في تبني مطالب فك الارتباط، وتحدثت المصادر ذاتها عن حث السلطة لطارق الفضلي بالقيام بنفس الدور, في الوقت الذي أفاد شهود عيان لبعض المصادر الصحفية أنه شوهدت سيارة هيلوكس قدمت إلى ساحة اعتصام شباب المنصورة (عدن) وقامت بتوزيع الأعلام التشطيرية, إلا أن الشباب وقفوا في وجه تلك العناصر وتم طردهم, ورفضوا أيضاً استلام منشورات تسيء للوحدة الوطنية، مؤكدين أن هدفهم التغيير. وهنا تكتمل حلقات المؤامرة التي تحدث عنها الرئيس وأسهب في شرح تفاصيلها وكان له فضل كشفها وفضحها قبل خروجها, فشكراً للأخ الرئيس. بالطبع فإن ترويج فكرة المؤامرة التي تستهدف الوحدة الوطنية, والعودة بالبلاد الى عهد التشطير بل والإمامة, وإلصاق ذلك بالثورة الشعبية ومن ورائها أحزاب المشترك التي التحقت بركب ثورة التغيير, يهدف بالأساس إلى إجهاض الثورة الشعبية الشبابية ومحاصرتها بسيل من الشائعات لتشوية صورتها والحيلولة دون التحاق جموع الشعب بها, بالإضافة إلى إيجاد المبررات الأخلاقية والقانونية لتسويغ استخدام القوة لقمع الثورة الشعبية والبطش بها تحت مبرر حماية الوحدة والتراب الوطني, فالنظام ما عاد يمتلك مشروعاً وطنياً يمكن أن يستقطب الشارع اليمني ويحظى بتأييده, وبالتالي فهو يحاول البحث عن مشروعية وطنية يفتقدها لتمنحه مشروعية البقاء في السلطة, ولبلوغ ذلك ليس أفضل من إدعاء المؤامرات- بل وصناعتها- ليبدو وكأنه يتصدى لها في ثوب وطني زائف يحاول التلفع به بعد انتزاعه من الآخرين. إنها محاولات بائسة لتقمص أدوار وطنية خارج السياق الوطني ذاته الذي ما عاد يرتبط به بصلة. يخسر النظام تباعاً أوراقه الخاصة التي طالما أجاد اللعب بها, ويوماً فيوم ينفضّ حلفاؤه من حوله, على الرغم من محاولته الإحتفاظ بهم عبر الإغداق عليهم, لكن مقادير الله تسري على جميع خلقه, وسيجد النظام نفسه في آخر المطاف وحيداً ومجرداً من كل عناصر القوة التي يعتقد بأنها ستحميه من غضبة الشعب, وما يحصل في ليبيا اليوم خير برهان على ذلك, والعاقل من أعتبر بغيره, لكن يبدو أن ثمة أناس لا يعتبرون حتى يجربون بأنفسهم ويذوقون من ذات الكأس التي شرب منها غيرهم.