الرئيس سئم السلطة لكنه يقتل شعبه لأجلها! الرهان على الخارج آخر أوراق صالح المتهالكة قبل أن يجف حبر قرار صالح بتشكيل لجنة للتحقيق في انتهاكات قواته وبلاطجته بحق معتصمي ساحة التغيير بصنعاء فجر السبت 12 مارس الجاري, والتي سقط فيها شهيد وقرابة (1000) جريح, عاد بلاطجته مرة أخرى ظهر اليوم نفسه لممارسة أعمال البلطجة ضد المعتصمين ليسقط هذه المرة أيضاً أكثر من 70 جريحاً برصاص قوات الحرس والقوات الخاصة والأمن المركزي بمؤازرة العشرات من البلطجية والمرتزقة المستأجرين من قبل النظام! قبل ذلك, (الخميس 11مارس) كان الرئيس يخطب في مهرجان احتفالي بالاستاد الرياضي بصنعاء, ويقول بأنه أمر الحكومة بالاهتمام بمطالب الشباب المعتصم في كل من صنعاء وتعز وعدن وفي أي محافظات أخرى, ووصفهم بأنهم شباب المستقبل وأمل هذه الأمة، وأن الحكومة ستعمل على تلبية كل طلباتهم دون الاعتصامات والاحتقان والفوضى! لكن وبمجرد الانتهاء من خطابه باشرت قواته في الاعتداء الغادر على المعتصمين بساحة التغيير بطريقة همجية وُصِفت بأنها أقرب إلى حرب إبادة, وإمعاناً من النظام وإعلامه المضلل في تزييف الحقائق وتغييب الوعي وتضليل الرأي العام ذهب يختلق قصصاً خيالية من نسج أجهزته الأمنية المسيطرة على وسائل الإعلام الرسمية عن ما أسماه باللجان الشعبية التي يزعم أنها شُكلت من قبل الأهالي للدفاع عن أحيائهم, وأن هؤلاء – وليسوا قوات الأمن- هم من اشتبكوا مع المعتصمين, في حين يعلم الجميع أن لاعلاقة للأهالي بتلك اللجان المزعومة التي ما هي إلاّ عناصر أمنية لا علاقة لها من قريب أو من بعيد بالسكان القاطنين في منطقة الاعتصام. الجيش سيتصدى لصالح يحاول الرئيس من خلال اللعب بورقة الإعلام الرسمي المضلل التذاكي وخلط الأوراق والتنصل من مسئوليته القانونية والأخلاقية في قتل المعتصمين وإرهابهم بشتى صنوف القمع والتنكيل, وإلقاء تبعات ذلك على الأهالي, ليُصور الأمر وكأنه صراع في أوساط الشعب اليمني لاعلاقة له به. لكنه بأفعاله تلك يُؤلب الناس عليه, ويجعلهم ينفضّون من حوله, إذ كلما أمعن في القتل وتسويق الكذب كلما زاد مناوؤوه من المطالبين بسقوطه ليس في أوساط الشارع وحسب بل وفي أوساط الجيش كذلك, بالإضافة إلى مسئولي الحكومة الذين تتوالى استقالاتهم, ومن المؤكد أن استقالة وزير الأوقاف والإرشاد لن تكون أخرها. في حين يتنامى السخط والاستياء بين القبائل اليمنية التي لن تقف مكتوفة الأيدي وهي ترى السلاح يوجه إلى صدور أبناء الشعب , وهذا ما صرنا نشهده اليوم في محافظتي مأرب والجوف اللتين تم الاعتداء على اعتصامهما السلمي بالرصاص الحي, فكان نتيجة ذلك سيطرة رجال القبائل على بعض المقار والمباني الحكومية كرد فعل طبيعي على استفزاز السلطات لهم واستباحتها دماءهم. وفي حال استمر النظام في اللجوء إلى القوة والعنف في قمع التظاهرات والاعتصامات وأوغل في دماء اليمنيين واستباحها, فسيجد نفسه آخر المطاف ليس في مواجهة شعب مسلح وحسب, بل وفي مواجهة قوات الجيش التي ما زالت حتى الآن ترفض الآوامر بقتل المحتجين في المحافظات اليمنية, ما يضطر صالح ونظامه للاستعانة بقوات الأمن المركزي والحرس والقوات الخاصة بحكم خضوعها لسيطرة أبنائه وأبناء أخيه, بيد أن مسألة استجابة هذه القوات للآوامر بقتل إخوانهم من المدنيين العُزل تبقى محل شكوك كبيرة. موقف الشركاء الدوليون عاد نظام الرئيس صالح ليحتفي مجدداً بالموقف الأمريكي المؤيد للحوار, وهو من اتهم الولاياتالمتحدة ومن ورائها إسرائيل بالوقوف وراء ثورة الشعب العربي في المنطقة, وقال بأن غرفة عمليات تديرها واشنطن من تل أبيب هي من يدير هذه المؤامرة وأن الآخرين هم مجرد منفذون, وأن الرئيس أوباما بات يتدخل بصورة سافرة في شئون دول المنطقة!! لكن مع إعلان السفير الأمريكي بصنعاء أن فكرة اسقاط النظام ليست استجابة حقيقية للمشاكل, وأن المظاهرات ليست المكان الذي سيحل مشاكل اليمن بل الحوار والتفاوض, عاد النظام مرة أخرى ليستقوي بالموقف الأمريكي الذي اتهمه من قبل بالتآمر عليه! وعلى مايبدو فإن الرئيس ونظامه التقط التصريحات الأمريكية والأوروبية التي تحث السلطة والمعارضة معاً على الانخراط في حوار جاد بغية إنهاء المعضلة, واعتبر ذلك بمثابة ضوء أخضر دولي ليسرف في قمع المحتجين والمناهضين له والتنكيل بهم, ظناً منه بأن المجتمع الدولي ما يزال حريصاً على بقائه, وأنه سيتغاظى عن جرائمه بحق شعبه, وسيمنحه الوقت الكافي للخروج من الأزمة التي يمر بها نظامه بالطريقة التي يراها ملائمة, بما يُفضي إلى إستعادة سيطرته على الوضع والتأكيد لحلفائه وشركائه الدوليين في الحرب على ما يسمى بالإرهاب أنه مايزال قادر على التعاطي مع أزماته وبوسعه احتوائها أيضاً, ما يؤهله للاستمرار في إنجاز الدور المطلوب منه بوصفه رجلهم الأول في اليمن. وبالطبع فهي قراءة خاطئة لموقف دولي عادة مايتسم بالتأرجح والتقلب مع مصالحه, ولعل الموقف الغربي مما يجري في ليبيا خير شاهد على ذلك, إذ أخذ يميل صوب محاصرة نظام القذافي والتضييق عليه بعدما يتيقن بأن معارضيه باتوا قاب قوسين أو أدنى من النصر, وفي الشأن اليمني كانت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون سألت المعارضة اليمنية- أثناء زيارتها لصنعاء- ما إذا كانت تمتلك رؤية وتصور جاهز لانتقال السلطة, وهي إشارة صريحة من الإدارة الأمريكية بأنها لن تمانع في الاستغناء عن خدمات صالح فيما لو أخذت الكفة تميل صوب المعارضة المسنودة اليوم بالشارع اليمني الثائر, ولعل وزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ كان الأقرب في توضيح ما ذكرناه, فقد دعا السلطات اليمنية إلى التعبير عن التزامها حيال انتقال سلمي ومنظم للسلطة عبر احترام حق التظاهر وحرية التعبير. وحديث الوزير البريطاني عن انتقال سلمي ومنظم للسلطة في اليمن يحمل دلالة واضحة بأن كل الخيارات مفتوحة بالنسبة للغرب بما في ذلك التعاطي مع نظام آخر غير نظام الرئيس صالح, الذي ما زال يظن أن ورقة الإرهاب ستكبح اندفاع حلفائه بعيداً عنه, وستجبرهم على عدم التفريط به كونه الوحيد القادر على التعاطي والتعامل الأمثل مع تهديدات الإرهاب. شرعية الرئيس صالح التي أسقطها الشعب اليمني وقرر التصدي لها في الساحات والميادين العامة, يحاول استعادتها عبر التشبث بموقف دولي هنا أو هناك يدعوا للعودة إلى حوار تجاوزه الوضع بمراحل ولم يعد يمثل حلاً مقبولاً للأزمة الراهنة, فالوضع الآن أن الشارع اليمني هو من يمنح المشروعية وهو من ينزعها, حتى لوقفت كل دول العالم مع النظام, ولم يعد يُجدي نفعاً الرهان على الخارج لترجيح كفة النظام المتهاوي, كما أن استجداءه ومحاولة الزج به في صراع مع الشعب هو أيضاً رهان خاسر, فالشعب قرر أن يخوض معركته بنفسه مع النظام وأن يدفع فاتورة نضاله كاملة مهما بلغ حجمها.