بدت الجمعة الماضية وكأن البلد قد أصبح في كف تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون، تواروا هناك خلف أسوار دار الحكم وراء الأسلاك الشائكة والمدججة بالدمار والسلاح، حيث تحاك المكايد ليحولوا دون فجر يبزغ وثورة تتألق في ساحات الحرية وميادين التغيير. وهناك تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون، وفعلوا فعلتهم في يوم دام حزين، لم يرقبوا فيه إلاّ ولا ذمة ولم يراعوا حرمة ولا جمعة، ومكروا مكرهم وعند الله مكرهم وفعلوا فعلتهم وجاءوا الناس عشاء يبكون، ومارسوا الجريمة بنفسية قابيل، ولكنهم لم يدركهم ندمه الذي أدركه وعجزت غربانهم أن تواري سوءة فعلتهم وجريمتهم كما وارى غراب قابيل جثة أخيه. وعوضا عن ذلك راحوا يطرحون مبرراتهم التي أطلقوها وهم يحلفون للشعب وعبر وسائل الإعلام وعدد من الصحفيين أنهم ما شهدوا مصرع هؤلاء الشهداء الأبرار، ولا كانوا وراء الغدر بهم وإنما أكلهم الذئب لكن سرعان ما تدركهم الريبة بأنفسهم إذ يقولون وما أنتم بمؤمنين لنا ولو كنا صادقين. كل تلك الأيمان وكل التبريرات لم يكن بمقدورها أن تواري سوءة الحاكم ورهطه حتى إعلانهم للحداد الرسمي والاعتراف بأن ضحاياهم شهداء وحتى المشي في جنازة الشهداء والأبرار ما كانت لتقنع أحدا ولن تقنع أحدا، لأن الحقيقة كشفتهم بأنهم كانوا خاطئين. فلسان حال ومقال كل الأحرار والأخيار وكل الشعب من أقصاه إلى أقصاه يعلن وبوضوح (بل سولت لكم أنفسكم أمرا). ويبلغ الأمر مداه حين يفر الحاكم من مطالب الشعب فيلجأ إلى قانون الإبادة (قانون الطوارئ) لعله يمنعه من السقوط أو يعصمه من الماء، فيسلق القانون في سويعات ثم يدعو ما تبقى من مجلس النواب إن لحق منهم أحدا لتمريره معتقدا أنه بهذا العمل سيعصم نفسه من الطوفان ويحصن نفسه من السقوط، حيث يظن أمثال هؤلاء أنهم مانعتهم حصونهم من الله، ولأن إرادة الشعوب تستمد قوتها من إرادة الله فإن الله يأتيهم من حيث لا يحتسبون، فكانت الثورة الشعبية التي برزت إلى مضاجعهم، وفي ألقه القريب إن شاء الله وعند الصباح يحمد القوم السرى وتتنفس اليمن الصعداء وتتنفس هواء الحرية والعدالة وسنقول للمغرر بهم (لا تثريب عليكم اليوم) وسيقتصر العقاب العادل على الظالمين والظالمين وحدهم.