على الرغم من أن معظم المراقبين والمهتمين بالشأن اليمني يكادون يجمعون على أن دول مجلس التعاون الخليجي هي مع رحيل صالح ونظامه, إلاّ أن البعض يقرأ في المبادرات الخليجية موقفاً منحازاً لنظام صالح, لجهة عدم تضمين المبادرة الخليجية الأخيرة ما يشير صراحة الى تنحي صالح على الفور, بالرغم من أن جوهر المبادرة هو التنحي وتسليم السلطة ولكن بالخطوات التي وضعتها المبادرة والتي يراها شباب الثورة طويلة, وهي مع ذلك خطوات واضحة ومحددة لا لبس فيها ولا غموض, بيد أن مكر صالح ومراوغته هما من يُعقدان إجراءات التنفيذ لتبدو المبادرة وكأنها تمد من عمره, وتمنحه وقتاً إضافياً لمناورة خصومه, في حين أن الموقف الخليجي قد حسم أمره برحيل صالح ولم يعد ثمة مجال لمناقشة مثل هذا الأمر, إلاّ أن طريقة تعاطي دول المجلس مع صالح ومحاولتها إقناعه بالرحيل بهدؤ, وعبر فترة زمنية تبدو طويلة نسبياً, ومجاراته في بعض تعديلاته على المبادرة ربما أوحى للبعض بعدم جدية دول المجلس في العمل على رحيل صالح, ويمكن تفسير الأمر بأن مرده إحساس هذه الدول أن صالح لن يتورع في اللجؤ إلى العنف والفوضى للخروج من المأزق الذي يكابده, ولو أدى الأمر إلى إشعال حرباً أهلية وبخاصة حينما يتعلق الأمر بمستقبله السياسي, إن رجلاً كهذا لن يتردد أبداً في إحراق البلد بمن فيها لينجو بنفسه من المصير المحتوم, وهو من وجهة نظر الخليجيين ما يزال قادراً على اتخاذ قرار الحرب, ويخشى الخليجيون من عدوى الإضطرابات التي ستنتقل إلى بلدانهم وفقاً لتهديدات صالح نفسه, وهو ما يجعلهم أكثر ليناً ومهادنة له, وبالتالي هم يريدون ضمان انتقال سلمي وسلس للسلطة يجنب اليمن ويجنبهم أيضاً مخاطر الإنزلاق إلى الفوضى التي يلوح بها صالح في كل مناسبة من خلال إظهار المزيد من التعنت والاشتراطات الجديدة, وإلاّ فهم على يقين بأنه لم يعد بوسعه الاستمرار في السلطة حتى نهاية فترة حكمه في العام 2013م, فالرجل خسر كل مقومات حكمه, ولم يعد بيده سوى التهديد بحرق المعبد وتدميره فوق رؤوس الجميع, وفي لحظة قنوط وشعور جارف بقرب النهاية قد يقامر الرجل بتفجير الموقف عسكرياً, هذا ما يستطيع فعله على الأقل من وجهة نظر أصحاب المبادرة, وإن كان معارضو صالح يخالفونهم الرأي, فالرئيس من وجهة نظرهم في أيامه الأخيرة, وقد خسر كل أوراقه بما فيها الورقة العسكرية التي يلوح بها, وكل ما يستطيع فعله ممارسة بعض أعمال البلطجة ضد شباب الثورة , وتضليل الرأي العام لكسب مزيد من الوقت. وكما أن المبادرة الخليجية منحت صالح مزيداً من الوقت لإطالة بقائه, واستمراره في اللعب بين مد وجزر مع المعارضة وشباب الثورة, إلاّ أن طريقة هؤلاء الأخيرين في التعامل معه أغراه في اللعب معهم بطريقته لكسب مزيداً الوقت, على أمل أن يُحبَطوا, أو تدب خلافات في أوساط الثوار ومع المعارضة, أو يصيبهم الملل فيتفرقون من طوع أنفسهم. والواقع أننا بحاجة فعلاً إلى كسر الجمود الذي أصاب الحركة الاحتجاجية وتجديد أليات التصعيد ضد صالح ونظامه لإرغامه على تنفيذ بنود المبادرة الخليجية دون إبطاء, ربما لسنا بحاجة الآن كي نزحف على القصر الجمهوري أو دار الرئاسة, لكن ربما نكون بحاجة إلى زحف من نوع آخر وهو زحف القبائل على العاصمة صنعاء من أطرافها وفرض حصار مشدد حولها, والحصار ليس بالطبع على السكان بل على المعسكرات المحيطة بالمدينة والتي تؤمن الحماية للنظام وأركانه, إن فرض حصار من هذا النوع وتضييق الخناق على صالح بطريقة تشعره بقرب نهايته ربما يجبره على الإذعان السريع للرحيل الفوري وفقاً للمبادرة الخليجية, ويمكن للقبائل المحيطة بالعاصمة أن تقوم بمثل هذه المهمة, فهي استطاعت في وقت سابق منع قوات من الحرس الجمهوري من التقدم صوب العاصمة من مناطق شتى, وفرضت سطوتها على تلك الألوية والمعسكرات الموالية للنظام والمتواجدة في مناطقها, وبرهنت بأنها صاحبة الكلمة الأولى فوق ترابها. هذه الخطوة ربما تبدو ضرورية لمخاطبة صالح بنفس اللغة التي يفهمها, مع استمرار التصعيد في الاعتصامات والمظاهرات والعصيان المدني. ينبغي الوصول بصالح إلى النقطة التي يختار فيها بين أن يخرج بسلام أو أن يلقى مصير مبارك, وهذا لن يتم عبر المفاوضات بل عبر ضغوط شعبية شديدة, والمؤكد أن الورقة القبلية التي انحازت طواعية للثورة الشعبية وتعهدت بحمايتها صارت ورقة ضغط قوية بيد الثوار لو أحسنوا استخدامها, فالتعويل على الأشقاء في دول المجلس أو حتى على إمكانية حصول ضغوط غربية (أمريكية أوروبية) على صالح ليقبل التنحي بسلام ويذعن لمطالب الشعب يتطلب انتظار مزيداً من الوقت وهو أمر لايصب في صالح الثورة, ويبدو أن صالح استبق الضغوط الدولية المتوقعة عبر استقدام مبادرات خليجية تحظا في الغالب بدعم المجتمع الدولي بالنظر إلى الخصوصية التي تربط اليمن بدول مجلس التعاون, وتؤخر بالتالي من تلك الضغوط الدولية التي لوحت له قبل أسابع قليلة بمجلس الأمن الدولي, فصالح يستطيع اللعب في المربع الخليجي والحصول منه على مايريد من ضمانات, في حين لايمكنه اللعب- مثلاً- في مربع الجامعة العربية أو مجلس الأمن كون الضغوط ستكون حتماً أشد. ومادام الأخوة في دول مجلس التعاون قد أخذوا على عاتقهم مسألة إنهاء المشكلة اليمنية, وما دام صالح لم يقطع حبل المبادرات الخليجية, فتارة يوافق ومرة يتحفظ وأخرى يشترط وهكذا دواليك, فمعنى ذلك أنه استطاع أن يختار الملعب الذي يلعب فيه بطريقته ليسدد الأهداف التي يريد, وهذا يطيل من أمد الثورة ويضع أمامها الكثير من العراقيل والصعاب, ويؤخر من بلوغ أهدافها, وبالتالي فالوقوف عن مسألة العمل السياسي- وهو أمر لابد منه- والاكتفاء به كسبيل أوحد لحل معضلة نقل السلطة لا يبدو منطقياً في زمن الثورات الشعبية المتوثبة التي قدمت الكثير من الشهداء والجرحى والمعتقلين.