"إصلاحوثي" هو الاسم المختصر الذي اقترحه للدلالة على كلمتين مهمتين جدا في قاموس المشهد اليمني الحالي وهما "الإصلاح" و "الحوثي".. ف "الإصلاحوثي" هو كل من ينتمي لأحد الطرفين و ينخرط في الصراع المسعور بينهما من مثقفين و كتاب و أدباء و شعراء و صحفيين و مفسبكين..و بالتالي يمكن لمن يريد أن يؤكد أنه لا ينتمي للصراع الدائر بين الفريقين و أنه لا يشارك في الهجوم على طرف منهما لمصلحة الطرف الآخر، أن يقول باختصار " لست إصلاحوثيا".. و هذه العبارة يمكن اعتبارها مرادفا لعبارة "أنا إنسان حر" أو لعبارة "أنا مهتم بهموم البلد الحقيقية وغير راغب في إضافة المزيد"! ربما يقول البعض أن هناك فرقا بين "الإصلاحي" و "الحوثي" و بالتالي لا يمكن استخدام مصطلح واحد لوصف الطرفين، والواقع أن كلمة واحدة تكفي إذ ليس هناك فرق حقيقي، فكلا الفريقين وجهان لعملة واحدة ويؤديان لنفس النتيجة حيث يساهمان ببراعة واقتدار في تدمير ما بقى من هذا البلد وتكريس التخلف والتنازع والانقسام التي أصبحت "سمات" المجتمع اليمني التي يفاخر بها في القرن الواحد والعشرين! "فريق" الإصلاح لا يكل ولا يمل من الصراخ و العويل و التهويل بخطر وشر ومكر الحوثي وكأن هذه هي فقط مشكلة اليمن وبالقضاء عليها نكون قد وضعنا أقدامنا على بداية عصر النهضة والطاقة النووية وغزو الفضاء..! و يصفون الحوثي بأنه خطر على "الجمهورية" و أنه يمثل عودة الحكم الإمامي! مهلا لحظة.. لماذا يبدو لي هذا الخطاب "مألوفا"؟! تذكرت! لقد كانت هذه هي فزاعة صالح التي كان يخيفنا بها طوال فترة حكمه، و يبدو أن الإصلاح ورثها عنه مستغلا ذاكرة الشعوب الضعيفة، و لولا أن صالح لم يعد رئيسا للجمهورية المزعومة لظننت أنه هو من يتحدث! أما "فريق" الحوثي فلم يبق إلا أن يصفه بأنه " نبي"، أُرسل ليحل كل مشاكل الأمة! يصدعون رؤوسنا ليلا ونهارا بأن لديه رؤية وطنية، و كل أمله في الحياة هو رفع الظلم و تحقيق "الدولة المدنية" على الأرض! لكن العجيب أن حلمه البراق هذا مسنود بالقتال وضم الأراضي وبسط النفوذ! والحقيقة أن الحوثي يبحث عن نصيبه في الكعكة ،لذا ينشئ فصيلا خاصا به، له توجه ديني معين و شعار و علم و سلاح و مصادر تمويل، وهو يعلم جيدا بأن ما يفعله مناقض تماما لما يدعيه، و لكن من قال أن في اليمن من الضروري أن تتطابق الأقوال مع الأفعال؟ هذا الأسلوب "التربوي" الذي اتبعه صالح طوال أكثر من ثلاثة عقود من الزمن يبدو أنه يؤتي أكله الآن.. و لكن لحظة! لماذا يتكرر اسم "صالح" كلما تحدثنا عن الفريقين كلا على حدة؟ هل لأنهما ببساطة من "مخرجات" هذا النظام الفاسد و أن كل ما يحدث الآن هو مجرد إعادة تدوير لا أكثر و لا أقل؟ وأعجب ما في الأمر، هو "المنطق" الذي يتشدق به كل من يتمسك بالقوة وبالسلاح ويصر على القتال سواء كان الحوثي أو الإصلاح "مدعوما بآل الأحمر" أو أي قوى أخرى... وهذا المنطق هو: "هاتوا لنا دولة وإحنا نرمي السلاح ونقع مواطنين مدنيين مسالمين"! وأنا أتمنى أن أعرف من هو الشخص أو الجهة التي يفترض أن "تجيب لهم دولة"؟؟ الدولة يا حضرات ليست "علبة شامبو" موضوعة على رف في "دكان" بحيث يروح حد "يجيبها" لنا.. ربما كان من حسن حظ بلد مثل ماليزيا – وهو بلد مليء بالاختلافات الدينية والعرقية -أنه لم يُرزق بنخب سياسية و مثقفة مثل التي لدينا في اليمن والتي تروج لهذا الصراع ولمنطق المتصارعين، وإلا لكان الأخ مهاتير محمد اليوم على رأس جماعة مسلحة من قبائل "الملايو" تتمترس في أحراش ماليزيا وتمارس القتل والتخريب وتلقي باللوم على الأطراف الأخرى، وتؤكد أنها لن تترك السلاح إلا عندما "يجيبوا" لها دولة من أقرب سوبر ماركت! مفهوم الدولة لا يتحقق إلا حين تكون هناك رغبة حقيقية وصادقة في وجودها من قبل الجميع ويساند هذه الرغبة عمل جماعي جاد على أرض الواقع.. ولذلك تأكدوا أن أي طرف يتحدث بطريقة "هاتوا لي دولة وأنا أرمي سلاحي" هو صاحب نية فاسدة ومراوغة، لا يريد دولة ولا يريد قانونا، وأنه لن يرمي سلاحه أبدا بل سيفعل ما في وسعه ليخرب أي مشروع حضاري، لأنه يتغذى أساسا على هذا الخراب و يستمد وجوده منه بل و لا يمكنه التوسع إلا فيه... و الحاصل عندنا أساسا هو أن كل طرف يستخدم الطرف الآخر "شماعة" يعلق عليها فشله في مواجهة المشاكل الحقيقية التي يواجهها الناس في الحياة اليومية، و بالتالي يقوم بتعبئة الناس ضد قضايا هامشية وأطراف معينة وبهذا يشغلهم عن توجيه اللوم إليه. فالإصلاح مثلا يغطي فشله عن طريق تخويف الناس من الحوثي وأنه – أي الإصلاح – محتشد بكل طاقاته ليصد خطر الحوثي ويقي الناس من شروره.. ولذلك لو برز سؤال بريء عن ما الذي فعله ويفعله الإصلاح كحزب سياسي من المفترض أن لديه خطط و برامج و قاعدة شعبية لملء الفراغ الحاصل وللنهوض بالبلد و الانشغال بالتنمية، يكون الرد على الفور إما "الحوثي" أو "النظام السابق"! ونفس منطق "الشماعة" يستخدمه الحوثيون..فهم يقدمون أنفسهم على أنهم أصحاب "رؤى" وطنية بحتة وأن لديهم دائما مقترحات رائعة، لو تم العمل بها لأصبحنا نرفل في الأمن والنعيم ولتحولنا إلى دولة عظمى.. لكن العجيب حقا أنهم يسندون هذه الرؤى بالمدفع والدبابة ويهددون بأفعالهم النسيج الاجتماعي المهلهل أصلا ..وبعد ذلك يلقون باللائمة على "الأطراف" الأخرى التي ترفض العمل بمقترحاتهم ولا تضع يدها في أيديهم! وهكذا تدور الدائرة "الإصلاحوثية" المفرغة ...ينام الناس يوميا..ويحلمون بغد أفضل تتوافر فيه أبسط مقومات الحياة الإنسانية الكريمة من "أمن ،عدل، ماء، كهرباء، وقود"، لكنهم يستيقظون على نتائج كارثية للصراع "الإصلاحوثي" المستمر بلا نهاية و الذي يُباعد المسافة بينهم و بين أحلامهم البسيطة والمشروعة.. لو أن الصراع انحصر بين الفصائل المسلحة لكان هذا في حد ذاته كارثة لكن الأدهى أن ينجر خلف هذا الصراع نخبة من الكتاب والمثقفين خصوصا من أوساط الشباب الذين كنا نتوسم فيهم العلم والوعي والمعرفة، لكنهم اختاروا - للأسف - التمترس خلف أحد الطرفين بتعصب أعمى واندفاع أهوج ،وانشغلوا في الانقضاض والصراخ بشكل هستيري لا يمكن فهمه.. وأصحاب هذه الأقلام كان يعول عليهم أن ينأوا بأنفسهم وأقلامهم عن هذه الصراعات المخزية وأن يقوموا بدور مهم جدا في رفع وعي الناس من أجل البدء في عملية تنمية حقيقية هي كل ما تحتاجه البلاد في الوقت الحالي.. نجدهم على العكس قد شحذوا أقلامهم لتساند الخنجر والمدفع وتزيد من رقعة الصراع وتؤججه بل وتبرره وتساهم في نشر المزيد من القتل والدمار والانقسام.. أيام "الثورة" استطاع النظام السابق أن يشغل الناس بجبهة "دماج" في صعدة، في الوقت الذي تقدمت فيه قواته المجرمة لترتكب أبشع مجزرة ضد الشباب المعتصم في مدينة تعز... و انشغل الناس بالصراخ والولولة على ما يحصل لدماج من غزو "مجوسي" بينما غضوا الطرف عن محرقة تعز! ثم نتساءل بعد ذلك لماذا فشلت الثورة؟؟ ولماذا حال البلد من سيء إلى أسوأ؟؟ السبب هو هذه الصراعات المفتعلة التي يتم إشغالنا بها عن عدونا الحقيقي وعن مشاكلنا الفعلية.. أيها الكتاب المثقفون المنحازون لهذا الطرف أو ذاك... لو أنفقتم ربع جهدكم هذا في محاربة شجرة القات الخبيثة- مثلا - لكنتم أنفع لشعبكم و بلدكم... لكنكم اخترتم أن تكونوا أنفع للإصلاح ...وأنفع للحوثي....اخترتم أن تكونوا "إصلاحوثيون"..