حين توافق شركاء السلطة والثروة والفوضى بعد ان انفضت شراكتهم في عام 2011م؛ جراء اختلافهم على كعكعة الوطن وعلى نسب تقاسمها لا على قضايا وطنية مشرفة كما هو اختلاف فرقاء السياسة في كثير من دول العالم المحتضر... حين توافق هؤلاء الخصوم على أن يتولى نائب الرئيس يومها عبد ربه منصور هادي قيادة سفينة هذا الوطن، كان توافقهم هذا من منطلق أن هادي يشكل الحلقة الاضعف بين الحلقات المتواجدة في الساحة، إذ لا حزب يأتمر بأمره ولا قبيلة تسند ظهره وتشد من أزره ولا محيط إقليمي يهب لنجدته طالما لا تربطه بهذا المحيط أية مؤامرات أو عمالة مسبقة على حساب سيادة هذا الوطن ومصالح قاطنيه. هذه الأسباب التي دفعت بفرقاء السياسة والمصالح في هذا البلد إلى الدفع بهادي إلى قمة هرم السلطة هي ذاتها الأسباب التي دفعت بقوى الصراع في عام 1974م إلى الدفع بالرئيس الحمدي إلى سدة الحكم، وجه الشبه بين المشهدين هو في بحث القوى المنتفعة والمعرقلة لتطور هذا البلد عن رئيس غير مسنود بالقبيلة وبالخارج ليسهل عليها التخلص منه عند الضرورة كما حصل للشهيد الحمدي، فيما يبدو من الصعوبة على هذه القوى التخلص من هادي طالما استوعب الدرس جيداً من جريمة اغتيال الحمدي، وطالما هنالك متغيرات دولية وإقليمية مغايرة لما كانت عليه في زمن الحمدي. لأن وجهة هؤلاء الفرقاء لم يكن الوطن وإنما ما في باطنه من ثروات وما في وزاراته وهيئاته ومؤسساته من وظائف يسيل لها اللعاب فقد وقعوا في شرك أعمالهم ونياتهم حين فوجئوا بمن توافقوا عليه بأنه شخص أخر غير ذاك الذي كان يشغل منصب نائب الرئيس دون عمل ودون مهام حقيقية تتناسب وهذا الموقع الثاني في سلم هرم السلطة، لقد فوجئوا بقيادة وطنية تحمل مشروعاً وطنياً وفكراً وسطياً، ربما ما كان ينقص هذه القيادة؛ كي تثبت جدارتها في صنع مستقبل هذا البلد وفي تحديد هويته الحقيقية هو موقع صنع القرار لا الموقع الذي يليه. ما يذكرني به الرئيس هادي هو بملوك وأمراء طروادة المدينة التاريخية التي ازدهرت في الألف الثالث قبل الميلاد والتي اشتهرت بقصة حصان طروادة الخشبي، إذ ما إن كان يقعد احد الملوك أو الأمراء على كرسي حكم هذه المدينة المحصنة تحصينا شديداً إلى ويخلع تاج الملك ليستبدله بخوذة الفارس المقاتل استشعاراً منه بحجم الأخطار المحدقة بمدينته ومواطنيه. هكذا فعل الرئيس هادي منذ اللحظة التي وصل فيها إلى كرسي الحكم حين نفض عن نفسه غبار عقد ونصف العقد من الزمن ليمتشق سيفه مدافعاً عن وطن أخطر ما فيه أنه مخترق وغير محصن لدرجة لا يحتاج عنده أي غاز لحصان طروادة الخشبي كي يجتاز مداخله وأسواره طالما بالإمكان الوصول إلى أسوار قصر الرئيس ذاته الذي استكثر عليه البعض ممن يحلوا لهم التعليق على كل شاردة وواردة وضع مطب في الشارع المؤدي إلى سكنه لتمكين حراسته من مراقبة وضبط الحالة الأمنية في هذا المكان الذي يتوقف على أمنه أمن واستقرار وطن برمته، بعد أن كانوا قد استكثروا عليه حراسته الشخصية من أقرب المقربين إليه. منذ ان وصل الرئيس هادي إلى كرسي الحكم شأنه شأن عظماء "طروادة" وهو في وضعية محارب لا في وضعية رئس مرفه، تحيط به المخاطر والدسائس والمؤامرات من كل الاتجاهات، اخطر ما في هذه المؤامرات ما يحاك منها في الداخل بل وعلى مقربة من موقع صنع القرار. على امتداد عشر سنوات كما يؤكد على هذه الواقعة التاريخ المدون في أكثر من صفحة من صفحاته حُوصرت مدينة طروادة في إحدى المرات التي حاول فيها جيش الملك "مينلاوس" ملك اسبرطة اسقاطها لما يقارب ال 10 سنوات، وما كان لها أن تسقط لولا خديعة حصان طروادة الخشبي، لقد صمدت هذه المدينة التي لا تشكل مساحتها ربما 1% من مساحة مدينة صنعاء في وجه جيش مجحفل وآلات حربية متطورة في قياس ذلك الزمن وبعدو لا يفرق بين البشر والشجر والحجر أو بين النعجة والجمل، سر هذا الصمود يكمن في عدم وجود عميل أو خائن يسكن خلف أسوار تلك المدينة وخلف أبوابها الموصدة بإحكام. إذا ما فتشنا عن عملاء وخونة ومأجورين في هذا البلد سنجدهم في كل مكان وفي كل شبر من مساحة هذا الوطن وعلى كل المستويات طالما استمرؤوا هذا العمل الخسيس ضد وطنهم وأهلهم وطالما فضلوا فتات المال ودنسه على كل ما سواه من مثل ومن قيم وأخلاقيات. منذُ وصول الرئيس هادي إلى سدة الحكم وهو يخوض حروب لم تتوقف حتى اليوم منها ما هو ماثل للعيان ومنها ما هو اخطر طالما تندرج في إطار تصفيته شخصياً، كما هي المحاولة الفاشلة في تفجير نفق المصباحي الذي يمر منه عادة عند توجهه إلى قصر الرئاسة، وكما هي المحاولة الإجرامية التي استهدفت مجمع وزارة الدفاع، وبالتحدي المستشفى الواقع فيه بحثاً عن الرئيس في غرف المرضى وفي عيادات الاطباء، كل ذلك بغية خلط الأوراق والزج بالوطن وبقاطنيه في أتون محارق لا تُخمد وصراع دموي لا يتوقف وفوضى لا تبقي ولا تذر على شيء في هذا الوطن سيما في ظل معضلاته الحالية وفي ظل تمترس الكل في مواجهة الكل. حين أتوقف عند ردود أفعال بعض الأحزاب مما يتخذه الرئيس من قرارات وطنية محل الترحيب الشعبي كمحاربة الإرهاب مثلا أتفهم دواعي قلق هذا الحزب أو ذاك من قرارات وطنية كهذه، كذلك حين ألحظ تعليقات معارضة لمثل هكذا قرارات وطنية من قبل رجال دين أو من قبل ملتحين حتى لو لم يكن في أدمغتهم شيء من الفقه أو من المعوذات، أتفهم أيضاً دواعي هذا الرفض لكن ما لم أفهمه حتى اللحظة هو سبب اكتفاء أغلبية الشعب الساحقة بالرضى عن هذه القرارات دون التعبير عن هذا الرضاء ودون ترجمة هذه الرغبة الشعبية إلى فعل على الأرض من خلال الخروج إلى ميادين وساحات الوطن لتوجيه أكثر من رسالة ولأكثر من جهة مفادها أن الأغلبية الساحقة من أبناء هذا الوطن مع قرارات الرئيس ومع توجهاته الوطنية الرامية إلى وضع حدٍ لمعاناة الوطن وقاطنيه ولوقف نزيف الدم الذي لم يتوقف على امتداد ثلاث سنوات. عدم اندفاع الناس إلى كل ساحات الوطن لمؤازرة الرئيس في قراراته رغم أنهم المستهدفين من كل الفوضى الدامية التي عمت هذا الوطن، دفع بأكثر من متتبع لمجريات الأحداث لأن يسأل سؤالاً منطقياً وهو: لمصلحة من يخوض الرئيس هذه الحروب منذ عامين؟ هل هي حروبه الشخصية أم حروب الوطن وأبناءه في سبيل الوصول إلى بر الأمان؟!. ما يتعرض له الوطن من اخطار ليس مكمنه الوحيد تنظيم القاعدة الظاهر على سطح الاحداث والمعشعش في مخيلة كل مواطن، إذ هنالك جهات عدة قد لا تحمل في يدها بندقية أو رشاش لكنها تحمل اخطر من ذلك بكثير وهو المعول الذي يهدم كثير من أساسات ومداميك هذا الوطن دون دويٍ لأية انفجارات ودون اثر لأية دماء. هذا المعول هو معول الفساد الذي ينخر في جسد هذا الوطن كما تنخر دودة الأرضة في الخشب لدرجة صعب على عفاريت سليمان الذين اتوا له بعرش بلقيس قبل أن يرتد إليه طرفه أن يلحظوا ما تفعله هذه الدودة بعصاه! التي فارق الحياة وهو متكئ عليها، إذ لم يفطنوا لموته غير في لحظة انكسارها؛ جراء نخرها ووقوعه على الارض. ما أخشاه أن لا يفطن الرئيس لموت هذا الوطن؛ جراء ما ينخره الفساد في جسده منذُ عقود طويلة غير في اللحظة التي ينهار فيه هذا الوطن ويقع بمن عليه جثة هادمة كما وقع نبينا سليمان على مرأى ومسمع من عفاريته! [email protected]