لكل علم موضوع يبحث فيه ففي علم الهندسة هو القياسات وفي علم الطبيعة هي المخلوقات وفي علم الطب هو بدن الإنسان وفي علم الإنسان هو القلب 000الخ وبما أن الأسس والمبادئ الأولى التي يرتكز عليها كل علم أن تكون واضحة جلية بذاتها فإن إثباتها يكون بعلم آخر من مستوى العلم المبحوث فيه وأما المسألة الأولى التي يتوجب معالجتها ومعرفتها والغوص في بحارها هو موضوع علم النفس الإنسانية وكيفية حصولها على الاستعداد الذي يجعل ويمكن أعمالها الإرادية أو الإدارية كلها جميلة ومحمودة أو العكس في ذلك والنفس البشرية في ذاتها سر من أسرار الله إذا أراد الله بها خيرا يجعلها نبراسا ونورا لامعا تضئ للآخرين وإن سخط عنها سبحانه وتعالى تتولى في الأرض لتهلك الحرث والنسل ولقد بين الله سبحانه وتعالى تلك الحالتين في قوله تعالى (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقوها قد أفلح من زكها وقد خاب من دسها ) والإنسان في هذه الحياة الدنيا مخير وليس مسير والعقل هو أساس الإنسان يقول أحد العلماء لكل كائن مخلوق خصوصية ذاتية تميزه عن غيره وما تبقى فيما عدا هذا الخصوصية مشترك بينه وبين غيره فالسيف للقطع والحصان للجري وكلما كان السيف أقطع كان سيف بحق وكلما كان الحصان أسرع كان فرسا بحق لان لهذا خلق. وان نبا السيف تحول إلى حديده أو ما يشبهه. وكذلك الفرس إن كبا ومثله الإنسان الذي تميز عن بقية المخلوقات بقوة النطق فسمي ناطقا وأما اليوم في القرن الواحد والعشرين فالنفوس الشريرة كثيرة جدا. فبعض الناس اليوم تنظر إليه وتسمع كلامه فيلهث لسانك بترديد الحمد الله الذي عافني مما ابتلاء به كثيرا من غيري وكأن أفاعيله وجرائمه وما صنعته يداه من آثام وأخلاق غير إنسانية قد جعلت منه شيطانا رجيما وجعلته حيوانا يمشي على الأرض في صورة إنسان وأما الخصائص والمبادئ المشتركة بينه وبين بني البشر من تسمع ونطق وغير ذلك لم يراع لها حرمة فاللسان التي أنعم الله سبحانه وتعالى عليه جعلها ثعبان ساما تفتك بكل من حوله فتراه لا يأكل إلا حراما ولا يتكلم إلا كذبا ونفاقا وخداع وزورا وبهتانا ( كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا ) وأما سمعه الذي يسمع به فقد أعتاد على أصوات التبجيل والتفخيم وكلمة حاضر ونعم وطيب فسمعه معطل في غير ذلك وعيناه الذي ترى وتنظر قد حجبت بنظارة سوداء لا يرى بها ولا يشاهد إلا كل ما هو قبيح ولا يجيد النظر إلا إلى الماء السائل الأحمر يسيل من أبناء جنسه فيزداد كبرا وخيلاء.. واليدان اللذان ينهى بهما عن المنكر ويأمر بالمعروف بهما قد تحولت إلى آلات ومعدات تحطم وتقتل كل ما هو جميل أمامه .. والرجلان اللذين يسعي بهما إلى كل ما يصلح حاله وحال غيره قد حجزت كما حجز فيل أبرهه على مشارف مكة فلا يستطيع التحرك بهما إلا إلى ما يغضب الله إن هذه الخصائص والمميزات والأمراض النفسية التي يصاب بها بعض البشر إنما هي مقابلات للفضائل من الأعمال كلها. والسبب الحقيقي في ذلك الإعراض والتنكر لكل ما هو جميل هو عرى النفس من الأخلاق والفضائل وأدنى قيم الإنسانية لم حوله. فمثل هذه الأخلاق ألا إنسانية قد تكون بعض أحيان هي السبيل إلى المعرفة والتحول من حال إلى حال آخر. وقد تكون نشأة في هذا الإنسان وفطر على هذا الوضع المذموم ولكن الأدهى من ذلك والأمر هو البقاء والاستكانة على هذه الحالة العدوانية وعدم الاستجابة لكل ما هو حوله من فضائل وأخلاق آلا إنسانية وهذه الحالة هي أشد الرذائل فتكا وهذا نداء أخير لكل من ملاء قلبه حقدا وغيظا وعنادا وأنه هو الأمير والسيد والملك وغيره لا يجدون إلا الانحناء أمام فخامته وكذلك عبيد لسيادته نقوا له آلا ينخدع بحمله هذا اللقب ( إنسان ) فالحصرم إنما يسمى عنا تجاوزا والسنابل الخضراء تسمى قمحا توقعا لصيرورتها وكذلك الإنسان إنما سمي إنسان آملا بما سيكون