لم يذق اليمن طعم الاستقرار عبر تاريخيه، ولعب الدويلات المذهبية دورا جوهريا في حروبه الأهلية المستدامة، فالبنية السياسية للمذهب الزيدي محورها الخروج على الظالم وهذا أسس لحرب دائمة طوال تاريخها بين أبنائه ومع غيرها، وصار المذهب اليوم مترسن بايدولوجيا دينية اكثر تحفزا، فقد تمكن حسين الحوثي من بعث عقائد الخروج لإعادة الحق الاصطفائي الى أهله، وكان للاسلام السياسي الشيعي والسني دورا محوريا في البناء الايدولوجي للحوثية، واصبحت الحوثية مع الوقت فاعل سياسي يعمل بوجهين متناقضين، وجه سياسي يشرعن للوجود بأدوات ناعمة ووجه عسكري جهادي صلب تديره حلقات عقائدية صارمة، وكلاهما محكوم باستراتيجية شاملة تركز على بناء القوة وتحقيق الغايات التي تؤسس لها العقائد الدينية الاصطفائية وهذا ما يجعله يبدو كقنبلة مستمرة في تفجير الحروب الدائمة. الحوثية اليوم ليست الا الحد الاقصى لصورة الزيدية المتأثرة بالإسلام السياسي والأكثر تطرفا ورغبة في الحرب والثورة وما يزيد من اشتعالها وتصميمها ويمكنها من توسيع نطاقها الجغرافي بروز التيارات الاسلاموية الاخرى فالاخوانية اصبحت ثورة متمنطقة بالاستشهاد من اجل السلطة والغنائم هي الوجه الآخر للحوثية وصراعهما السياسي والاجتماعي وعلى الموارد بوابة لحروب أهلية ومدخلا لاستدامة الفوضى، والتناقضات الجذرية بينهما رغم تشابههما كما سنوضح لاحقا يجعل لقائهما صعبا، وأي تحالفات ليست إلا تكتيكات تفرضها ضرورة الصراع. وقد تبدو الحوثية والاخوانية حركات دينية تقليدية إلا انهما يديران الصراع بأدوات حديثة ولا فرق بين الحركات العلمانية او الدينية المسيسة، فالاخوانية لا تفرق عن القومية وحتى عن الشيوعية لانها منتج متأثر بالحداثة الاوربية وتحولاتها وإعادة انتاج لتجربتها التاريخية، وكذلك الحوثية هي أشبه بحركة دينية قادمة من العصور الوسطى وبوعي متعارض مع التقاليد التاريخية وتطوراتها الطبيعية وتعمل بأدوات الحداثة الغربية، لذا لن تجد تخليق مختلف ولا ابداع فعلي وملامح التغيير التي تتحدث عنها الاسلامويات ليست الا مظاهر شكلية لتغطية الماضوية التي تحكمها، فالتغيير علي على مستوى الوعي مازال جامدا، وتعاني الحركتان صعوبة من استيعاب الحداثة على مستوى الثقافة والفكر والفلسفة بل انهما يرددان المقولات الجديدة لاعاقة الحداثة عبر تلفيق مشوه ولا تمتلكان القدرات لإنتاج حداثتنا الخاص بل يشكلا التحدي الابرز امام الاصلاح الديني، وتبدو الحوثية بالذات كطاقة منفعلة مغلقة معيقة للتغير الطبيعي. وهذا ما يجعل ثورات الاسلام السياسي بوابة للفوضى المدمرة، والنتائج العملية للثورات الاسلاموية انتاج الحروب والنزاعات الجذرية التي تعيق قدرتنا على التجديد والأخطر انها تدمر ذاكرتنا وتشوه وعينا ومازالت الامور في بداياتها الاولى، اصبح ربيع العرب مع الاسلام السياسي بوجهيه الشيعي والسني كحقل تجربة لهوس غربي غير قادر على تركنا وشأننا لإثبات وجودنا. وهيمنة الغرب معضلة التيارات في المنطقة العربية فهي تقاوم الغرب وهي مرتبطة بالتجربة التاريخية لأوربا، ويعمل الغرب بجدية تامة في التأثير على الواقع فتدخله وتوظيفه للأصوليات السياسية حتى الارهابية منها مثلا، تنطلق من تجربته الخاصة فهي الطاقة الاكثر تحفيزا من وجهة نظر الغرب لتسريع عملية الانخراط بالحداثة الأروبية، فالكوارث التي تنتجها ستدفع الشعوب لتجاوزها كما حدث في التجربة الاوربية، فالأصوليات مهمة للدفع بالتجديد الديني. وهذا الامر ليس صحيحا فإعادة انتاج تجربة القرون الوسطى في ارويا في هذا العصر كارثة ووظيفتها الفعلية هي اضعاف دولنا وتدمير مجتمعاتنا واستهلاك ما ينتجه الغرب لنغدو فاعل تابع بلا إرادة وبلا أي طموح حضاري. ولو اخذنا التجربة اليمنية سنجد ان الاصوليات المسيسة جامدة في بنى ايدولوجية مشتتة وتدير صراعاتها البينية بالأفكار المعيقة لإعمال العقل وبالأفعال التعبوية النافية للآخر ولحركة الواقع في تحولاته الايجابية التقدمية، فهذه الاسلامويات مخنوقة بذاتها وتعيد تكرر مقولاتها التاريخية وتحاصر الواقع وواقعها الراهن مرتبط جذريا بماضوية متخيلة اشد بؤسا من الماضي كما كان وهي لا تجدد ولا تمتلك منهجية اجتهادية ثورية بل تقاتل سياسيا وتقوم بتحريف النصوص التي تستند عليها لشرعنة افعالها بما يجعلها فاعل مدمر لأي اصلاح ديني جذري، هي لا تجتهد لخلق خريطة فكرية تلائم حاجة الواقع بل تدمره وتنتج اهوائها باعتبارها إرادة الله والنتيجة استمرار الجمود في الواقع لتستعبده بمفاهيم كلية تحاول قسر وإكراه الواقع من خلالها ويشكل العنف الرمزي والمادي وسيلة لتعميم يقينياتها حتى تلك المغايرة للنص وللواقع فتصبح تأويلاتها نهاية الابداع وخلاصة الحقيقة وهذا ما يفسر خياراتها العنيفة وهي تمارس الفعل السياسي. حتى الوجه السلمي لها والتفاوض والتسويات في معركة السياسة لا يهدف الى خلق التوافق والشراكة وقيم العيش المشترك وتوزيع للمصالح بآليات واضحة، بل السياسة لديها وسيلة وغاية لاحقاق الذي تعتقده، وهي اعمال مرحلية للوصول الى الهيمنة المطلقة، وهذا ايضا يفسر نزاعات الاصوليات فيما بينها فالتعدد الاصولي مثير للنزاعات وخالق للازمات ومبدع في تفجير الكوارث، فالنزعات الشمولية المؤدلجة اقصائية ولا يمكنها ان تتعيش. فكل شمولية اسلاموية تجاهد سياسيا لإثبات الحق لا من اجل تحقيق العدالة والإنصاف وان تحدثت عن العدالة فانها ترى ان سيطرتها الشاملة هي العدالة. وعادة ما تتحدث الايدولوجيات الاصولية عن تعمير وتقدم الشعوب الا ان افعالها التي تنتجها العقائد الايدولوجية ونتيجة لصراعاتها الانتهازية في بناء قوتها والتناقضات التي تفرزها تلقائيا فيما بينها ومع الفعاليات السياسية الاخرى يجعلها في حالة صراع مع الكل ضد الكل وهذا ما يجعلها عائق لأي تغيير. مع ملاحظة ان خيالاتها التي تسطرها في مقولاتها عن الأمة والنهضة ليست الا انعكاس ايدولوجي لبنية اصولية مسيسة همومها مرتبطة بالخيال التنظيري وانجازاتها البسيطة تتحول الى دعاية لتزوير الواقع، فالحوثي المؤدلج مثلا يعتبر صعدة نموذجا للتقدم طالما الهيمنة له ولن يتقدم اليمن والامة ويتحقق الفوز في الدنيا والآخرة ما لم يؤمن المسلم بالايدولوجيا الحوثية التي ترتكز على محور جوهري وهو الولاية، لا يتحدث الحوثي عن الاخطاء والكوارث التي تصيب اليمن الناتج عن افعاله التي تسعى لبناء قوة الحركة وتعميم الايدلوجيا الهزيلة التي يستند عليها فما يقوم به ليس الا جهادا لانتصار الحق المبين. وبالمكان الحديث عن الاخوانية وهي اليوم كما يعتقدون ليست الا الثورة التي لابد من الاستسلام لها باعتبارها خلاصة لاي تقدم في اليمن التي هي ولاية في خلافة قادمة وترى ان سيطرتها ليست الا دليلا إلهي على اقتراب الخلاص لانتصار الامة، وهي لا تتحدث عن تجربتها الفعلية ولا عن الوقائع ومآلات افعالها على حالة التردي. فالاسلامويات تنفي عن نفسها اي مسئولية فهي الخلاص وكل مشاكل الواقع لان هناك من يحارب امساكها بزمان الأمر كله وكل فاسد. وبالمثل سنجد ان فضائع القاعدها وقهرها لامن واستقرار اليمن والدمار الذي يلحق باقتصادنا ليس الا علامات النصر على الامريكان وعملائها وبشارات الاسناد الرباني لهم. الاخطر في الايدولوجيات الاصولية في فهمها للمصالح الوطنية انها تتم عبر البنية الكلية للايدولوجيات الاسلاموية في المنطقة مما يجعلها كيانات داخلية بولاءات خارجية وارتباط قائم على هيمنة المراكز المنتجة لها لذا فستجد ان الحوثية لا تفهم دورها الوطني الا بالمنظار الذي يحدده المرشد ولي الفقيه لذا فليست مهتمة بالخيارات الوطنية لامن اليمن القومي الموضوعية التي تفرضها الجغرافيا ومصالح ابناء اليمن وانما بخيارات طهران ولا يهم ان تضحي اليمن بمصالحها وحاجاتها لتدعيم الامن القومي لدولة الملالي وبالمثل يمكن الحديث عن الايدولوجي الاخوانية ذات العقائد الباحثة عن خلافة فمصالح الدول التي يحكمها الاخوان هي الاصل والفصل وما يحدد خياراتها الخارجية هي مصالح التنظيم الاخواني بامتداداته العابرة للحدود ما يجعلها اشبه باليسار الذي ارتبط بموسكو وبكثافة عقائدية قد يدفعها الى جعل اليمن كدولة غير مركزية في الصراعات الاقليمية والدولية اداة موظفة للاستراتيجيات الكبرى لتنظيم الاخوان العالمي وتحالفاته التي تساعده على بناء قوته وفرض هيمنته. اما القاعدة ككيان فوضوي يعاني من عمى استراتيجي في فهم ادواره العبثية ومخاطرها على امن شعوبنا وعلى صورة الاسلام والمسلمين فاليمن ليست الا جغرافيا لابد ان تنشر فيه الفوضى لتحقيق عقائد تبدو له حقائق وهي اوهام تجعل منها ايدولوجيتهم طريقا للنصر وهي الفعل الاكثر تخليقا للهزائم وفي انهاك الاسلام والمسلمين!!! هذا النقد ضروري لا من اجل الادانة ولا الاقصاء وانما لتفكيك واقع هذه الايدولوجيات الاسلاموية بهدف تجاوز الاخطاء حتى يتمكن الانسان اليمني من الخروج من معضلاته ويتحرر من حالة الجمود ويتجه الى حوار اكثر قدرة على اعادة البناء في ظل تحولات انتجت صراعات عبثية لن نتجاوزها ما لم نعيد تخليق الواقع ونواجه عوامل اعاقة التغيير والنهوض.