بغطاء سياسي من الولاياتالمتحدةالأمريكية وبعض دول أوروبا وبعض الأنظمة العربية المصنفة في ركب الغرب المتصهين تواصل آلة الحرب الصهيونية دكّ المدن والأحياء والقرى الفلسطينية في قطاع غزة لليوم الثامن عشر على التوالي مخلفة في ذلك وحتى اللحظة أكثر من 680 شهيداً وأكثر من 4600 جريحاً، وأكثر من 150 الف مشرد لجئوا إلى مدراس "الأنروا" التابعة للامم المتحدة وإلى الكنائس هرباً من جحيم وحمم النار التي تقذف بها آلة الحرب الصهيونية من البر والبحر والجوّ بمعدل قذيفة مدفعية أو صاروخية لكل ثلاث ثواني من الدقيقة. اربعة عقود زمنية قضاها الإنسان العربي من المحيط إلى الخليج في قبضة أنظمة ديكتاتورية ملكية وجمهورية كانت كفيلة بترويض هذا الإنسان ورفع منسوب جبنه وخنوعه إلى الدرجة التي وجدناه عندها يتعاطى مع قضاياه الوطنية والقومية دون مبالاة ودون اهتمام. دليل هذا الفتور في التعاطي مع مثل هكذا قضايا مصيرية تجسد في تعاطي هذا الإنسان العربي مع الاحداث الدامية في غزة ومع آلة القتل الصهيونية وهي تبطش بأرواح وأجساد الأطفال والنساء والشيوخ وكأن الأمر لا يعدوا عن كونه مشاهدة مونديال كروي، رغم سقوط مئات الشهداء وآلاف الجرحى وهدم أحياء سكنية بكاملها على رؤوس قاطنيها من الفلسطينيين العزل. إنه زمن القبح العربي في أنصع صوره وأبلغ معانيه، زمن باتت فيه مئات ملايين العرب مجرد غثاء سيل، ومجرد أوعية للنفايات اليومية من طعام وشراب بعد أن جُرد هذا الإنسان من قبل أنظمته الفاسدة ومن قبل سجانيه وجلاديه على امتداد عقود من الزمن من قيمه ومن مُثله ومن أخلاقياته لدرجة بات عندها هذا الإنسان يتلذذ بانتهاك شرف أمته وعرضها ومقدساتها، بل ويستمرأ ما يحل بها من سحل ومن قتل ومن هوان. في تصريح ل "نتنياهو" رئيس وزراء العدو الصهيوني أكد من خلاله أنه يحظى بدعم دولي غير مسبوق في حربه وعدوانه على غزة، ما يستشف من هذا التصريح أن هنالك أنظمة عربية تقع في هذا الإطار الدولي الداعم سبق لهذه الأنظمة أن أعلنت من قبل ودون خجل أو حياء دعمها لإسرائيل في حربها على لبنان في عام 2006م مستهدفة في تلك الحرب حزب الله بالتحديد الذي خرج منتصراً بعد 33 يوماً من المواجهة مع العدو الإسرائيلي رغم ما يمتلكه هذا العدو من ترسانة حرب ومن دعم غربي غير محدود، ومن دعم عربي –للأسف الشديد- تمثل بالإيعاز لهذا العدو بشن العدوان على لبنان وبالإلحاح عليه بعدم التوقف عن عدوانه حتى أرغمته ضربات المقاومة المؤلمة ممثلة بحزب الله على هذا التوقف. كم أخجل أني عربي سيما في هذا الزمن الذي يدون فيه التاريخ بأنه زمن العهر العربي وزمن تحلل الإنسان العربي من عقيدته ومن عروبته ومن تاريخه ولربما من رجولته بعد أن عطل الحاكم العربي منظومة أحاسيس ومشاعر هذا المواطن ولربما فحولته ليظهر على هذا النحو من اللا مبالاة بما يجري في غزة من تنكيل بأهلها من قبل قردة اليهود بعد ان استمرأ عبودية حكامه على امتداد عقود من الزمن. إنه زمن تساقط أوراق التوت عن مواضع العُريّ في الجسد العربي.. زمن الجحود والفجور والتقزم، زمن الانحطاط والانبطاح، زمن أنصاف الرجال وأنصاف المتفقهين في الدين وأرباع من يدعون الجهاد في سوريا وفي اليمن والعراق بدلاً من جهادهم في فلسطين أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ومهبط اسراء نبينا محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم... إنه بالقطع زمن التحلل العربي من الوجود. عزائي في هويتي القومية وفي ما تجشمت عناء خزن هذه الهوية في ذاكرتي لعقود من الزمن حين علقت آمالاً على هذه الهوية في صون كرامتي وفي صون كرامة الأرض التي فتحت عيناي لأرى في العلو شمسها وعلى الأرض دفئها، هذه الأرض التي ولدت فيها، وحبوت فوق أديمها ووقفت شامخاً فوق ثراها كما يقف مولود الناقة عند مولده دون ترنح، عزائي في كل هذا هو في صمود أهل غزة وفي بطولاتهم وفي عضّهم على جراحاتهم وفي تسطيرهم لأهم ملاحم أمتهم نيابة عن هذه الأمة التي لا تجيد غير النحيب تارة وغير اللهو تارة أخرى وغير الانكسار امام طغاتها وأمام أسياد هؤلاء الطغاة من الصهاينة. عزائي في وهم عروبتي في ظل ما أشاهده من مآسِ ومن فضاعات على أرض غزة هو في صراخ وفي نحيب ضباط وجنود العدو لحظة مهاتفتهم لأمهاتهم من ساحات المواجهة مع المقاومة الفلسطينية، هذا الصراخ الذي يتمحور في جملة واحدة مصحوبة بالبكاء وبالنحيب وهو: نحن في الجحيم... الفلسطينيون يفجرون في وجوهنا قنابلهم ويرمون في اتجاهنا رصاصاتهم وحمم نارهم ويلتحمون مع دباباتنا ومع أجسادنا دون خوف أو هلع من الموت. عزائي في عروبتي المنسية التي جلبت لي كثير من الآلام ومن الأوجاع ومن الدوار والغثيان حين سقطت بيروت عام 1982م على أيدي الصهاينة وحين سقطت بغداد عام 2003م على أيدي الصهاينة أيضا من العرب واليهود، وحين حاول نفس الخليط العربي الصهيوني اسقاط دمشق والقاهرة وطرابلس وصنعاء في يد قوى ومسميات في إطار الإسلام السياسي تحمل نفس جينات الصهيونية العالمية من حيث مشروعها التدميري لأمتينا العربية والإسلامية، عزائي في كل ذلك هو في صمود أهلنا في غزة حتى هذه اللحظة. [email protected]