قرار الحكومة برفع الدعم عن مادتي البترول والديزل فاجأ الجميع من حيث توقيته الذي تزامن مع إجازة عيد الفطر المبارك الذي عادة ما ينشغل كل مكون المجتمع اليمني بطقوسه الفرائحية على ماعداها من سياسات ومن منغصات. ردود أفعال غالبية الناس حيال هذا القرار انحصر في سؤال بديهي وعفوي وهو في ما إذا كان هذا الخيار هو الخيار الوحيد المتاح أمام حكومة باسندوة لحل معضلة العجز في موازنة الدولة، هذا السؤال الذي يحفظ كل مواطن في هذا البلد إجابته عن ظهر قلب حين يستعرض هذا المواطن رموز الفساد وما كوموه من ثروات تعادل مبلغ الدعم السنوي للمشتقات النفطية مئات المرات، إذ لو وضعت الدولة يدها على صغار الفاسدين فقط لأمكنها تغطية هذا العجز السنوي ما بالنا إذا طالت يدها كبار رموز الفساد ممن يمتلكون عشرات المليارات من الدولارات المودعة في البنوك الأجنبية والمستثمرة في أصول وفي شركات في اكثر من دولة وفي أكثر من قارة من قارات العالم. هو مجرد سؤال يطلقه المواطن الغلبان لينفس عما في داخله من غليان في ظل إدراكه التام أن استرداده لثرواته المنهوبة بات حلماً يُفترض القفز عليه بعد إقرار تحالف المشترك ومجلس النواب بحصانة الرئيس السابق وكل منظومة حكمه الفاسدة التي عملت معه لحوالي ثلث قرن من الزمن. خروج البعض إلى شوارع المدن للتعبير عن رفضهم لهذا القرار مصحوباً هذا الخروج بإحراق الإطارات أرى فيه كمتابع للأحداث السياسية في هذا البلد بأنه عمل متأخر ليس توقيته هذا الظرف الصعب والمعقد الذي يقف عنده الوطن في مفترقات طرق وعند خيارات محدودة محصورة في خيارين لا ثالث لهما وهما إما الذهاب إلى المجهول من خلال انهيار الدولة وإما الوقوف من جديد على أول الطريق من خلال إقرار هذه الجرعة. إذا كان هنالك من تعبير عن رفض المواطن لإجراءات يرى فيها على أنها تمس بحياته وبأمن الوطن وبقاءه فإن توقيت هذا الرفض من وجهة نظري كان استحقاقه عند لحظة توقيع تحالف المشترك في بلاط خادم الحرمين الشريفين على منح الحصانة للرئيس السابق ولمنظومة حكمه هذه الحصانة التي حرمت البلد، وحرمت قاطنيه من ثرواتهم المنهوبة والمقدرة بمئات المليارات من الدولارات والتي لو كان امكن استعادتها مقابل الصفح عما ألحقه الرئيس السابق بالبلد من كوارث ومن تخلف لما لجأت حكومة الوفاق إلى رفع الدعم عن المشتقات النفطية في محاولة منها لإنقاذ البلد من كارثة محققة سيما بعد أن أصبح موظف الدولة مهدد في راتبه جراء العجز المتصاعد في ميزانية الدولة. يُقال أن الكيّ هو أخر ما يلجأ إليه المريض بعد أن تنفذ كل محاولاته في معالجة أمراضه، فلِما لا نسلم بهذا الإجراء الذي اتخذته الدولة حتى لو كان مؤلماً سيما إذا ما كان سيؤدي إلى خروجنا من محننا ومن انفاقنا المظلمة فلرب ضارة نافعة خاصة إذا ما وظفت فوارق هذا الدعم في إنعاش التنمية وفي تحقيق فرص عمل وفي توسعة الضمان الاجتماعي وفي الحد من فساد المتنفذين في الدولة. كثير من الناس يصعب اقناعهم بإجراء عمليات جراحية عند المراحل الأولى لظهور أعراض أمراضهم لكنهم عند المراحل المتأخرة لهذا المرض وعندا للحظة التي تتهددهم هذه الأمراض بالموت يخضعون طوعاً لأية عملية جراحية مهما كان حجمها ومهما كانت أخطارها أو نسبة نجاحها طالما يجدون أنفسهم أمام خيارات محدودة ومحصورة بين الموت وفرص النجاة. ثلاثون عاماً ونحن نراكم أمراضنا وأمراض الوطن معتمدين على ما يقدمه لنا الحاكم ومنظومة حكمه الفاسدة من شعوذات ومن محايات ومن عقاقير مهدئة حتى وصل بنا الأمر إلى هذه المفترقات من الطرق وإلى هذه الخيارات المحصورة إما بالقبول بالانهيار أو القبول بعملية جراحية عاجلة دون تخدير موضعي او كلي يسبق هذه العملية متمثلاً باجتثاث الفساد والفاسدين كمسكن لهذه العملية. رفع الدعم في هذه المرة بالذات وفي هذا الظرف الذي يتولى فيه الرئيس هادي مقاليد الحكم في هذا البلد هو إجراء مختلف عن الإجراءات السابقة التي تمت خلال حكم سلفه علي صالح، فجميع مراحل رفع الدعم التي تمت خلال حكم صالح منذُ عام 1993م وحتى رحيله عن كرسي الحكم سواء للمواد الأساسية أو للمشتقات النفطية كانت تذهب مبالغ الفوارق المحققة جراء هذا الرفع للدعم إلى جيوب الفاسدين في مقابل تحميل المواطن أعباء هذه الفوارق التي اوصلت 50% من اجمالي المكون السكاني إلى خط ما تحت الفقر، فيما أوقعت 50% من أطفال هذا البلد في دائرة سوء التغذية، ناهيك عن 80% من السكان في خانة الفقر، فيما نفس النسبة من السكان في خانة البطالة السافرة والمزمنة. اليوم نحن امام مرحلة مختلفة وأمام قيادة وطنية مختلفة كل الاختلاف عن سابقتها، نحن اليوم أمام تحدٍ مع أنفسنا ومع كل من يحيكون لنا المؤامرات إذ وعلى امتداد اكثر من سبع سنوات ونحن نمني أنفسنا مساعدات الدول المانحة دون وفاء هذه الدول بشقيها الدولي والإقليمي بالتزاماتها الأخلاقية والإنسانية... على امتداد أكثر من عامين ونحن نعاني من التخريب ومن التدمير المخطط والمنهجي لمنشآتنا الحيوية والإستراتيجية المتمثلة بأنابيب النفط والغاز وأبراج الكهرباء وكابلات الإتصالات، هذه الاستهدافات التي تكلف خزينة الدولة سنويا حوالي 4 مليارات من الدولارات.. على امتداد سنوات ولربما عقود وفارق الدعم للمشتقات النفطية يذهب إلى جيوب كبار الفاسدين من مسئولي الدولة للأسف الشديد. مشهد مربك ومرعب إذا ما استمر على ما هو عليه دون تحرك الرئيس وحكومة الوفاق في اتجاه إيجاد مخرج لهذا المشهد حتى لو كان مؤلماً وموجعاً لملايين المواطنين المتعبين في معيشتهم، هذا المخرج المتمثل برفع الدعم الذي سيشعر المواطن نوعاً ما بآلامه سيمثل المنطلق لخروج البلد من أزماته ومن كبواته، فكثير من المختصين الاقتصاديين على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، وعلى إثر هذا القرار تنبئوا بتحول هذا البلد وعلى المدى المنظور إلى بلد غني كون هذا الدعم ومن وجهة نظري الشخصية كان بمثابة الدم المتخثر في صمامات قلب هذا الوطن الذي يهدد بتوقف حياته في اية لحظة. ما أجده في هذا القرار وفي هذه الجرعة هو أنه أول الغيث في زمن "هادي" خلافاً لكل الجرع السابقة التي أهلكت الحرث والنسل وأوصلت البلد ومن عليه إلى حافة الانهيار وإلى مرحلة الفشل طالما كانت تذهب فوارقها إلى جيوب اللصوص ومراكز القوى المتنفذة... ما أجده في هذه الجرعة أنها بداية الشفاء وبداية الانطلاق إلى فضاءات رحبة بإذن الله خاصة إذا ما صاحبها إجراءات جادة يتخذها الرئيس حيال الفساد وأوكاره إينما حل وحيثما وجد. [email protected]