بالرغم من توقيع مختلف القوى السياسية اليمنية على اتفاق السلم والشراكة ودخولها في حوارات عميقة خلال الايام الماضية للبدء في تنفيذ الخطوة الاولى من الاتفاق وهو اختيار وتسمية رئيس الحكومة للفترة القادمة , الا ان هذه القوى عجزت عن تحقيق هذه الخطوة رغم صدور قرار رئيس الجمهورية بتكليف الدكتور احمد عوض بن مبارك بتشكيل الحكومة , حيث رفضت بعض هذه القوى هذا الاختيار وتحفظت على القرار , مما جعلني - كمواطن مستقل لا ينتمي الى أي من هذه القوى والمكونات السياسية - في حيرة من أمر وتصرفات هذه القوى وتعاملها مع القضايا الوطنية الحساسة في ظل هذه الظروف الخطيرة التي يمر بها الوطن . وقفزت الى ذهني عدة تساؤلات حول مدى اعتزاز هذه القوى بهويتها الوطنية ؟؟ ومدى حرصها على مصلحة الوطن العليا والعمل من اجل تقدمه والحفاظ على امنه ووحدته واستقراره !! فإذا كانت هذه القوى مجتمعة قد عجزت خلال نصف شهر في العثور او التوافق على شخصية وطنية لرئاسة الحكومة تحظى بقبول جميع هذه القوى وتنطبق عليها المعايير التي توافقت عليها هذه القوى في اتفاق السلم والشراكة , فكيف يمكن ان تنجح هذه القوى في تشكيل حكومة شراكة وطنية وتعمل بروح الفريق الواحد لخدمة الوطن وابنائه ؟؟!! وهل خلت الساحة الوطنية من شخصية وطنية مستقلة يمكنها تحمل مسئولية رئاسة الحكومة والعمل بحيادية وجدية لخدمة الوطن ؟؟ ان المشكلة – من وجهة نظري - لا تكمن في صعوبة او استحالة عثور هذه القوى السياسية على الشخصية الوطنية المناسبة لرئاسة الحكومة , فاليمن غنية بالعديد من الكفاءات والشخصيات الوطنية النزيهة والمستقلة التي يمكنها القيام بهذا الدور بفاعلية في الوقت الراهن . لكن المشكلة الحقيقية تكمن في انعدام الثقة بين مختلف هذه القوى السياسية , وبشكل خاص بين قياداتها العليا , نتيجة تراكمات الماضي وبعض عوامل واسباب داخلية وخارجية لا يتسع المقام لذكرها . ولذلك لا يمكننا ان نتوقع في الوقت الراهن -على الاقل- حدوث أي توافق او انسجام بين مختلف هذه القوى تجاه أي من القضايا الوطنية في ظل حالة انعدام الثقة وتربص كل طرف بالآخر , وفي ظل المكايدات والصراعات السياسية والمهاترات الاعلامية بين بعض هذه القوى !! ومن هذا المنطلق اذا ما اردنا تجسيد اتفاقية السلم والشراكة وتطبيق مخرجات مؤتمر الحوار الوطني في الواقع العملي , وبالتالي الانتقال السلس والسهل نحو بناء وتعزيز الدولة المدنية الحديثة في وطننا الحبيب , فإن الخطوة الاولى والمهمة لتحقيق ذلك تتمثل في استعادة مختلف القوى السياسية على الساحة للثقة فيما بينها وتعزيز هويتها الوطنية وامتلاك قيادتها العليا - على الاقل- ثقافة العمل الجماعي , وثقافة الاختلاف والتعايش والقبول بالأخر , وان الوطن يتسع للجميع , وانه لا يمكن لطرف تجاهل او الغاء الطرف الاخر ودوره واهميته في خدمة الوطن . ولا شك ان هذه الخطوة المهمة والضرورية تعد الارضية الصلبة والبنية التحتية الاساسية والمطلوبة لتحقيق أي توافق بين مختلف هذه القوى السياسية وتنفيذ مخرجات أي اتفاقيات فيما بينها لمصلحة الوطن وابنائه , وعندما تتحقق هذه الخطوة فعليا بين مختلف القوي السياسية اليمنية فإنها بلا شك سوف تعثر على الشخصية الوطنية المناسبة لقيادة دفة الحكومة المقبلة وتختارها في دقائق وليس في ايام واسابيع !!! ختاما اتمنى من كل قيادات القوى السياسية اليمنية ان تجعل شعارها جميعا فى هذه اللحظات الحرجة (اليمن أولاُ ) وان تسموا فوق الخلافات والصغائر , وتنبذ الماضي بكل مساوئه وتفتح صفحة جديدة في تاريخ اليمن وتاريخها السياسي , عنوانها اليمن بلد الجميع ويتسع للجميع .وعليهم ان يدركوا جيدا انه لا مشروعية لأى طرف او حزب لا يرفع هذا الشعار ويؤمن به , ومن لا يعنيهم أن يكون اليمن أولاً هم ولاشك لا يعنون اليمن، ومن لا يوائمون توجهاتهم وفقاً لشعار اليمن أولاً ، لا يستحقون أن يحملوا هويته ، ومن الأجدى لهم أن يبحثوا عن هوية أخرى ، وحينها يصير أمرهم لا يعنينا . ======= *أستاذ التسويق المشارك / جامعة تعز [email protected]