بالرغم من توقيع مختلف القوى السياسية اليمنية على اتفاق السلم والشراكة منذ ايام عديدة , الا ان هذه القوى عجزت حتى اليوم عن ان تخطوا الخطوة الاولى في تنفيذ بنود هذا الاتفاق والمتعلق بتشكيل حكومة كفاءات , واعادة الامن والسكينة في العاصمة , نتيجة الخلافات الشديدة بين بعض هذه القوى والتباينات في الآراء والمواقف والاتجاهات بين قياداتها وممثليها حول العديد من القضايا المتعلقة بأمن واستقرار ومستقبل هذا الوطن . ولاشك ان معظم قيادات وممثلي هذه القوى السياسية اليمنية قد عاشت وتابعت – بشكل او بآخر - مناسك الحج الاكبر ووقوف الحجيج بعرفات هذا العام , لكنها وللأسف الشديد لم تعي او تستلهم المعاني السامية والدلالات العظيمة لهذه الشعيرة الهامة وتحاول الاستفادة منها وتجسيدها في الواقع العملي ,سواء في علاقاتها ببعضها البعض او في تعاملها وتعاطيها مع مختلف القضايا التي تهم الوطن وابناء الوطن في هذه المرحلة الحساسة والخطيرة من تأريخ وطننا الحبيب . لماذا لا تسمو الاحزاب والقوى السياسية في بلادنا فوق خلافاتها , وتتوحد رؤاها ومواقفها لخدمة وطنها , مستلهمة بذلك موقف حجاج بيت الله وهم يهتفون بدعاء التوحيد، ويتجهون لرب واحد، ويطوفون ببيت واحد، في مكان واحد ،ويقفون على جبل واحد، يلبسون ثيابا واحدة، أجسامهم متلاصقة، وقلوبهم متعانقة ،العربي والأعجمي، الأبيض والأسود، والغني والفقير، الكبير والصغير، القوي والضعيف، الكل صفا واحدا متلاصقا كأنهم بنيان مرصوص، يصلون في مكان واحد خلف إمام واحد، حيث لا فرقة ولا مذاهب ،ولا طائفية ولا حزبية هناك, الكل واحد، يسعى الجميع لخدمة الجميع . حيث تتجلى في الحج وحدة الأمة في أعظم صورها وأكمل معانيها، وحدة تشمل المصير والهدف، وحدة الوسيلة والغاية، وفيه تحقيق وتأكيد لقوله تعالى: «إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون». وفي الحج تظهر الأمة كالجسد الواحد كما شبهها الرسول صلى الله عليه وسلم. في قوله: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى». فالأمة مرتبطة ببعضها بعضا في ماضيها وحاضرها ومستقبلها، فإما ان ترقى أعلى الدرجات بوحدتها وتماسكها، وإما أن تهبط أسفل الدركات في تفرقها واختلافها، وقد دعانا القرآن لنجتمع صفا واحدا، ولا نتفرق. يقول تعالى: «واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها». فيا ايها الفرقاء والمتنازعين والمختلفين من قيادات وممثلي مختلف القوى السياسة في وطننا الحبيب :تعلموا من دروس الحج معنى الوحدة والتوافق والتواضع والالفة والمحبة والتسامح والتعايش والعمل الجماعي لتحقيق ما فيه مصلحة وخير وتقدم وامن واستقرار هذا الوطن , واتقوا الله فينا كمواطنين لانحلم ولا نريد منكم سوى تنفيذ ما توافقتم عليه سواء في اتفاقية السلم والشراكة او في مؤتمر الحوار الوطني , فقد سئمنا خلافاتكم ومكايداتكم وصراعاتكم , واعيتنا نتائجها وانهكتنا معيشيا وامنيا واجتماعيا , وبتنا نحلم ليل نهار ان نعيش واولادنا بوطن فيه دولة تحقق لنا امنا وعيشا كريما , دولة يسودها العدل والنظام والقانون والمواطنة المتساوية , ويختفى من كل اجهزتها ومرافقها الفساد والفاسدين , والامراض الادارية , دولة ديموقراطية تتنافس مختلف قواها واحزابها السياسية من اجل تحقيق ما فيه خير ومصلحة للوطن وكافة ابناء الوطن, لا من اجل تحقيق وخدمة مصالحها الحزبية واجنداتها السياسية . اللهم كما الفت بين قلوب ملايين الحجاج وجمعتهم في صعيد واحد وبلباس واحد وبهتاف واحد ألف بين قلوب اليمنيين ووحد كلمتهم وجمع شملهم واحقن دمائهم ووفقهم لما فيه خير ومصلحة وطنهم وأمتهم . إنك ولي ذلك والقادر عليه . وحسبنا الله ونعم الوكيل.