ما يجري في اليمن ليس صراعات سياسية يستند أطرافها إلى برامج وطنية واضحة المعالم والأهداف .. بل أن ما يجري في اليمن هو صراع مركب ومتشابك ومتداخل وحافل بالعقد والتعقيدات كحصيلة طبيعية افرزتها مخرجات وممارسات النظام السياسي الي ساد البلاد منذ العام 1967م وحتى اليوم وخاصة خلال الثلاثة العقود الاخيرة من عمر مسارنا الوطني وهي الفتة الزمنية التي وجدت فيه ونمت وترعرعت مراكز القوى النافذة بكل مسمياتها الوجاهية والاجتماعية والسياسية والعسكرية والقبلية والاقتصادية , وتداخلت في هذا المراكز العلاقة السياسية بالاقتصادية بالقبلية والمشائخية .. بيد إنه ومع بروز تداعيات ما يسمى ب" الربيع العربي " أوائل العام 2011م وجدت اليمن الارض بجغرافيتها والإنسان وتطلعاته والنخب بقناعتها كل هؤلاء وجدوا أنفسهم أمام استحقاقات مؤلمة وخيارات صعبة في غياب الرؤى الوطنية والمشروع الوطني الجمعي وأمام عجز كلي سياسي ونخبوي واجتماعي , في ذات الوقت الذي برزت فيه محاور خارجية إقليمية ودولية ولكل محور اجندته الخاصة في اليمن بذات القدر الذي تباينت فيه ايضا روى وأهداف ومسارات النخب اليمنية النافذة ومراكز القوى النشطة المسيطرة على القرار اليمني والمتحكمة بمفاصله وتداعياته ..هذا القدر من التباين في خيارات الفاعلين على الساحة المحلية الذين تعددت رؤيتهم لبعضهم أولا , ولخارطة اليمن ,ثانيا , ولأطياف المستقبل اليمني القادم وكيفية تشكيلها وبأيا من ألوان الطيف السياسي والاجتماعي والجغرافي سيتشكل هذا القادم اليمني ..؟ جرى ويجري كل هذا في ظل حالة من الانهيارات البنيوية في الفكر السياسي والعلاقة الاجتماعية اليمنية وكذا انهيار شبه كلي لكل اجهزة الدولة السيادية والخدمية وإفلاس شبه كلي للخزانة العامة للدولة وازمة اقتصادية طاحنة وفقر وبطالة وانفلات أمني وفشل عسكري وعصبيات قبلية مسلحة بتجنحاتها التي اتخذت مسارات ثأرية فيما بينها نموذج " القاعدة" وتحالفاتها القبلية والعسكرية والامنية والسياسية والاقتصادية و" أنصار الله " وتحالفاتهم القبلية والعسكرية والأمنية والسياسية ..إلى جانب كل هؤلاء هناك " الحراك الجنوبي " واجندته , وحراك تهامة واجندته وحراك المنطقة الوسطى واجندته , فإذا اضفنا لكل هذه التحديات والعوائق والأزمات الكفيلة بنسف كل مقومات الوجود الوطني بكل قدراته ومقوماته , ومع كل هذه الصعوبات نقف ايضا أمام صعوبات أشد خطرا من خلال المطالب التعجيزية التي يرفعها ويطرحها كل طرف وكأن اللحظة تطلق على نفسها " لحظة الانتقام والثأر من الوطن الارض والإنسان والقدرات والوجود" ؟ كل هذه الملفات وضعت أمام رئيس الجمهورية منذ اللحظة الأولى لتوليه المهمة التي ما كان ليقبلها قطعيا لو لم يكون على ثقة بشعبه وأن هناك اغلبية وطنية صامته لم تعتاد على طرق الساحات وخيم الاعتصامات وهي اغلبية كبيرة وعليها راهن الرئيس عبد ربه حين قبل مهمة لا اضن مطلقا أن ثمة رئيس كان يمكن أن يقبلها ولم يسبق لرئيس حكم اليمن ومنذ العصور الغابرة أن دخل لدار الحكم واليمن بهذه الحالة من التمزق والانهيار القيمي والسلوكي والافلاس وتفكك كل مؤسسات الدولة وانشطارات تعصف بالبنية الاجتماعية وبالنسيج المجتمعي بصورة مرعبة وغير مسبوقة ..؟ إذا الرئيس عبد ربه منصور هادي لم يكون يوما عاشقا للسلطة والحكم .. ولم يكون طامعا في مغانم سلطة في بلد لم يترك له اسلافه حتى مشاعر حب الوطن في وجدان وذاكرة الشعب ؟ نعم لقد وصل الرئيس عبد ربه والوجدان الشعبي في غالبيته قد جير ولائه الوطني لصالح العصبوية القبلية والجهوية والحزبية والمناطقية والطائفية والمذهبية , ولم يعد ثمة ما يمكن الحديث عنه في الهوية الوطنية والولاء الوطني الا ما ندر ولدى الغالبية الصامتة التي تقف متأملة بحزن وحسرة ما آلت إليه أحوال وبهذه الطريقة الدرامية المثيرة بل والمفجعة .. اليوم يقول الرئيس عبد ربه ( هناك قوى لا تريد لليمن أن يستقر , ولا بد من استنهاض المسئولية الوطنية , وكذا لا بد أن نعتبر مما يجري في سورية والعراق وليبيا والصومال , محذرا من الانزلاق للفوضى ويؤكد إننا ما زلنا نسحب المتارس حتى اليوم ) ..!! لماذا يقول الرئيس هذا لا دراكه بحقيقة الادوار القذرة التي تمارسها قوى النفوذ المصلحية في الداخل والمنفذة لأجندات محورية خارجية متعددة النطاقات ..؟ إذا هل كان الرئيس يجهل هذا حين قبل تحمل المسئولية ؟ قطعا لا لم يكون يجهل هذا بل كان مدركا لكثير من الحقائق المرعبة التي نجهلها نحن العامة والمتصلة بأمن واستقرار اليمن ..إذا من يقف وراء حملة تشويه فخامة الرئيس ومحاولة تقزيم دوره والانتقاص من مكانته ورمزيته ؟ الجواب ببساطة أن من يقوم بهذا ويقوم بكل المنغصات , هم أنفسهم الذين انتجوا هذا الواقع وأدواته من مراكز القوى والنفوذ الطفيلة وليست التقليدية فثمة مراكز قوى تقليدية نافذة تتمثل في قوى الاقطاع المتعدد المناحي , لكن في بلادنا هناك مراكز قوى " طفيلية" لا يمكن ان مقارنتها بقوى الاقطاع التقليدي المتعارف عليه في الادبيات السياسية .. يتبع [email protected]