وضعنا أشبه ما يكون بعصيدٍ في كوزٍ... مثل شعبي يُقال كلما شعر المرء بانسداد الأفق أمام أي حل لمشكلة صعبة ومعقدة تواجهه، السؤال هنا: عصيدة من هذه التي احترنا في اخراجها من الكوز الواقعة فيه ما لم نقم بكسر هذا الكوز طالما تجمدت فيه هذه العصيدة كونها لم تكن عصيد اللحظة وإنما عصيد أكثر من 3 عقود من الزمن؟. بالتأكيد هي عصيدة الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي يضحك اليوم بملئ شدقيه، سيما عند اللحظة التي يرى فيها الرئيس هادي ومن حوله شعبه وهم يحومون حول كوز عصيدته؛ بحثاً عن وسيلة تمكنهم من النفاذ إلى باطن هذا الكوز الذي يرمز للوطن دون كسره او تحطيمه. حتى الرئيس السابق صاحب فكرة تجميع عصيدة هذا الوطن في كوز على امتداد ثلث قرن من حكمه يصعب عليه هو الآخر إخراج عصيدته من هذا الكوز دون كسره أو تحطيمه! لقد أفلح في إدخال ومراكمة كل ما عصده خلال فترة حكمه في هذا الكوز في وقت كان يدرك عنده تمام الإدراك صعوبة حلحلة هذا الركام سواء من خلاله أو من خلال غيره ما لم يتعرض هذا الوعاء للتحطيم. كلنا يعرف طبيعة الوضع والمناخ الذي تسلم فيه علي صالح مقاليد الحكم في هذا البلد... كل المظاهر والظواهر المعيقة لأي نظام سياسي وللحياة بشكل عام لم تكن لها وجود لحظة تربع هذا الحاكم في كرسي الحكم عام 1978م. لقد تسلم جيش عقيدته لله وللوطن، وتسلم وزارات لم يكن الفساد في مفاصلها ودهاليزها له محل من الإعراب، وتسلم مؤسسة تعليمية لم يكن الغش والتزوير وبيع الشهادات قد تسرب إليها أو عشش فيها، وتسلم سفارات لم يطلها أي شيخ نافذ أو دخيل على هذا السلك الدبلوماسي المفترض به أن لا تشوبه أية شوائب أو أدران بشرية، وتسلم مجتمع متطلع إلى حياة حرة وكريمة كانت له بصمات في الداخل وفي الخارج سواء من خلال الاغتراب او من خلال البعثات التعليمية إلى الجامعات العربية والأجنبية. لقد تربع صالح على عرشٍ حَكَم من خلاله شعب لم يكن يومها يعرف الإرهاب أو يؤمن بالعصبيات أو بالنعرات الطائفية والمذهبية لقد رأى المواطن خلال ثلث قرن من حكم صالح العجب العجاب حين واكب كثير من المظاهر الغريبة عليه، وكثير من الظواهر التي برزت وسطعت خلال تلك الحقبة. كل القوى المتصارعة اليوم في الساحة هي إما من صنع نظام صالح أو ممن وجدت في نظامه مرتعاً خصباً لنموها وتفرعها، ففي عهده أينعت شجرة الاخوان وشجرة السلفيين وشجرة المشيخ المتسلط وشجرة مراكز القوى المتطفلة على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ممن أهلكت الحرث والنسل وحوّلت نهار هذا الوطن إلى ليلٍ، وفي عهده عرفنا ظاهرة الحراك؛ جراء الظلم والإجحاف الذي لحق بأهلنا في الجنوب، وعرفنا ظاهرة الحوثيين؛ جراء حروب عبثية شُنت عليهم وفي عهده أيضا عرفنا ظاهرة القاعدة التي تمددت في أكثر من مساحة من جغرافية الوطن. اليوم الكل امام معضلة يصعب معالجتها أو التخلص تدريجيا من أثارها ما لم تتضافر كل جهود القوى المتصارعة في الساحة وما لم يشمر المكون السكاني الواقع خارج إطار الأحزاب والجماعات المسلحة عن ساعديه لتحمل مسئوليته الوطنية والتاريخية في ظرف كهذا هو من أعقد الظروف ومن أشدها وطأة على الوطن وقاطنيه. لقد لخص الرئيس هادي مشكلته إزاء الوضع الذي يمر به الوطن وإزاء عجزه عن معالجة كثير من المشكلات والمعضلات الطافية على سطح الحياة السياسية وعلى سطح الحياة الاجتماعية بشكل عام بقوله: لقد تسلمنا من الرئيس السابق علم الدولة ولم نتسلم دولة بمعناها الحقيقي المتعارف عليه بين الدول وشعوب المعمورة. ما أزيده على توصيف الرئيس هادي لحقيقة وضعه وحقيقة ما يواجهه من صعوبات هو أنه تسلم من سلفه كوز العصيد الذي اتحدث عنه في مقالي هذا... هذا الكوز الذي احتار الرئيس هادي في أمره! فإذا ما أبقاه في وضعه الحالي دون محاولة حلحلته وإخراج ما فيه بقيت مشكلات الوطن ومعضلاته على ما هي عليه، وإن حاول كسره؛ بغية التخلص مما فيه صعب عليه ترميمه أو إعادته إلى وضعه الذي كان عليه، إنه الوطن الذي لا يرمم إذا ما تحطم. ما نحتاجه هو لمعجزة تدلنا على كيفية التعامل مع كوز العصيد الذي ورّثه صالح لخلفه هادي، فهل من عبقري يدلنا على هذه الوسيلة التي نتخلص فيها من هذه العصيدة دون المساس بالوطن ودون المساس بقاطنيه. [email protected]