يشعر كثير من اليمنيين بخيبة أمل وانتكاسة مرة تلقونها بغتةً وهم في ذروة التفاخر والزهو بمن كانوا يعتقدونهم نخبة المجتمع وقادته، وأسقطت الأيام أقنعتهم الزائفة وتبين أنهم دعاة حرب وحملة نوازع طائفية وسلالية ومذهبية. ومن كانوا ينادون بالحرية تحولوا إلى بنادق تقف أمام الزنازن، ومن طالبوا بضمانات دستورية تكفل الحقوق والحريات هم من ينظرون لمسيرات القمع المسلح. وكأن النزاهة مسألة وقت لا أكثر، والخيانة للضمير والمجتمع هي الجلد الخفي لذلك المثقف المخاتل والأديب المائع والسياسي المتاجر بالقضايا.. وحسبنا من هذا الربيع أنه أسقط الاقنعة المزيفة، وأظهر الوجوه على حقيقتها.. ظهرت وجوه قوية كالحق، وناصعة كالضحى، واعتمت وجوه كانت تغطيها قشور أنيقة وألوان مبهرجة ساحرة. يشعر الناس بهول الصدمة من أولئك الكائنات الهرمة الصدئة التي تضامنوا معها ووقفوا بأبواب الزنازن والمعتقلات والمحاكم دفاعاً عنهم.. مشوا عشرات الكيلومترات يقودون مظاهرات احتجاجية.. وحين غادر المقموعون سجونهم خرج كثير منهم بنفسيات متعالية، كل منهم يرى في مرآته غاندي ومانديلا ومارتن لوثر.. لم تمنحهم ذواتهم المتورمة فرصة لأن يقولوا للناس شكراً !! دارت الأيام وارتدى الضحية ثوب الجلاد واستعار وجه القاتل وأفرغ كل ما في جوفه من خبث وحقد، على المجتمع وفي مقدمته من كانوا إلى وقتٍ قريب يتضامنون معه.. لا لشيء إنما لأن طبائع السوء التي نشأ عليها لن تفارقه.. لا نخبة اليوم ولا أقنعة فاليمن قوي صامد بكل أبنائه، والمتساقطون في طريق البناء والحرية لن يحرقوا غير أنفسهم، وسيتركوا خلفهم العار لمن سيخلفهم. نكسات الثورات في التاريخ الانساني كثيرة، لكنها لم تكن أكثر من موجة غبار، لا تؤثر في مسار الحقيقة.. والحقيقة هنا هي أن الشعب الذي عرف طريق الحرية لا يمكنه العودة إلى عهد الظلمات، ذلك أن للحرية ثمناً قد دفعه، وللعبودية ثمن قد دفعه أيضاً.. لكن ثمن العبودية كان الأكثر قسوة وألماً، لأن المستبد لا يرتضي لغيره كسرة من كرامة أو قيمة من مكانة. لقد انعتق شعب اليمن العظيم مرتين، مرة من الظلمات والطغيان في سبتمبر 1962 ومرة من الاستبداد والاستئار بالسلطة والثروة في فبراير 2011 ولا يمكن لأيٍ كان أن يعيده إلى عهد الذل والقيد والقدم. [email protected] "الجمهورية"