القراءات والتحليلات الواردة أدناه انجزت بالاعتماد على تقنيات الذكاء الاصطناعي، بهدف تقديم مقاربات متعددة، لنص "الخطوبة" للكاتب والبرلماني اليمني أحمد سيف حاشد، والمنشور في كتابه "فضاء لا يتسع لطائر". وقد سعت هذه القراءات إلى تفكيك المستويات الاجتماعية والنفسية والثقافية داخل النص، ورصد ما يعكسه من بنى ومعانٍ ودلالات، مع الحفاظ على منهجية تحليلية محايدة تستند إلى محتوى النص وسياقاته. قراءة سوسيولوجية يعد نص "خطوبة" للكاتب والبرلماني اليمني أحمد سيف حاشد،مرآة اجتماعية تكشف البنى العميقة التي تحكم تشكيل العلاقات الزوجية في المجتمع اليمني، وكيف تتداخل السلطة الأسرية والتوقعات الثقافية والهواجس الطبقية والاقتصادية لتولّد حالة من التوتر والقلق والانتظار الطويل. الزواج كمؤسسة اجتماعية يظهر الزواج هنا ليس فقط فعلاً عاطفياً بين شخصين، بل هو مؤسسة اجتماعية تخضع لقواعد صارمة: العائلة تسأل وتتحرى وتقيّم، والمجتمع المحلي يتدخل كوسيط في تحديد السمعة، و"الموافقات" تمر عبر شبكات القرابة ("عمّي الحربي"، "معاريفهم ومعاريفنا"). وهذه البنية تكشف سيطرة الجماعة على القرار الفردي، وهو ما يجعل "الانتظار" ليس انتظار فتاة، بل انتظار قبول المجتمع. وهذا ما يفسّر حجم القلق عند الكاتب، فهو يدرك أن نجاح الزواج لا يتوقف على رغبته هو والفتاة، بل على شبكة معقدة من العلاقات الاجتماعية. السلطة النسائية داخل الأسرة في النص حضور قوي للأم، وهي شخصية ذات سلطة ونفوذ تقرر وتفرض وتراجع. وهذا يعكس نموذجاً شائعاً في الأسر اليمنية: الأم هي الضامن الاجتماعي لاستمرارية الأسرة، وفي الاغلب تمتلك السلطة على اختيار الزوج أو رفضه، وتمارس "الضبط الاجتماعي" على الابنة عند التمرد، غير أن هذه السلطة ليست قمعية تماماً، بل ممزوجة بما يسميه علماء الاجتماع "السلطة الحانية"؛ سلطة تمتلك الشرعية لأنها تحمي، وإن كانت تفرض، لأن الأب غائب (متوفى) وهو ما عزّز هذا الدور بتفوّق الأم على الجميع. مقاومة اجتماعية داخل حدود العائلة الفتاة تُظهر شكلاً من أشكال الاحتجاج الاجتماعي ضد الزواج القسري: ترفض الخطّاب المتقدمين، وتفسد العلاقات المفروضة عليها، وتدفع الأمور إلى الفشل. إنها لا تمتلك القوة لتغيير النظام الاجتماعي، لكنها تمتلك قدرة لنسف النتائج. وهنا نرى ما يسميه بيير بورديو "العنف الرمزي المضاد": مقاومة صامتة، ناعمة، لكنها فعّالة، غير أنها لا تتمرّد على النظام كله، بل فقط على الخيارات المفروضة، وقبولها ب"حاشد" هنا يشير إلى إعادة امتلاك السلطة على الجسد والمصير. القلق كنتاج اجتماعي الكاتب في يعيش حالة قلق اجتماعي أكثر منه قلقاً عاطفياً: الخوف من الفشل في الزواج، والخوف من أن يكون "مثل الآخرين الذين مروا من هنا"، والخوف من "الهزائم العاطفية المتراكمة". هذا القلق يعكس الضغط الاجتماعي على الرجل اليمني بأن يكون: ناجحاً، مقبول اجتماعياً، وقادراً على تقديم بيت (ولو متواضعاً)، و"فارس أحلام" في الوقت نفسه. والقلق هنا ليس حالة نفسية فقط، بل ناتج اجتماعي لمعايير ثقافية صارمة. الطبقبة والاقتصاد حين يعرض حاشد في النص البيت للمعاينة، يصبح البيت: رمزاً للمكانة الاجتماعية، ومعياراً لجدارة الرجل، ومؤشراً على استقراره الاقتصادي، ووأم الفتاة تتعامل معه وفق تقييم واقعي: "درجة مقبول" والمهم هنا أن الزواج لا يُبنى على الحب وحده، بل على مقدار الكفاءة الاقتصادية، بغض النظر عن تواضعها. وحاشد هنا؛ يعرف أنه لا يملك كثيراً من رأس المال الاقتصادي، لكنه يملك ما يسميه بورديو "رأس المال الأخلاقي": الصدق، الاجتهاد، والرغبة الجادة، وتاريخ اجتماعي نظيف. وهذا ما يجعله مقبولاً. الحب كخلاص اجتماعي يتعامل النص مع الحب باعتباره خلاصاً من الفشل المتكرر، وخروجاً من دوامة الهزائم العاطفية، وإعادة تشكيل للذات. يرى حاشد في الفتاة "نصف وجوده"، والفتاة ترى فيه "منقذاً" من الزواج المفروض. والحب هنا؛ ليس عاطفة رومانسية فقط، بل فعل مقاومة ضد نمط اجتماعي من الزيجات القسرية أو التقليدية. طقوس الخطوبة حفلة الخطوبة المتواضعة تعكس ثقافة اجتماعية واسعة: الاحتفال ليس معياراً للالتزام، والبساطة جزء من نمط حياة طبقة متوسطة/فقيرة، وان الجمال في القرب والعفوية وليس في المظاهر. لكنها تعكس أيضاً أن التوتر الاجتماعي أكبر من الفرح: الوقت يمر بسرعة، والقلق يتسلل حتى في لحظات السعادة، والحرمان العاطفي الطويل يجعل الفرح هشاً. الأغنية كخطاب رمزي إهداء أغنية "مش هتنازل عنك" ليس فعلاً عاطفياً فقط، بل: إعلان مقاومة، تحدّي للظروف الاجتماعية، وتمسك بالعلاقة ضد الماضي والهزائم والسلطة الاجتماعية. وبين الرجل والمرأة، وبين المجتمع والفرد، تصبح الأغنية رمزاً للصمود. تكثيف سوسيولوجي يكشف النص أن الزواج في المجتمع اليمني: ليس قراراً فردياً بل قراراً اجتماعياً، تحكمه سلطة الأسرة وتقاليد الاختبار والتحري، والمرأة تُمارس عليها السلطة لكنها تمتلك هامش مقاومة. أما الرجل محاصر بمعايير النجاح الاجتماعي، والطبقة الاجتماعية والسكن والسمعة تتحكم في المصير العاطفي. ما يحول الحب إلى وسيلة مقاومة وصراع من أجل امتلاك المصير. يكشف حاشد من خلال النص؛ عمق البنى الاجتماعية التي تتحكم في تفاصيل الحياة الخاصة، وكيف يحاول الأفراد –رغم كل القيود– أن ينتصروا لحبّهم ورغباتهم الإنسانية. قراءة سيكولوجية هذه القراءة لنص "الخطوبة" ل"أحمد سيف حاشد"، تحلل ما يعكسه النص عن دوافع الكاتب النفسية، ومخاوفه، اضافة إلى طريقة تفكيره، وعلاقته بالعالم من حوله. القلق والانتظار من خلال النص يبدو الكاتب وهو يعاني توترًا نفسيًا واضحًا بسبب الانتظار: الانتظار يمثل عبئًا شديدًا على الروح والجسد "صار قلق الانتظار يجهدني ويستنزف روحي المتعبة". القلق ليس مجرد خوف من النتيجة، بل خوف من عدم القدرة على السيطرة على مصيره. يظهر هنا ما يسميه علم النفس القلق الوجودي: خوف من الفشل، من الهزيمة، ومن ضياع العمر دون تحقيق الرغبات. وهذا القلق ينبع من تراكم التجارب السابقة للفشل العاطفي والخطوبات السابقة التي لم تكتمل. هوس السيطرة والتحكم يظهر حاشد في النص حاجة قوية للسيطرة على مصيره العاطفي: يصر على أن يتمسك بالفتاة "بيداي وأسناني وكل جوارحي". يرى حاشد الحب وكأنه معركة شخصية: مقاومة للهزيمة والفشل المتكرر، لديه ميل للسيطرة على المشاعر والأحداث بما يضمن عدم تكرار الخيبة. وهذا يعكس ميولًا للسيطرة النفسية والتحكم في البيئة العاطفية، نتيجة لتجارب الفشل السابقة. حساسية عاطفية الكاتب يظهر حساسية عالية تجاه التفاصيل والمشاعر: يصف البيت، التجهيزات، ردود فعل الفتاة، وحتى بساطة الاحتفال بتفصيل دقيق، فقد أظهر النص تمثيل لمشاعر حاشد الداخلية وتأثير الأحداث الصغيرة على روحه. وهذا يشير إلى شخصية دقيقة الملاحظة، تميل إلى الانغماس النفسي العميق في أحداث الحياة. النزعة المثالية والرومانسية من بين ثنايا سطور النص يظهر أن لدى حاشد تصور مثالي عن الحب والزواج: يرى في الفتاة "نصف وجوده" و"شريكة حياته حتى آخر العمر". والحب عنده ليس مجرد شعور، بل هدف وجودي يعطي معنى لحياته. والميل للمثالية يظهر أيضاً في اهتمامه بالتفاصيل الصغيرة: الدبلة، الاحتفال، الأغنية. وهذا يوضح ميلًا للنزعة الرومانسية المثالية، وربما هشاشة نفسية إذا لم تتحقق هذه الصورة المثالية. التناقض بين القوة والهشاشة يظهر الكاتب قوة في التمسك بالعلاقة والصمود أمام التحديات: "سأعض على هذا النصيب بالنواجذ". لكنه في الوقت نفسه يعاني من القلق والهواجس والخوف من الفشل. وهذا التناقض يكشف صراع داخلي بين الرغبة في السيطرة والخوف من الخسارة، وهو سمة شائعة في الشخصيات الحساسة عاطفيًا. الأمل كآلية دفاع نفسي يعتمد حاشد على الأمل والقدرة على التفاؤل كوسيلة لمواجهة مخاوفه: يعلق نفسه على فكرة الصدفة والقدر: "كانت الصدفة جامعة لنا". ويرى النجاح في الزواج كانتصار نفسي على خيبات الماضي. والأمل هنا؛ يعكس آلية دفاعية للتخفيف من الشعور بالعجز والخوف. خلاصة سيكولوجية تتميز شخصية أحمد سيف حاشد تتميز بحساسية عالية وملاحظة دقيقة للتفاصيل، وقلق وجودي مستمر بسبب تجارب الفشل السابقة، ورغبة قوية في السيطرة والتحكم في مصيره العاطفي. وميل للمثالية والرومانسية العاطفية الشديدة، وصراع داخلي بين القوة والهشاشة النفسية، يعتمد على الأمل والقدر كآليات للتغلب على الخوف. وبعبارة أخرى، تبدو شخصية أحمد سيف حاشد رومانسية، واعية اجتماعيًا، لكنها تواجه صراعًا نفسيًا داخليًا بين السيطرة والخوف من الهزيمة، مما يجعل تجربته مع الحب تجربة نفسية مركّبة وعميقة. قراءة فلكلورية للنص هذه القراءة لنص "الخطوبة" ل"أحمد سيف حاشد"، تمثل تحليل للنص من منظور التقاليد الشعبية، العادات الاجتماعية، والرموز الثقافية المرتبطة بالمجتمع اليمني. مراسيم الخطوبة والزواج في النص، تظهر الخطوبة كطقس اجتماعي تقليدي يضم عناصر متعارف عليها في المجتمع اليمني: طلب الموافقة من الأهل قبل أي خطوة رسمية، وهو يعكس احترام التقاليد وعلاقات القرابة. المعاينة الميدانية للبيت كجزء من تقييم الجدارة الزوجية للرجل، وهو رمز شائع في الثقافة الشعبية اليمنية لقياس الاستقرار والقدرة على توفير حياة كريمة. ويمثل الاحتفال البسيط مع أفراد الأسرة والأقارب، الطقوس المحلية التقليدية التي تركز على المشاركة الاجتماعية وليس على البذخ أو المظاهر الفاخرة. وهذه الممارسات تعكس حسّ وقيم المجتمع التقليدي في تقدير العلاقات الزوجية، حيث الفرد جزء من شبكة أوسع من الروابط العائلية والمجتمعية. رمز القوة النسائية شخصية الأم في النص ليست مجرد شخصية فردية، بل رمز فلكلوري للسلطة النسائية داخل الأسرة: تتحكم في القرار النهائي للزواج. تُمارس ضغوطاً وتفرض إرادتها على الابنة، لكنها في الوقت نفسه تُظهر الرحمة والحكمة. وهذا يمثل نموذج الأم القوية في الفلكلور اليمني، التي تمثل الحماية والتوجيه، وتضمن استقرار الأسرة عبر السيطرة على القرارات المصيرية. قيم فلكلورية معاناة الكاتب من الانتظار الطويل والقلق الناتج عن طلب الموافقة، هو عنصر متكرر في القصص الشعبية: الصبر الطويل يُعتبر فضيلة، والنجاح في الزواج مرتبط بالتحمل والمثابرة. يكرس النص فكرة أن الحب الحقيقي يحتاج إلى اختبارات قبل اكتماله، تماماً كما في الحكايات الشعبية حيث البطل يمر بمحطات صعبة قبل الوصول إلى الشريكة. الحب والفارسية الشعبية الكاتب/الراوي ينظر إلى نفسه وكأنه فارس شعبي يحارب الصعاب ليحقق نصيبه. والحب هنا يصبح رحلة بطولية رمزية، حيث الفتى يتجاوز العقبات الاجتماعية ليحقق نصيب القلب. وهذا يعكس عناصر الرواية الفلكلورية للبطولة والعشق في المجتمع التقليدي. الرموز المادية البيت المتواضع وطقوس الخطوبة البسيطة: "دبّلتي الخطوبة"، "شرب السنكويك"، "الاحتفال بجلسة قصيرة"، ترمز إلى التواضع وقيم المجتمع، حيث الرموز المادية ليست مقياسًا للسعادة، بل الروابط الاجتماعية والأسرة والشرف. وهذه الرمزية تعكس اعتقادًا فلكلوريًا بأن السعادة الزوجية تتعلق بالقلب والنية وليس بالبذخ. الصدفة والقدر فكرة أن "الصدفة كانت جامعة لنا" أو أن الأقدار كتبت أن يجتمعوا تمثل عنصر الفلكلور الشعبي في اليمن: الإيمان بالقضاء والقدر، تصوّر الحب كمقدّر لا يمكن تغييره بالجهد الفردي فقط. خلاصة فلكلورية من منظور فلكلوري، نص "الخطوبة" يقدم تمثيلاً حيًا للعادات والتقاليد اليمنية: الزواج كمراسم اجتماعية تقليدية تحكمها الأسرة والمجتمع، والصبر والمثابرة والوفاء كقيم عليا، الأم رمز القوة والحكمة داخل الأسرة، والحب رحلة بطولية شبيهة بالحكايات الشعبية، فيها اختبار للعزيمة قبل بلوغ النصيب. الرموز المادية البسيطة (بيت متواضع، احتفال محدود) تؤكد على القيم الاجتماعية والفلكلورية أكثر من المظاهر. والإيمان بالقدر والصدفة كعنصر أسطوري يوجه مسار العلاقات. والنص بهذا الشكل يجمع بين التجربة الشخصية والرواية الشعبية التقليدية، ليقدّم رؤية اجتماعية وفلكلورية في آن واحد. نص "الخطوبة" أحمد سيف حاشد طلبت أم الفتاة مهلة من أجل السؤال عنّي، وهو ما كان يعني بالنسبة لي مزيداً من الانتظار والأرق الذي لا أعلم كم سيستمر.. صرت لا أحتمل كثيراً من الانتظار دون جواب، أو جواب يستغرق كثيراً من الوقت للوصول إليه.. بات قلق الانتظار يجهدني ويستنزف روحي المتعبة الباحثة عن توأمها في مدارات الصدف، وبقاياي لم تعد قادرة على الصمود تحت رحى ودوران الانتظار الثقيل. لم أعد أطيق خيبات أخرى وقد امتلأتُ بها فيما مضى من الوقت.. كاهلي مثقل بالهزائم ولم يعد بمقدور الحيل المهدود تحمّل هزيمة أُخرى أو دونها.. لا يوجد في العمر بقية تسعفني لتجارب أخرى من الحصاد المر، والفشل الذريع والمتوالي في حب لا يثمر ولا يزهر إلا صبّار وحنظلاً.. صرتُ وكأنني أعيش الوقت الضائع، وبقية من فرصة أخيرة تختتم نزيف الروح. بعد توجس وانتظار حالفني الحظ هذه المرة، ولم يستغرق أهل الفتاة في البحث عمّا يسألون عنه غير أيام قليلة، كون إقامتي السابقة عند عمّي فريد الذي يقيم في شارع مجاور ومكان قريب، وكذا عمّي الحربي الكائن منزله في مكان غير بعيد، ووجود عدد غير قليل من معاريفنا ومعاريفهم المحيطين بنا، قد ساعدهم في الحصول على ما يريدون بيسر وسهولة. كنتُ أنا أيضاً بالموازاة أبحث لأعرف وأستوثق وأطمئن أكثر عن الفتاة التي صادت فؤادي بعد بحث وإعياء، وأريدها أن تكون شريكة حياتي حتّى آخر العمر.. لحسن الحظ كل الإجابات جاءت بما يسر ولصالح كلينا. أراد أهل الفتاة معاينة بيت الزوجية ليطمئنوا على مدى صلاحيتها؛ فكان لهم ذلك، البيت كانت عبارة عن بيت شعبي أرضي متواضع للغاية ينطبق عليه مقولة "دبر حالك".. شكلها أشبه بزقاق أو ممشى طولي تم تقطيعه.. غرفة تليها ثانية، بسقف خشبي رفيع وخفيف يعلوه زنك، وتلي الغرفتين "دارة" غير مسقوفة، ثم يليهما مطبخ وحمام.. كنت يومها أعيش في هذه البيت أنا وخالتي سعيدة أم أخي علي، وأطفال أخي منصور وندى. وكانت نتيجة ما حصلتُ عليه كما بدت لي في خلاصتها درجة مقبول.. شعرت أن هذه النتيجة تشبه تلك النتيجة التي حصلت عليها في أحد امتحانات مادة اللغة الإنجليزية في الجامعة، ستة وعشرين درجة من خمسين درجة.. نجاح كما يقولون بالحظ والعافية، غير أن هناك أمراً آخر غير البيت بات يؤرقني، أو هو ما صرتُ أخشاه. الحقيقة لم أكن المتقدم الأول لطلب يد تلك الفتاة، بل سبقني إليها عدد من المتقدمين بعضهم شاور ولم يصل إلى مرحلة الخطوبة، وبعضهم وصل إلى الخطوبة، ولكنها لم تستمر، وأحدهم وصل إلى مرحلة العقد، ولم يصل إلى الزفاف، ولم تستغرق أطول تلك المراحل والفترات إلى أكثر من بضعة أشهر. كانت الفتاة ترفض، فتستجيب الأم لرفضها، وعندما تكرر الأمر تدخلت سلطة الأم القوية، وباتت الفتاة تُرغم على الموافقة، وكان تمردها ومعاملتها لمن تم فرضهم عليها سبباً آل إلى الفشل.. هذا وغيره كنت قد عرفته مسبقا من خلال رفيقتي أم شريف. كانت أم الفتاة ذات شخصية قوية ومهابة، وفي نفس الوقت لا تخلو من طيبة.. كانت تملك سلطة قوية ونافذة في بيتها على جميع أفراد الأسرة، بما فيهم زوجها الطيب الذي تُّوفيَّ حسب ما عرفت قبل سنين من مجيئي إليها.. كدت أكون أنا أيضاً واحداً منهم لاسيما في فترة الخطوبة والعقد إلى يوم الزفاف.. كانت هي صاحبة الكلمة النافذة في البيت، بما فيها حتى تلك التي تخرج منها تعاطفاً أو تبدو استجابة لرغبة المعني الأول في الشأن وهي الفتاة بعد تصويب ومراجعة. الأم تفرض كلمتها على ابنتها في قبول الخطوبة أو العقد، فيما الفتاة تتمرد وتلعب دور تأزيم العلاقة وإفسادها وإيصال الأمور إلى طريقها المسدود.. كانت تُضرب وتُرغم على القبول، ثم تعاني وتتمرد وتفسد ما تم، وتُفشل مخرجات هذا الإرغام.. ثم تراجع الأم موقفها وتتخذ قرار التراجع الأخير الذي ظل هو الآخر بيدها. كنتُ المتقدم الوحيد الذي حصلتُ ابتداء على موافقة ورغبة الفتاة في أن أكون شريكاً لحياتها أو تكون هي شريكة لحياتي بملء إرادتها واختيارها.. ربما كان هذا هو الفارق مع من سبقوني إليها.. ربما بدوت هنا بالنسبة لها فارس أحلامها، وربما أيضاً المُنقذ لها من إخفاق وإرغام تكرر، فيما كانت هي حلمي الكبير وآمادي القصيّة، ونصف وجودي الذي أعياني البحث عنه. أختها الصغرى هي من قالت لي: "أنت أول شخص توافق عليه من غير ضغط.. كانت مبسوطة بمقدمك ومتحمسة للخطبة والزواج.. كانت طائرة من الفرح.. وكنتُ مستغربة سبب فرحتها بك، وكأنها كانت على علاقة بك.. مستغربة لأني كنت أراك شخصاً ريفياً، فيما كانت هي قبل أن تأتي إليها تتخيل فارس أحلامها بقصة شعر موضة، ولبس آخر موديل.." لقد عاش كل منّا تجربته الخاصة بمعزل عن الآخر، وعانى كل منّا الكثير من الفشل وعناء البحث، فيما القدر كان يخطط من وراءنا بصمت أن نكون لبعض، وكانت الصدفة جامعة لنا، وقررت أقدارنا أن نجتمع إلى آخر العمر. خطبتها رسمياً بحفلة متواضعة جداً.. لم يتعد الحضور غير بعض من أسرتها وأم شريف وابن عمي عبده فريد، ولم يتعد الاحتفال شرب البرتقال "السنكويك" ، وجلوسنا جوار بعض، والتصوير، ولبس دبلتَّي الخطوبة.. كل هذا حدث في وقت ربما لا يتجاوز الساعة.. مرق الوقت كلمح البصر.. كشهقة عاشق في ذروة الحنين.. أسيف على لحظة تلاشت بسرعة وقد انتظرتها وكأنه عمر بكامله.. مرّت بعجالة دون إمهال، وقبل أن املئُ منها النظر، وفي يوم كان يفترض أن يكون لنا طرب وأعياد. أعجبتني بساطة الاحتفال إلى حد بعيد.. أحسست بوجودي وأنا جالس جوارها.. رعشة كانت تصاحب أصابعي وأنا أمسك يدها وألبسها دبلة الخطوبة.. رأيت الحياة تبتسم وتبارك لنا بعد انتظار طال.. غير أن اقتضاب الوقت نال من غمرة هذه السعادة، ومن بوح الفرح الذي لطالما انتظرته طويلا بصبر مُجالد. بعد مغادرتي لبيت الفتاة اجتاحتني الأسئلة القلقة، وظلت تلح على ذهني باحثة عن إجابة: - هل سأنجح في الإبحار حتى النهاية؟! هل سأصل إلى بر الأمان؟! أم سأكون أحد المهزومين الذين مروا من هنا؟! هل سأنجح حتى الأخير في العبور إلى مناي الذي لطالما أهدرتُ العمر بحثاً عنه؟! أم سأكون مجرد إضافة خيبة لي ولها في سلسلة الخيبات المتعاقبة التي عجزت أن تصنع فارقاً أو اضافة للحياة التي نرومها؟! هل سأكون الفارس الذي انتصر أم سأكون واحداً من المكسورين والعائدين الذين يجرون أذيال الهزيمة والخيبة؟! هل بإمكاني العبور إلى نهاية الطريق أم ستخور قواي قبل الوصول؟! إثر تلك الأسئلة فاضت حميّتي وعلت همّتي وحماستي فقلت لنفسي وأجبت: - سأعض على هذا النصيب بالنواجذ.. لن أترك له مجالاً للتملص أو الفكاك.. لن أتركه يتسرب من بين يدَيَّ.. لن أترك لغفلة أن تأخذه منّي، حتى لا أندم وأقول فلت منّي في لحظة زمن شاردة.. سأستميت من أجله.. وأتشبَّثُ فيه أطرافي وبكل قوتي، وسأدافع عنه ببسالة.. ستشبث به بيداي وأسناني وكل جوارحي.. فلتفض روحي وتذهب قبل أن يذهب منّي مناي.. مستعد من أجله إن اقتضى الحال أن أحارب عالماً بكامله، فيما بقي لي من عمر.. لا مجال ولا خيار للتخلّي عنه تحت أي قوة أو مبرر أو عنوان أو مسمّي. أول أغنية أهديتها لها "مش هتنازل عنك أبدا مهما يكون" للفنانة المغربية سميرة بن سعيد لتعبّر عن بعض ما يجيش في وجداني من حب، وعن لسان حالي وإصراري، أقتضب من كلماتها: "ياللي اديت لحياتي في حبك طعم ولون مش هتنازل عنك ابداً مهما يكون دا احنا لبعض حنفضل دايماً طول العمر حنفضل دايماً مهما يكون … مهما يكون انا حبيتك لما لاقيتك قدام عيني حلم بعيد كان في عنيّا صعب عليّا وبعد شويّه بقي في الإيد"