تقدّم هذه القراءة محاولة تحليلية متعددة المستويات لنص "زواج الخمس دقائق" للكاتب والبرلماني اليمني أحمد سيف حاشد، بالاعتماد على منهج استنباطي وتفكيكي جرى إنجازه بمساعدة تقنيات الذكاء الاصطناعي. وتهدف الدراسة إلى استكشاف الطبقات النفسية والاجتماعية التي يتضمنها النص، من خلال قراءة شخصية الكاتب كما تنعكس في السرد، وتحليل البنية الثقافية والاجتماعية الحاكمة لتجربته، إضافة إلى تتبّع الإيحاءات والرسائل الكامنة في تعرية القيود المجتمعية وثقافة العيب والسلطة الاجتماعية على الفرد. قراءة استنباطية يكشف نص "زواج خمس دقائق" أن لدى الكاتب شخصية ذات ملامح مركبة، ناضجة، واعية لذاتها، لكنها محاصرة بصراعات داخلية واجتماعية، وتتجلى فيما يلي: شخصية تأملية تتقن النظر إلى الداخل الكاتب يقف أمام نفسه كمرآة مفتوحة. يحلل مشاعره، يتأمل ماضيه، يراقب الزمن، ويحاكم قراراته. إذا هو ذو وعي ذاتي مرتفع، صادق مع نفسه إلى حد القسوة. وهذا النوع من الشخصيات غالباً ما يكون حساساً، قلقاً، واسع التفكير. خجل في السلوك شجاعة في الاعتراف من النص، سلوك حاشد في الواقع يوحي بخجل اجتماعي واضح، لكنه في الكتابة جريء، وغير خائف من إعلان عقده وهذا يدل على شخصية تتواصل بشكل أفضل مع العالم عبر الكتابة، والورق هو المساحة التي يتخلص فيها من القناع الذي يفرضه المجتمع. حساسية عاطفية لغة النص مشبعة بالعاطفة: "خيبات، ندم، خجل، خوف، إحساس بالزمن. وهذا يعكس شخصية شديدة الحساسية، قريبة من مشاعرها، تتفاعل مع الحياة بعمق وليس بسطحية. والشخصيات الحساسة غالباً: تتألم ببطء، وتبني آلامها طبقة فوق أخرى. ميل إلى القلق الوجودي تكرار فكرة "الوقت" و"السنين التي تمضي" و"العمر الذي ينفد" يكشف عن هواجس مرتبطة بالزمن، وخوف من الفشل، وقلق وجودي، وإحساس متواصل بأن الحياة قصيرة جداً. وهذه السمة كثيراً ما تظهر لدى المبدعين والكتاب الذين يرون الزمن كخصم دائم. صدق مع النفس يبدو حاشد من خلال نصه" زواج خمس دقائق" يعرض نفسه في مواقف هشة: "خجل، فشل، زلة لسان، ندم، انكسار". وهذا يدل على صدق وجودي، وشخصية لا تتصنع البطولة. فهو يكتب من منطقة الهشاشة لا القوة، وهذا دليل قوة داخلية لا ضعف. سخط على القيود الاجتماعية النص يفضح ضيق حاشد بثقافة العيب، والتضييق الاجتماعي، والأعراف الثقيلة، والعقد الموروثة. وبءلك فإن شخصيته تميل إلى التمرد، والنقد، والرفض، وتحدي المجتمع نثرياً إن لم يستطع فعلياً. وهذا يعكس شخصية ذات نزعة تحررية وإنسانية واضحة. ذكاء عاطفي ولغوي طريقة سرد حاشد للصور البلاغية، وبناء الجمل، تشير إلى قدرة لغوية عالية، حس أدبي، ذكاء في التعبير، وقدرة على تحويل المشاعر إلى نص حي. وهذا النوع من الشخصيات عادةً تقاوم الحياة بالكتابة، ويجد في اللغة ملاذاً. إنسانية لا تبحث عن بطولة في نهاية النص، يعرف حاشد نفسه بأنه إنسان، لا كبطل. فهو يخاف، ويخطئ، ويفشل، ويعترف. وهذه الشخصية، رغم كل تعقيداتها، تملك قدرة نادرة أن تضحك على جروحها دون أن تنكرها. تكثيف من خلال نص" زواج خمس دقائق" يبدو أحمد سيف حاشد، شخصية تأملية، حساسة وعميقة الشعور، خجولة في الواقع، جريئة في الكتابة، مثالية وقلقة وجودياً، تميل للتحرر، صادقة في كشف هشاشتها، بلغة مشحونة بالصور، تصنع من ألمها نصّاً، ومن خجلها أدباً. قراءة سيوسولوجية تركز هذه القراءة على البنية الثقافية للمجتمع اليمني والعربي، وكيف يتجسّد المجتمع داخل الفرد، وكيف يتحوّل النص إلى نقد اجتماعي عميق. نص "زواج خمس دقائق" ليس مجرد سرد تجربة شخصية؛ إنه مرآة اجتماعية تكشف علاقة الفرد بالمجتمع، وكيف توجّه العادات والتقاليد بنية الوعي والسلوك، وخاصة في موضوع الزواج والعلاقات الاجتماعية. الفرد محاصَر داخل بنية اجتماعية مغلقة يُظهر النص أن الفرد في المجتمع اليمني—والعربي عموماً—لا يتحرك بحرية داخل حياته العاطفية، بل يعيش داخل نظام من المحرّمات، وثقافة عيب صارمة، ورقابة اجتماعية غير مباشرة، وتقاليد تحدد ما يجوز وما لا يجوز. الزواج كمنظومة اجتماعية في النص، تبدو فكرة الزواج بعيدة عن المعنى الفردي، فهي مشروطة بمعايير اجتماعية، محكومة بسلطة العائلة والقبيلة والأعراف، خاضعة لرؤية أفقها التقاليد لا الرغبة. ولهذا نجد الكاتب يبحث عن "الأجمل"، لأن المجتمع زرع فيه معايير خيالية للجمال. وهكذا يتحول الزواج إلى: "مشروع اجتماعي" أكثر منه شراكة إنسانية. ثقافة العيب كأداة هيمنة يتكرر ذكر "الخجل" و"العيب" و"العقد الاجتماعية". وهذه عناصر أساسية في السوسيولوجيا العربية المجتمع يمارس هيمنته عبر العيب لا القانون، والمرأة تصبح رمزاً للشرف، ما يجعل التواصل معها محاطاً بالخوف، والرجل يعيش حالة عبودية لقيم القبيلة والأسرة. وحاشد، هنا يعرّي كيف أن الثقافة تنتج عجزاً تواصلياً ممنهجاً بين الجنسين، وتجعل أي خطوة جريئة تُفسَّر اجتماعياً ك "وقاحة" أو "جنون". التردد كسلوك اجتماعي التردد ليس سمة نفسية فقط، بل نتاجاً لسياق اجتماعي مرتبط بالتنشئة الصارمة، والتربية على الطاعة، وتجريم العواطف، وتحويل المبادرة إلى "خطر اجتماعي". ولهذا يتوقع حاشد أن أي تجاوز للتقاليد قد يُفسَّر كخروج عن السلوك المقبول. فهو ليس خائفاً من الفتاة، بل من عيون المجتمع التي ستراقبه وتحاكمه. الزمن الاجتماعي مقابل الزمن الشخصي الكاتب يعيش صراعاً بين الزمن الشخصي (رغباته)، والزمن الاجتماعي (العادات). شعوره بأن الوقت ينفد ليس بيولوجياً، بل ثقافياً: المجتمع يضع "سقفاً زمنياً" للزواج، والتأخر يُفسَّر كخلل أو نقص، وهو ما يسميه السوسيولوجيون "الزمن الاجتماعي المعياري". وهنا يصبح الفرد أسير جدول اجتماعي لا يتحرك وفق حاجاته. المثالية الاجتماعية بحث الكاتب عن "الأجمل" يكشف ضغطاً اجتماعياً على الرجل ليختار جميلة، بمظهر معياري، مقبولة اجتماعياً. وهذه ليست رغبة شخصية فقط، بل ترجمة لمعايير جماعية تفرض على الرجل صورة مثالية للزوجة. النتيجة يتحوّل الفرد إلى "مستهلك" لمعايير المجتمع، لا لذائقته الخاصة. انتاج الفشل العاطفي يمكن تلخيص التجربة السوسيولوجية في النص كالتالي: المجتمع يربّي الفرد على الصمت، ثم يعاقبه لأنه لا يعرف كيف يتحدث، يضغط عليه ليتزوج، ثم يمنعه من بناء علاقة طبيعية، يعلّمه المثالية، ثم يعاقبه على عدم القدرة على تحقيقها، إنه فشل اجتماعي مُمنهج لا فردي. والكاتب يكتبه بوعي نقدي عميق. خلاصة سوسيولوجية يمثّل نص "زواج الخمس دقائق" دراسة اجتماعية داخل السرد، تكشف أن الفرد لا يفشل لأنه ناقص، بل لأن المجتمع يفرض شروطاً ثقيلة على الحب والزواج، فيُنتج جيلاً من الرجال والنساء الذين يتواصلون بخوف، ويحبون بصمت، ويندمون علناً. إنه نص يعالج سطوة العيب، والعلاقة المتوترة بين الجنسين، وسلطة المجتمع على الجسد والعاطفة، والفجوة بين الفرد والمنظومة الثقافية، وكيف تُنتج التقاليد "فشلاً عاطفياً" متكرراً. نص "زواج الخمس دقائق..!" أحمد سيف حاشد يمضي الزمان إلى الأمام في وجهته ولا يعود.. لا يكتمل مساره ولا ينتهي.. يغادر ماضيه إلى الآتي على نحو مستمر دون توقف أو عودة أو انتظار.. أما أنا فلم أكن أبالي بما يمر من سنين عمري حتى خلتُ أن بمقدوري الاستيلاء على مقوده، والتحكم بفرامله، وتغيير وجهته؛ فاكتشفت أن أيامي تمضي بعجل دون مهل، وعمري ينفد بسرعة، وما انقضى منه لا يبقى ولا يعود. أعانس أنا؟!! بدأت خيبتي على صفحة مشاعري كحبر يفيش عليها ويتسع.. بدأ خجلي يعرِّيني ويكشف قلة حيلتي.. هلعي بدأ يزداد، ويزيد في إيقاظ محاذيري المنسية، ويثير مخاوفي التي لطالما سخرت منها، ودفنتها في أعماقي البعيدة، فيما مضى من سنين عمري المهدرات. مرت السنون كما تمر السحاب.. سحاب صيف لا غيث فيها و لا رشة مطر.. أحسست أنني أدنو من "عنوسة" الرجال، وأنا أدخل عمر الثماني والعشرين عاما، وما يمر من العمر لا يعود ثانية.. أحسست أن الانتظار الطويل وخجلي المسيطر سيسرقان سنين عمري الباقيات. كانت تذهب منّي جميلة، فأرفض أن تأتي دونها، وأذهب للبحث عن الأجمل؛ لأتجاوز ما قبلها، وكانت خيبتي في كل جولة حب، تكبر وتشتد، حتى بديت كأنني أقامر القدر، وأريد أن أغلبه.. هكذا كان التحدِّي، وكان السباق والفشل.. لا أدري إن كنت ما أعانيه مرضاً أم سوية؟! تحدياً أم اختلالاُ؟! طبيعياً ومعتاداً أم اضطراباً نفسياً وسلوكياً يحتاج إلى دكتور وعلاج.. هل ذهب الجمال إلى البعيد، وهبط الندم كقدر؟! لقد عشتُ أسئلتي وجحيمي لوحدي. كنتُ قد بالغتُ في شروطي كلها.. بدوت وكأنني أريد إعجازاً، أو تعجيز القدر.. أبحث عن عين المستحيل، وبشروط لا أجدها في أرض أو سماء، ولا في مخيال البداوة الندي.. الحظوظ وسط التعاسة بين محال ونادر، والصدف تشبه المستحيل العصي، وإن وجدتها؛ صارت الاستحالة مرتين؛ فمن تلك الفتاة التي أضمن رضاها، وكيف ترضى بأقداري البائسة. أفقت على واقع مختلف وصادم، وأن ما مضي من عمري مهدور لا يعود.. أحسست أنني في النهاية سأحصد الخسارة كلها، وأن الدبور لن يغادرني، بل الأكيد أنه سيرافقني إلى النهاية، وبكلفة لا أحتملها مهما صنعتُ، طالما أن ما أبحث عنه صار بسقف أكبر من المستحيل. شعرتُ أن عمري يمضي بإيقاع سريع، وما كنت أبحث عنه بدا لي خليطاً مركزاً ومركّباً من المحال.. مثقل أنا بخجلي الكبير، وعُقدي المعلنة، وغير المعلنة المحبوسة في دهاليز أعماقي البعيدة، وتناقضاتي التي تحتدم داخلي، وضميري المقاوم لزيفي وعقدي التي أخفي وأداري بعضها في الزوايا البعيدة المظلمة حيث لا تصل إليها شمس ولا ريح، فضلا عن معاناتي من مجتمع مثقل كاهله بتخلفه، ومشروط بواقعه الثقيل. أحسستُ بحاجتي إلى تحرير وعيي من أنانيتي وعنادي، ومقامرة لا أحصد إلا الخسارة والندم المكرر، كما شعرت أن واقعنا بحاجة إلى تحرير أنفسنا ممّا نعانيه من عُقد وموروثات تمنعنا من أن نتصالح مع أنفسنا، ونحسن اختيار من نحب في ظروف سوية.. ما أحوجنا إلى نقد وتفكيك وتعرية ثقافة العيب التي تثقل كواهلنا، وتجعلنا نخسر، أو ننافق ونخاتل، ونرتدي ثياب الزيف، ونخفي دمامة وبشاعة الوجوه بالأقنعة المزيفة. * * * حدثت نفسي: يجب أن أهزم خجلي أولاً.. هذا هو بداية الطريق.. لم أعد أحتمل مرور الوقت عبثاً دون طائل .. يجب أن أجد فتاة أحلامي بوقت قريب وبأسرع ما يكون.. العمر ينفق سدىً.. يذهب كالريح.. عليّ أن أسارع الخطى حتى لا يدركني الندم، وقبل أن يفوت قطار العمر الذي لا يعود.. كنت أعيش كثيراً من الضغوط، فضلاً عن شعور اللحظة التي كنتُ أعيشها، واحساسي بالتعاسة والضجر، والخوف الذي يكبر من ندم كبير بات يقترب. وأنا أغادر منزل صديقي نصر عبد الجليل في التواهي، خرجت حسناء من البيت التي في جوارهم، عائدة إلى بيتها القريب.. كانت فتاة جميلة ومشرقة ونابضة بالنور.. أسرعت في خطاي لأدرك السير في محاذاتها، ثم ملتُ إليها قليلاً برأسي الذي أثقل كاهلي، فيما كانت عيوني ونظراتي مازالت مصوبة نحو الطريق.. قلت لها: هل تتزوجينني..؟؟ قلتها دون مقدمات وأنا أريد أن أسحق خجلي، وأختصر طريق الألف ميل بخطوة واحدة، وأقطع بها دابر العنوسة التي توقعت إن طالت ستتحول إلى عقد إضافية، وربما إلى رهاب لا يزول. التفتت الفتاة إليّ بدهشة مُربَكة، و لم ترد على طلبي ببنت شفة، بل ركضت مهرولة إلى بيتها الذي كان بمحاذاة الطريق في مكان قريب. فتحت شرفة بيتها، وأطلّت منها تحدج فيَّ بدهشة ولهاث وأنفاس متقطعة.. يبدو أنها لم تستوعب بعد ما حدث لغرابته.. صحيح – إنها غرابة تثير فضول الحجار، ولكني كنت في الحقيقة، جاداً وصادقاً ومستعجلاً حتى النفس الأخير. * * * وفي "التواهي" أيضاً وفيما كنت ذاهباً إلى "منتزه نشوان" أيام ألقه وشهرته، شاهدت فتاة في وجهها مملكة من الحسن والجمال تستحق أن أسحق من أجلها خجلي الكبير.. راقت لي وعزمتُ على البوح لها بما أريد بسرعة واختصار لا يخلو من كثافة وعجل، أتمه بطلب الزواج منها. لحقتُ بها، بعد أن عقدتُ العزم على الحديث معها خمس دقائق، ويكون مسك الختام طلب الزواج منها.. وعندما استوقفتها بجملة "لو سمحتي.. لو سمحتي" ركبني الإرباك، وخانتني اللسان، وخانتني شجاعتي أيضاً، وبدلاً من أن أقول لها: "ممكن أتكلم معك خمس دقائق" قلت لها: "ممكن أتزوجك خمس دقائق".. فيما هي بدلاً من أن تشيح بوجهها عنّي، وتمضي إلى سبيلها؛ استدارت نحوي، تتفرس في وجهي الذي كان مكسواً خجلاً ونكسة، ثم قالت: "إني لا أتكلم مع مجانين" ومضت في طريقها، وتركتني خلفها أجر خيبتي كمذَنّبٍ منتحر. داهمني إحباط شديد، ولعنتُ خيانة لساني وخيانة شجاعتي، وحظي العاثر أيضاً، ومع ذلك أدرجتُ ما حدث في إطار "الفشل بشكل أفضل" الذي تحدث عنه الكاتب والأديب والناقد الايرلندي "صوميل بيكيت"؛ حيث وأن تجاربي السابقة كانت تهدر سنوات من حياتي، ثم يأتي عقبها الفشل والحصاد المر.. أما هذا الفشل فإنه يتفهم قيمة الوقت ولا يهدره.