قيادي حوثي يسطو على منزل مواطن بقوة السلاح.. ومواطنون يتصدون لحملة سطو مماثلة    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    مأساة في ذمار .. انهيار منزل على رؤوس ساكنيه بسبب الأمطار ووفاة أم وطفليها    أول جهة تتبنى إسقاط طائرة أمريكية في سماء مارب    تهريب 73 مليون ريال سعودي عبر طيران اليمنية إلى مدينة جدة السعودية    تدشيين بازار تسويقي لمنتجات معيلات الأسر ضمن برنامج "استلحاق تعليم الفتاة"0    شاب يمني يساعد على دعم عملية السلام في السودان    الليغا ... برشلونة يقترب من حسم الوصافة    أعظم صيغ الصلاة على النبي يوم الجمعة وليلتها.. كررها 500 مرة تكن من السعداء    الخليج يُقارع الاتحاد ويخطف نقطة ثمينة في الدوري السعودي!    "هل تصبح مصر وجهة صعبة المنال لليمنيين؟ ارتفاع أسعار موافقات الدخول"    "عبدالملك الحوثي هبة آلهية لليمن"..."الحوثيون يثيرون غضب الطلاب في جامعة إب"    شاهد.. أول ظهور للفنان الكويتي عبد الله الرويشد في ألمانيا بعد تماثله للشفاء    خلية حوثية إرهابية في قفص الاتهام في عدن.    اختتام التدريب المشترك على مستوى المحافظة لأعضاء اللجان المجتمعية بالعاصمة عدن    مأرب تحدد مهلة 72 ساعة لإغلاق محطات الغاز غير القانونية    مبابي عرض تمثاله الشمعي في باريس    عودة الثنائي الذهبي: كانتي ومبابي يقودان فرنسا لحصد لقب يورو 2024    لا صافرة بعد الأذان: أوامر ملكية سعودية تُنظم مباريات كرة القدم وفقاً لأوقات الصلاة    اللجنة العليا للاختبارات بوزارة التربية تناقش إجراءات الاعداد والتهيئة لاختبارات شهادة الثانوية العامة    قيادي حوثي يسطو على منزل مواطن في محافظة إب    لحج.. محكمة الحوطة الابتدائية تبدأ جلسات محاكمة المتهمين بقتل الشيخ محسن الرشيدي ورفاقه    العليمي يؤكد موقف اليمن بشأن القضية الفلسطينية ويحذر من الخطر الإيراني على المنطقة مميز    انكماش اقتصاد اليابان في الربع الأول من العام الجاري 2024    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا لكرة القدم للمرة ال15 في تاريخه    النقد الدولي: الذكاء الاصطناعي يضرب سوق العمل وسيؤثر على 60 % من الوظائف    تحذيرات أُممية من مخاطر الأعاصير في خليج عدن والبحر العربي خلال الأيام القادمة مميز    رئيس مجلس القيادة يدعو القادة العرب الى التصدي لمشروع استهداف الدولة الوطنية    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    وعود الهلآّس بن مبارك ستلحق بصيف بن دغر البارد إن لم يقرنها بالعمل الجاد    600 ألف دولار تسرق يوميا من وقود كهرباء عدن تساوي = 220 مليون سنويا(وثائق)    تغاريد حرة.. عن الانتظار الذي يستنزف الروح    انطلاق أسبوع النزال لبطولة "أبوظبي إكستريم" (ADXC 4) في باريس    قيادي حوثي يسطو على منزل مواطن في محافظة إب    المملكة المتحدة تعلن عن تعزيز تمويل المساعدات الغذائية لليمن    ترحيل أكثر من 16 ألف مغترب يمني من السعودية    وفاة طفل غرقا في إب بعد يومين من وفاة أربع فتيات بحادثة مماثلة    سرّ السعادة الأبدية: مفتاح الجنة بانتظارك في 30 ثانية فقط!    نهاية مأساوية لطبيبة سعودية بعد مناوبة في عملها لمدة 24 ساعة (الاسم والصور)    شاهد: مفاجأة من العصر الذهبي! رئيس يمني سابق كان ممثلا في المسرح وبدور إمراة    البريمييرليغ: اليونايتد يتفوق على نيوكاسل    600 ألف فلسطيني نزحوا من رفح منذ تكثيف الهجوم الإسرائيلي    ظلام دامس يلف عدن: مشروع الكهرباء التجارية يلفظ أنفاسه الأخيرة تحت وطأة الأزمة!    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    استقرار اسعار الذهب مع ترقب بيانات التضخم الأميركية    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 35 ألفا و233 منذ 7 أكتوبر    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    هل الشاعرُ شاعرٌ دائما؟ وهل غيرُ الشاعرِ شاعر أحيانا؟    قصص مدهشة وخواطر عجيبة تسر الخاطر وتسعد الناظر    وداعاً للمعاصي! خطوات سهلة وبسيطة تُقربك من الله.    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    دموع "صنعاء القديمة"    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الثورة اليمنية الاتجاه والمسار
نشر في التغيير يوم 24 - 02 - 2015

كغيرها من بلدان الربيع العربي التي تاهت في سرداب الثالوث المرعب؛ الفقر، والجهل، والبطالة، ردحاً من الزمن الجمهورية اليمنية، ومع أن الشعب اليمني يمتاز بخاصية قد لا يملكها غيره وهي خاصية الصبر والتحمل، إضافة إلى أنه شعب طيب يسهل إيقاعه في فخ العاطفة وإثارة النعرات القبلية، وربما زجه في أتون المواجهة والحرب؛ ما جعله يستمر لفترة 33عاماً يتقلب في شظف العيش وصعوبة الحياة رغم الثروات الهائلة التي يملكها، وفي هذا يقول سفير اليمن ومندوبه في جامعة الدول العربية:عبد الولي الشميري "جلست مع أحد المستثمرين وقمت أحدثه عن فرص الاستثمار في اليمن، وعن أهمية الاستثمار للنهضة باقتصاد البلد. فقال لي: اتقوا الله! نحن عندنا نفط وأقمنا دولاً، وأنتم عندكم نفط وغاز وثروة سمكية وزراعة وسياحة ولم تصنعوا شيئاً. "
إضافة إلى كل ما ذكر سابقاً فلدى اليمن الثروة البشرية المتطلعة للبناء والتنمية، ومع هذا فإن 54%من سكان اليمن يعيشون تحت خط الفقر - حسب الإحصائيات - وهذا المؤشر يدلنا - إضافة إلى سوء الإدارة – على أن هناك أيادٍ خفية تتعمد العبث بالبلد وتقف حائلاً بينه وبين أيَّة نهضة أو تنمية سواءاً كانت داخليةً أو خارجية.

لم يخرج اليمنيون في ثورة فبراير 2011م لهذا فحسب؛ ولكن بعد أن بلغ السيل الزبى وكاد الغرق أن يصل للجميع متمثلاً في الكم الهائل من الفساد المتلاطم بين الاستبداد بالثروة والاستئثار بالسلطة المصحوبَين بسياسة التدجين وتكميم الأفواه؛ عندها كان أبناء الشعب اليمني - خصوصاً في الجنوب - يخرجون رافعين شعارات مناهضة لأصحاب القرار السياسي ومطالبة بإرجاع الأراضي المنهوبة، وإعادة المسرحين قسراً من الخدمة؛ لكنها سرعان ما تواجه –ووجهت- بالقمع، تارةً بحجة إثارة الشغب والفوضى في البلاد، وتارةً أخرى بحجة الدعوة للانفصال وتمزيق البلاد.

بعد انبلاج فجر الربيع العربي دبت في الروح اليمنية نسائم الحرية المتطلعة للتغيير سلمياً في ثورة شبابية شعبية سلمية، والكل يبحث عن مستقبل وواقع يتناسب مع تسمية بلدهم ب:"اليمن السعيد"، وهذا أمرٌ طبيعي؛ فحينما يتعذر الإصلاح الجذري الجاد، ويستشري الظلم والقمع، وتصير مصالح الأمة حصريةً بيد النافذين من أهل الفساد؛ فإن الثورة هي قدر الشعب الوحيد والنافذة التي يتطلع من خلالها لأنوار الحرية والعدالة حتى وإن بدت محفوفةً بالمخاطر ومُرهقة بفعل المتاعب والمكاره؛ فقد قال الدكتور سلمان العودة:"إن الثورة لا يُرتب لها أحد، ولا يخطط لها الناس؛ ولكنها تنفجر على حين غرةٍ حين تسد طرق الإصلاح، وتتوقف عمليات العدالة، ويُمارس القمع."

مهما تعددت الآراء حول معنى كلمة ثورة إلا أنها تُجمع على أن الثورة تحمل مفاهيم ثابتة، مثل: الانفتاح على إنجازات غير مسبوقة في خدمة الإنسان، كالثورة المعرفية، والمعلوماتية، والجينية، والصناعية؛ وهو ما يعني مفهوم البناء والتطوير والمراجعة، وليس الهدم أو التقويض السياسي.

مهما كانت الخلافات الفقهية في ثورات الربيع العربي حول من ناحية جوازها أو منعها، وتقدير مصالحها ومفاسدها، فإنه لا ينكر أحد ما أحدثته من نقلة نوعية للعقل العربي، ونقلته من الجمود والركود إلى الحركة والتطلع والمتابعة، ولا يستطيع أحد أن ينكر أن ما دار في بلدان الربيع العربي عامة واليمن خاصة أنه ظاهرة اجتماعية متعلقة بتغيير الأنظمة السياسية عبر الفعل الاجتماعي والغضب الشعبي العام، وهذا كله ظهر جلياً في ثورة فبراير؛ حيث ذهب كابوس الخوف، وكُسِرَ حاجزُ الصمت، وبحت الحناجر وهي وتردد عبارة: " الشعب يريد بناء يمنٍ جديد" وعندها انقسم الناس إلى: فئةٍ متطلعةٍ للتغيير وأكثرها من الشباب، فنزلوا إلى الساحات، ونصبوا الخيام، وقادوا المسيرات؛ وفئةٍ صامتةٍ وهي الأكثر؛ وفئةٍ ثالثة جزء منها تحيز للنظام، وقعد يدافع عنه وربما قاتل معه، وجزء أبدى ترحيبه بالتغيير لكن لم تعجبه طريقة التغيير مما جعلهم يتمسكون بنظام صالح, وعندما تحركت عجلة التغيير وبسبب تكافؤ القوى بين المعارضة والموالاة كان لزاماً على الجميع الرجوع إلى التوافق وتشكيل حكومة وفاق لإنقاذ البلاد، ثم أتى الحوار الوطني ليضم إلى جانب قيادات العمل السياسي القوى الثورية ومكونات وأفراداً لم يفكروا – سابقاً - بالدخول والمشاركة في اتخاذ القرارات المصيرية للبلد لولا الله عز وجل ثم ثورة الشباب الشعبية السلمية في 11 فبراير 2011م.
في مؤتمر الحوار الوطني جاء الوزير والمواطن العادي وشيخ القبيلة والمهمش، والمرأة والرجل، والشاب الصغير والشيخ الكبير؛ كلهم يقفون في مكان واحد وبوقت واحد، ويصوتون بصوت واحد من دون تفرقة، وهذا بحد ذاته ثورة تغيير, ولولا إصابة الحوار الوطني بلوثة المتغربين والسفارتيين لكانت مخرجاته مُلبيةً لكثير من متطلبات الشعب اليمني .

كي لا يكون حديثنا معزولاً عن الواقع فإننا ندرك أن هناك عقبات كأداء تقف أمام نجاح الثورات سواءاً على الصعيد الداخلي أو الخارجي - وسنأتي على بعض تلك العقبات بشيءٍ من التفصيل- لكن ما نريد ذكره هنا هو أن هذه العقبات هي التي جعلت المواطن البسيط والمتابع يتسخط على الثورات وربما يسميها بالفتنة والبلاء، ولو تأمل بعمقٍ سُنَّةَ التدافع وحتمية الصراع بين الحق والباطل لأدرك أن هذا أمر طبيعي ولابد للحرية من ثمن, ونحن نشبه حالنا مع الثورة بقصة طريفة وهي: (أن رجلاً سافر بسيارته في طريقٍ آمنٍ ومعبد وميسر، وفجأةً حاد عن الطريق إلى طريق فرعي وعر ومقطع، فواصل فيه السير بمشقة وعناء، وكلما تقدم ازدادت وحشتة وكثرت العراقيل أمامه، وقبل أن يصل إلى نهاية الطريق أدرك أنه إما أن يواصل الطريق ويهلك كما هلك من قبله ولا قيمة له ولا ثمن، أو أن يرجع وينجو بنفسه، وفي هذه الحالة هو مجبر على أن يعود من الطريق الوعر والشاق الذي جاء منه، فهذا هو الحل الأنسب له حتى يصل إلى طريقه المعبد والآمن، وكل عنت وتعب يلقاه في طريق عودته عبر ذلك الطريق الوعر هو ثمن اختياره ذلك الطريق الخاطئ وسيره فيه بدون توقف) وبالحقيقة هذا ما ندفعه اليوم ونعاني منه.
قد يقول قائل: الثورة هي تغيير جذري يستأصل كل أركان الأنظمة السياسية, وهي أيضاً إصلاحٌ ومعالجةٌ لممارسات خاطئة. نقول: هذا صحيح، ولكن لكل ثورة خصوصياتها, والذين لا يُظهرون إلا الجانب المظلم في الثورة فنعذرهم لأنهم يحكمون عليها دون النظر إلى معايير النجاح والفشل، أو لأن صورة ثورية سيئة مرسومة في أذهانهم؛ كثورة الزنوج، والقرامطة، أو حتى ثورة26 سبتمبر في عام 1962م وغيرها من الثورات العربية؛ لذا علينا أن ندرك أن الثورات تختلف باختلاف العوامل.
عوامل اختلاف الثورات:
1. عامل الزمان: تختلف الثورة اليوم - ونحن في عصر الانفجار المعلوماتي والثقافي والانفتاح على الآخرين- على ثورة سبتمبر قبل 60 عاماً حيث الجهل والتخلف وندرة الموارد الطبيعية والبشرية أيضاً؛ لذلك كانت الثورات آنذاك أشبه بالانقلاب العسكري والسيطرة على رأس النظام لتنصاع بعد ذلك كل مراكز القوى, وهذا يختلف عن عصر انتشار المعلومة؛ والذي أدى إلى اتساع السيطرة في البلدان، وإحكام القبضة عليها؛ لذلك كانت أغلب الثورات سلمية تتجنب إراقة الدماء قدر المستطاع.
2. المكان: وهذا ما أثبتته ثورات الربيع العربي حيث أخذ كل بلد خصوصياته، فثورة تونس تختلف عن ثورة مصر، وثورة اليمن تختلف عن ليبيا، وكذلك سوريا، فبتغير المكان تتغير الثورة؛ وعليه فلا يجوز القياس بينهما والحكم على الأخرى بنجاح أو فشل.
3. الوقت: يعتبر الوقت من أهم عوامل اختلاف الثورات لاسيما ونحن قد ذكرنا أننا في عصر الانفتاح المعلوماتي, فَتحيُن الفرص يسهل المهمة لعملية التغيير، فمتى ما وصل النظام الحاكم إلى أعلى مستويات الظلم والقمع ومنطلقاً في طريق الفرعنة ولسان حاله "ما أريكم الا ما أرى" فثم السقوط والأفول هذا من جانب، والجانب الآخر مراعاة وقت اندلاع ثورات التحرر ورفض الاستبداد في بلد مماثل يسهل الكثير من العقبات والصعوبات أمام الثائرين, فمثلاً في اليمن: كم هم الذين خرجوا إلى الشوارع مطالبين بالإصلاح ورفع الظلم والنظر إلى معاناتهم مراراً وتكراراً خصوصاً إخواننا في الجنوب؟....... لكن خروجهم لم يحرك ساكناً حتى قام أبو عزيزي بإحراق نفسه ليفجر ذلك الكبت الذي آلم الشعوب سنينا طويلة؛ فكانت الفرصة مواتية لاندلاع ثورة فبراير في اليمن.
4. طبيعة النظام الحاكم: لم تكن الأنظمة الحاكمة قديماً والتي قامت عليها الثورات تدخل في هذا التعقيد الحالي، فمن الطبيعي أن يختلف الوضع في الدولة العميقة والمتجذرة لاسيما وقد سخرت مقدرات البلاد عدة عقود لخدمة الأنظمة وتكريس مبدأ (نحن أو الطوفان) وبين الوضع في الدولة الغير عميقة وغير متجذرة فيجعل عملية التغيير أكثر تعقيداً تبعاً لطبيعة النظام.
5. النظام العالمي الجديد: لا يزال النظام العالمي الجديد يمثل خطراً يهدد عملية التغيير في دول الربيع العربي حيث جاءت عفوية ومن دون ترتيب مسبق، كما أن دولاً إقليمية ودولية لم يرق لها هذا التغيير فهي لا تزال تسعى إلى تقويضه ليل نهار, أما الثورات على الاستعمار والأنظمة القديمة فقد حدثت بترتيب وتخطيط مسبق، والمتابع يدرك أن أغلب القادة الذين تولوا الحكم بعدها جاءوا على ظهور دبابات العدو.


المنعطفات التي تمر بها الثورة اليمنية
في الأخير نتفق مع من يقول: إن الثورة لم تكتمل، وأنها لا تزال في طريقها إلى النجاح والنضوج كل يوم. ولكننا نقول: إن ما حققته الثورة إلى الآن يجعلها جديرة بأن يقال عنها: ثورة غيرت في مسار العملية السياسية، ولا يشترط للثورة فترة محددة لتستوفي ثمارها كاملة، فقد استمرت الثورة الفرنسية تحارب الإقطاعية والأروستقراطية والدينية والجماعات السياسيّة اليساريّة الراديكالية من الرابع عشر من يوليو عام 1789م وامتدت حتى عام 1799م، وبعد عشرة أعوام استوفت الثورة أهدافها أو ثمارها، ونتمنى من ثورة 11فبراير 2011م ألا تنحرف عن مسارها حتى تستوفي كافة أهدافها وثمارها.
1. التدخل الأجنبي
دائماً ما نقول: إن من يتحدث عن ما سمي بالربيع العربي عموماً واليمن خصوصاً بمعزل عن التقاسم العالمي للمنطقة والمشاريع التوسعية فيها يخطئ كثيراً، فكيف لا يكون هناك تدخل أجنبي وهم يعلمون أن وصول الإسلاميين إلى سدة الحكم -خصوصاً في اليمن ومصر- يعني الحكم على إسرائيل بالإعدام وإن لم يكن ذلك في الأمد القريب؛ وذلك لامتلاك الدولتين ممرين دوليين -قناة السويس وباب المندب- يمثلان الشريان الوريدي لإسرائيل؛ ولذلك نقول: إن الضغوطات العالمية والإقليمية كانت حاضرة وبقوة، وهذا شكَّل منعطفاً خطيراً وتمثَّل في أمرين:
الأول : العقوبات الدولية؛ حيث صارت العقوبات بمثابة العصا التي ترفع في وجه كل من يحاول أن يتّجه بالثورة والدولة نحو السيادة والاستقلال ونبذ الوصاية والتدخل.
وعلى ضوء هذا جاء إقرار مشروع قرار مجلس الأمن الدولي بشأن اليمن رقم (2140) في 21/5/2014م والذي يقضي بتشكيل لجنة عقوبات دولية لمعرقلي التسوية السياسية تحت البند السابع لميثاق الأمم المتحدة، وهذا ما جعل الثوار خصوصاً ذووا الصبغة الإسلامية يخففون من حدتهم، ويخفضون في سقف مطالبهم؛ لأنهم يتحركون مع العملية التغييرية ومجلس الأمن الدولي نصب أعينهم؛ وهذا ما جعل تيار الإسلام السياسي -والمتمثل بحزب الإصلاح- يقدم الكثير من التنازلات رغم الاستفزاز الذي وصل إلى قتل بعض الأعضاء المنتسبين إليه، وسجن واختطاف بعضهم، وتدمير مؤسساتهم ومساجدهم ومقراتهم، وكسر الحلفاء المواليين لهم من القبائل وغيرهم.
كل هذا من أجل جر الإسلام السياسي للمواجهة والإيقاع به في مستنقع العنف ليتسنىَ بعد ذلك القضاء عليه، فظلت القرارات الأممية نصب أعين الكثير وكذلك حُجة المحافظة على المكتسبات الدعوية والتنظيمية حائلاً بين الإسلام السياسي وبين المواجهة.
الثاني: المماطلة الأممية، سواءاً كانت المماطلة بالدعم المالي من دول المانحين وتمكين حكومة الوفاق من هذه المنح ليتسنى لهم الإصلاح الحقيقي الملموس للمواطنين، أو عن طريق مماطلة المبعوث الأممي بتمديد الحوار من ستة أشهر إلى ما يقارب السنة، أو تمديد المرحلة الانتقالية المحددة بعامين، وكذلك فترة صياغة الدستور، وسيأتي التمديد لإعداد السجل الانتخابي، كل هذه الأحداث تحدث والمواطن يرزح تحت وطأة الفوضى، وغياب مؤسسات الدولة، والانفلات الأمني، وانعدام الخدمات؛ مما جعل الناس يَمِّلون مما يسمى ثورة ويقف بعضهم مع أصحاب الثورة المضادة.

ومبعث ذلك تمثل في جانبين؛ الأول: عدم وجود البديل المناسب والذي يُعوَّل عليه في خدمة وتأمين المصالح الأجنبية منها بشكل خاص، وبسبب الاتفاقات اليمنية الأمريكية بشأن مكافحة الإرهاب في اليمن صار الموقف الأمريكي من الثورة الشعبية في اليمن مرتبكاً، فقد أعلن السفير الأمريكي في اليمن عند بدء الثورة أنه لا يوجد حل إلا ببقاء الرئيس اليمني في السلطة والتفاوض معه من أجل تحقيق المطالب الشعبية المنادية بالإصلاح، وقد كان هذا التصريح بمثابة الضوء الأخضر الذي حصل عليه الرئيس اليمني من القيادة الأمريكية والذي قام بعده بتصعيد إجراءات قمع التظاهرات والمتظاهرين في جميع المحافظات اليمنية والتي كان أبشعها ارتكاب مجزرة يوم الجمعة الموافق 18 مارس 2011م والتي راح ضحيتها 52 من المتظاهرين العزل في العاصمة صنعاء، ثم خرج أوباما أخيراً منادياً الرئيس اليمني بتسليم السلطة ووقف أعمال العنف والقتل بحق المواطنين اليمنيين العزل.
والثاني الخوف من استنساخ الثورة إلى بلدان ودول أخرى، ويظهر ذلك في استمرار دعم النظام الحاكم حتى آخر رمق.
2. المبادرة الخليجية
بقدر ما مثلت المبادرة الخليجية حلاً من شأنه حقن الدماء إلا أنها استطاعت أن تحافظ على صالح والإبقاء عليه من خلال منحه وكل من عمل معه حصانة، واستخدمته كورقة ضغط على الحركة الثورية وحكومة ما بعد الثورة، ففي الاستطلاع الذي أجراه موقع يمني -مأرب برس- حول المبادرة الخليجية كانت نتائج الاستطلاع: 81,54% يرون أن المبادرة الخليجية تصب في مصلحة الرئيس صالح ونظامه، فيما يرى 8,55%بأن المبادرة تصب في مصلحة ثورة الشباب الشعبية السلمية، وذهب نحو9,91% إلى أنها تصب في صالح اللقاء المشترك.
وحسب المصدر ذاته فإن اللقاء المشترك كان يرى بأن للمبادرة -وإن كانت تتيح لصالح أن يكسب مزيداً من الوقت لوأد الثورة، ولإفراغ اللحظة الثورية عن مضمونها- مصالح لا يراها الثوار فعمدت إلى تقديم هذه المصالح على مفسدة رفض المبادرة.
إن المبادرة لم تتطرق للمظالم التي طالت الثوار في عدد من محافظات الجمهورية عندما خرجوا للتعبير عن رفضهم للمبادرة, مما جعل البعض يتحسر على الدماء التي ضحى بها الثوار وذهبت سدىً بفعل الحصانة التي منحتها المبادرة.
كما أن المبادرة الخليجية أظهرت اهتماهاً بالقوى ذات النفوذ فقط، وحصرت التصالح مع هذه القوى المتصارعة وأهملت فئة الشباب والفئة الصامتة، واستطاعت أن تعيد لنا الوجوه الأولى ولكن بصورة أخرى.
3. حكومة الوفاق الوطني
لقد تم تشكيل حكومة الوفاق الوطني في 7سبتمبر2012م وأصدر عبدربه منصور هادي نائب الرئيس اليمني (الأربعاء) قراراً جمهوريا بتشكيل حكومة الوفاق الوطني برئاسة محمد سالم باسندوة ممثل المعارضة بناءاً على ترشيح المؤتمر الشعبي العام وحلفائه وأحزاب اللقاء المشترك وشركائه.
ويعد إصدار هذا القرار منعطفاً جديداً وصادماً للثوار خصوصاً الذين لم يكن لهم انتماء سياسي حيث تم من خلال هذا القرار تجاهل القوى الثورية الفاعلة والمؤثرة في الساحات مع أنهم قطاع كبير لا يستهان به كالسلفيين –مثلاً- والحراك الجنوبي وغيرهم من القوى الثورية، ما جعلهم يشعرون بأن أموراً تدار خلف الكواليس، وفجأة تظهر هذه الأمور إلى السطح وقد أعادت لنا الوجوه القديمة ولكن بصورة أخرى، وهذا يحد من نسبة التفاؤل عند الناس, هذا من جانب؛ ومن جانب آخر فإن العدول عن حكومة تكنوقراط لتلبي طموحات الشعب تم تشكيل حكومة وفاق من الموالاة والمعارضة أدى إلى استصحاب ثارات الماضي بالإضافة إلى موروث ثقيل خلفه النظام السابق يتمثل في غياب دولة المؤسسات، والرشوة والمحسوبية وكذلك الوضع الاقتصادي المتدني، كل هذه الأمور وغيرها ساهمت في وضع الدولة الرخو ما جعل بعض الثوار أنفسهم قبل غيرهم يلعنون الثورة قبل غيرهم؛ وذلك لما يجدوه من انفلات أمني وتدهور في المعيشة، إضافة إلى أن الثورة فتحت الباب على مصراعيه للتدخل الخارجي والإقليمي -وإن كان موجوداً من قبل- لكنه صار بشكل معلن ينفخ في نار الطائفية والمذهبية ما أدى إلى انتفاش بعض الطوائف والمكونات إلى الواجهة السياسية نكاية بكيانات أخرى، وعندما وقفت حكومة الوفاق عاجزة عن الحد من هذا كله ارتفعت حالة التوجس والخوف مما تخبئه الأحداث عند المواطن البسيط.
وحكومة وفاق بهذه الكيفية لم تكن سوى تهيئة ساحة للصراع، وهذا ما جعل الحكومة تقف عاجزة عن تلبية طموحات الشعب اليمني بما في ذلك المتطلعين للتغيير، وبهذا الصدد فقد" أقر رئيس حكومة الوفاق الوطني محمد سالم باسندوة الاثنين 30 ديسمبر 2013 م بعجزه عن إقالة أي من الوزراء أو المسئولين الفاسدين، مبرراً ذلك الضعف بقوله عندما سأله أحد الصحفيين: لماذا لا تقيل الفاسدين؟ لو أخرج واحداً بايخرجوني هم".
1. جماعات العنف المسلحة
سواءاً في شمال الشمال أو في الجنوب وهذه بحد ذاتها أحدثت ربكة وتخوفاً للشأن الداخلي، أولاً بسبب طبيعة النظام الذي استبد بالسلطة واستأثر بالثروة وترك مؤسسة الدولة فارغة المحتوى ولا يعول عليها لمواجهة وقمع أي جماعة مسلحة سيما وأن هناك من استغل الغليان الثوري لتحقيق مخططات لأجندات خارجية تحاول جر البلد إلى مربع ما قبل ثورة 26ستمبر 1962م .
ثانياً تخوف الخارجي فانه يخشى من تفريخ هذه الجماعات المسلحة وتصديرها إلى بلدان أخرى، فبرغم تطمينات الناطقة باسم المجلس الوطني لقوى الثورة باليمن حورية مشهور حيث قالت للجزيرة نت:"إن أحزاب المشترك وقوى الثورة أعلنوا التزامهم بمكافحة الإرهاب، وأكدوا حرصهم على مكافحة الإرهاب بصورة صحيحة وشفافة كونه يضر بأمن اليمن واستقراره".
وأشارت إلى أن الملف الخاص بالإرهاب الذي تتخوف منه الولايات المتحدة والسعودية ظل نظام صالح يلوح به ويستخدمه بصورة غير رشيدة كفزاعة وللابتزاز السياسي وجلب الدعم المالي, وهذا من شأنه رفع توجس الدول التي تخشى على مصالحها من هذا الاتجاه.
2. الثورة المضادة
مثلت الثورة المضادة أكبر المنعطفات التى مرت بها ثورة فبراير 2011م ، وكنا قد تحدثنا عن أن المبادرة الخليجية سعت لإبقاء صالح وأركان نظامه بل وأحاطته بسياج الحصانة، وهذا وفر لصالح الجو المناسب لإدارة الثورة المضادة هو والناقمين على التغيير والذين تضررت مصالحهم بفعل ثورة الشباب، وقد قال الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح في مقابلة له على قناة العربية عقب الإطاحة بحكمه: "سنعلمهم كيف تكون المعارضة".
وتمثلت الثورة المضادة في العمل الدؤوب للحيلولة بين حكومة الوفاق وبين إنجاز المهام المناطة بها حتى لا يلمسها المواطنون فيلعنون الماضي البئيس، وبدأ مسلسل الثورة المضادة بمحاربة الخدمات العامة من تفجير أنابيب النفط والغاز، وضرب أبراج الكهرباء، والتقطعات، والاغتيالات، وفي ظل الثورة المضادة اُستخدمت كل الوسائل من أجل الانتقام ممن خرجوا إلى ساحات الاعتصام المطالبين بالتغيير.

ما أنجزته ثورة فبراير في اليمن
في ظل الصراعات الحالية والانتقامات سواءاً على ثورة فبراير أو ثورة سبتمبر وممن فجَّر أو تسبب في تفجير الثورتين، وكذلك التراجع الملحوظ لمطالب الثورة قد يجعل البعض يستغرب عندما نقول: منجزات ثورة فبراير، وهذا بالنسبة لنا أمر طبيعي، فلا يوجد خير محض إلا بالجنة، ولا شر محض إلافي النار والعياذ بالله، وهذا كله في الآخرة، أما في الدنيا فمحلها النسبِية، وكما أن هناك مفاسد فهناك مصالح تحققت، وبالحقيقة أن الوقت ليس دقيقاً لتقييم منجزات الثورة الشبابية الشعبية لأنها لم تنتهي ولا زالت مستمرة في صراع مع القوى التقليدية.
(إن عُمُر أي ثورة لا يزيد عن خمسة عشر عاماً لتتزامن مع الفترة اللازمة لازدهار جيل واحد) خوزيه أورتيغا جازيت.
ومع كثرة المنعطفات والعثرات التي مرت بها ثورة الشباب الشعبية السلمية في فبراير 2011م سواءاً السياسية منها أو الاقتصادية الداخلية أو الخارجية، وبرغم السخط على رواد التغيير الناتج عن تدني الوضع الاقتصادي وصنيع أصحاب الثورة المضادة, إلا أنه لا يستطيع أحد أن يكابر وينكر بأن ثمة أمور أنجزت ما كان لها أن تحقق لولا فضل الله أولاً ثم ثورة الشباب الشعبية السلمية، ومن أهم هذه الأمور:
1. حررت الثورة العديد من المناصب.
هناك مناصب لا يمكن النقاش أو محاولة الوصول إليها من المواطن العادي وكأنها اُستحقِت بنصوص قرآنية، ومن أهمها: منصب رئيس الجمهورية، ومن يقرأ تاريخ اليمن يدرك ذلك، وبغض النظر هل يدور البديل في فلك الثورة والثوار أم لا لكنه أول رئيس شافعي للجمهورية اليمنية عبر تأريخها، كما أنها حررت أحد أهم الوزارت السيادية، حيث مثَّل تعيين وزيرٍ للداخلية يتفق مع الرغبة الشعبية والساحات الثورية تمرداً صريحاً على الوصاية الخارجية وإن كان أمد بقائه قصيراً جداً إلا أن تغييره يأتي ضمن سلسلة النضالات الثورية .
2. كشفت لنا الكثير من الحقائق
أظهرت ثورة فبراير أهمية الجمهورية اليمنية أرضاً وإنساناً وما يمثلانه من دور في نهضة الأمة؛ وهذا جعل الأمور التي كانت تمارس من تحت الطاولة تظهر إلى السطح، ومنها: حجم المؤامرة الصهيوأمريكية والإيرانية والتدخل الأجنبي والوصاية الدولية التي يرزح اليمن تحت وطأتها من عام 1962م بالنسبة للشمال؛ أما الجنوب فهو منذ دخوله تحت ما يسمى بالانتداب البريطاني، وكان الحوار الوطني في 18 مارس 2013م خير شاهد؛ حيث كان منجزاً عظيماً بالنسبة لليمنيين لولا إعاقته من قبل المتغربين وأصحاب السفارات الذين دُفِعَ بهم للدخول فيه لغرض مغالبة من يمثلون الإصلاح الحقيقي ومواصلة المسيرة الثورية ما مكنهم من أن يتجهوا بمخرجات الحوار باتجاه لا يلبي متطلبات الشارع اليمني ولا ترقى إلى مستوى احتياجات المواطنين، ثم يأتي التدخل في الدستور الجديد الذي ينتظره اليمنيون بفارغ الصبر ويتابعون محطاته التي بدأت بفندق موفانبيك ثم ألمانيا الاتحادية ثم الإمارات ليصبح دستورنا عبارة عن خليط بين مخرجات حوار ممجوجة، وخلاصة أفكار غالبية ممسوخة، وبين مواد معلبة جاهزة.
وتبرز الوصاية الخارجية في دعم الأقلية الشيعية على الأغلبية السنية كما فعل الاحتلال الفرنسي بسوريا من تمكين العلويين سدة الحكم دون الغالبية السنية؛ وهذا ما تمارسه الوصاية الخارجية سواءاً بتمكين الشيعة المتمثلة بمليشيات الحوثي المسلحة من المناصب من جهة، ومحاربة الإسلام السني من جهة أخرى حيث تقف الطائرات الأمريكية بدون طيار جنباً إلى جنب مع مقاتلي مليشيات الحوثي.
3. الانتصار للقضية الجنوبية
ظلت القضية الجنوبية قيد الكبت منذ حرب صيف 1994م إلى بداية 2011م رغم النضالات والمطالبات المستمرة بوضع حل عادل لأبناء الجنوب؛ لذا نقول: إن ثورة اليمن ضد الفساد هي قبل أبو عزيزي وقبل كل ثورات الربيع العربي؛ حيث بدأ نشاط الحراك الجنوبي السلمي في أواخر 2007م وبداية 2008م مطالباً بعدة حقوق من أهمها: التوزيع العادل للثروة والوظائف، وإعادة المسرحين من وظائفهم، وكذلك الأراضي المنهوبة، ورفع الظلم والتهميش الذي مورس بحق أبناء الجنوب من قبل الطرف المنتصر بحرب صيف 94م، واستمر هذا النضال حتى 2011م حيث توج هذا المسار الذي شهدته المحافظات الجنوبية بامتداد الثورة الشعبية لثورة التغيير التي غيرت النظام وفتحت المجال أمام كل القوى السياسية للمشاركة وصولاً إلى مؤتمر الحوار الوطني واعتماد الأقاليم الستة .
وفيما يخص مخرجات الحوار الوطني يقول عضو الحوار الوطني عن مكون الحراك الجنوبي السلمي الصحفي والناشط الحقوقي زيد السلامي: " إنها حققت للجنوب الشراكة بنسبة 50% في السلطة, وبوجود سلطة الأقاليم والبرلمانات التي سوف تقودها أعطت هذه البرلمانات حق التشريع باعتبارها الأقرب إلى الناس، وهو ما يعزز الشراكة في السلطة والقرار والثروة" .
فالقضية الجنوبية نالت حظاً وافراً بفعل الضغط الثوري؛ حيث ختم مؤتمر الحوار الوطني بلجنة 16 أو 8+8 ومعناه: ثمانية من الجنوب وثمانية من الشمال، وكانت هي المعنية بالحل الجذري للقضية الجنوبية تمخض عن اللجنة وثيقة خاصة بحل القضية الجنوبية، ومن أهم بنودها: تطبيق النقاط العشرين المتمثلة بالحقوق، وتم التوقيع عليها من كافة المكونات السياسية، وفي هذا يقول القيادي في الحراك الجنوبي والمتحدث باسم مكون مؤتمر شعب الجنوب في مؤتمر الحوار أحمد القنع:"إن وثيقة حلول وضمانات القضية الجنوبية قد مثلت انتصاراً لليمنيين بشكل عام وأبناء المحافظات الجنوبية بشكل خاص، ولبت مطالبهم الحقوقية، والوثيقة لبت المطالب الحقوقية لأبناء الجنوب بشكل كبير".
4. القضاء على التوريث
نظام صنعاء هو الآخر كغيره من الأنظمة العربية التي تحكم حتى تنتهي ثم تورث ذلك الحكم لمن بعدها من الأبناء حتى وإن زعمت انخراطها بالديمقراطية وبعدها عن الملكية، فكما أعد الملك حسين بالأردن ابنه عبدالله للملك من بعده فعل كذلك نظيره السوري حافظ الأسد بإعداد نجله بشار لحكم سوريا، وكذلك الحال بمعمر القذافي ونجله سيف الإسلام، ومبارك ونجله جمال، كذلك صالح يفعل بنجله أحمد أسوة بغيره من زعماء المنطقة، بل أن في اليمن صار التوريث آكد من غيره من البلدان حيث كان التوريث أمراً لا مناص منه وكأنه قدر محتوم على اليمنين، وقد بدأ مسلسل التوريث قديماً ليس في منصب الرئاسة فقط بل نزل حتى إلى مستوى مدراء المدارس والمناصب العسكرية والمجالس النيابية، وكرس هذا الأمر في أذهان الناس حتى صار مألوفاً أن من مات يأخذ المنصب والرتبة نجله الأكبر حتى وإن كان قاصراً وشواهد هذا كثيرة في الواقع العملي.
5. القضاء على المركزية
حيث كان من أهم مقررات مخرجات الحوار الوطني تقسيم البلاد إلى ستة أقاليم بنظام فيدرالي اتحادي، وإن كنا نعتب على ذلك في ظل ترهل الدولة وضعفها وانتفاش مليشيات مسلحة تخدم أجندة خارجية وإقليمية؛ لأن هذين الأمرين من شأنهما تقسيم البلاد إلى دويلات صغيرة .
لكن في ظل وجود الدولة القوية ورفض الوصاية الأجنبية فإن الفدرالية مناسبة للتنافس والعمل الدؤوب للرقي بالأقاليم في كل المجالات سيما في ظل غياب المركزية التي قضت على الكثير من المشاريع التنموية.
وجاءت ثورة فبراير لينطلق اليمنيون بقارب الثورة لبناء دولة تتخلّص من عيوب المركزية التي قتلت الشعب.. ونحو الأقاليم الاتحادية تحت سقف الوحدة بجيش واحد وثروة واحدة وعلم واحد، وتبقى خصوصيات الأقاليم تأخذ مساحة من الحكم اللامركزي تتنافس إيجابياً وتتكامل، وحق المواطنة مكفول للمواطن اليمني، وحق التملّك في أي مكان، ولا يخفى على أحد نتائج تكديس الحكم في زمرة معينة وأناس محدودين وما أحدثه من إفراغ لمؤسسات الدولة جلبت ويلات يتجرعها أبناء الشعب اليمني إلى اليوم.
6. بروز المشروع الصفوي للعيان
المتابع يدرك أن هذا المشروع نشأ وترعرع على عين النظام السابق نظام صالح وبغض الطرف من النظام نفسه استطاعة دول إقليمية أن تتسلل لوذا لدعم هذه المليشيات دعماً لوجستياً والتي تمثل المشروع الصفوي وذراع إيران في اليمن، والذي يكون بمثابة طعنة في خاصرة الجزيرة العربية، فبعد ثورة فبراير أظهرت لنا التحالفات والانتفاش والانتشار لهذه المليشيات المسلحة ما يدل على حجم المؤامرة التي تحاك ضد الإسلام السني بالذات والنزوح نحو إعادة الحكم الإمامي في اليمن ثم الكسروي في المنطقة لتصبح إمبراطورية فارس بإيران الموازية لإمبراطورية الروم المتمثلة اليوم بأمريكا والغرب.

وفي الأخير: يمكننا القول بأن هناك قاعدة للتغيير لا تتغير ولا تتبدل ولا تجامل أو تحابي أحداً، ولا يمكن لأحد تجاوزها في أي زمان ومكان وهي قوله سبحانه وتعالى: (( لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ)) وهذا لا يعني أننا لم نقدم شيئاً، فالكل يدرك بأن المد الثوري والمتطلعين للتغيير قدموا الشيء الكثير حسب المُكنة والوسع وفي هذا اختبار لقدرات الأفراد والجماعات والأحزاب يعرف من خلاله مدى أهمية الوعي لدى الشعوب وقابليتها للتغيير، فموسى عليه السلام لم يستطع الإطاحة بملك فرعون إلا بعد أن أدرك ما يختلج في قلوب السحرة من قابلية للتغيير مكنتهم للثبات أمام أكبر طاغية حين قال لهم: (( لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ )) فاستطاعوا حينها أن يقولوا له: (( قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ ))
كما أنه بين لنا مدى ما تملكه القوى التقليدية ومن تستعين بهم من مكائد ودسائس تستخدمها لتخدير الشعوب، والحيلولة بينها وبين سنة التغيير، بل استطاعت هذه القوى أن تحد من تطلعات الشباب والجماعات والأحزاب الثورية؛ فبدلاً من المطالبة بالتغيير صاروا في الآونة الأخيرة يبحثون عن الاستقرار فقط، والمحافظة على المكتسبات السابقة التي حققوها في ظل حكم النظام السابق الذي خرجوا عليه، والمسلمون الموحدون هم وحدهم من يدركون أنهم سواءاً تحقق لهم ما يريدون أو لم يتحقق أن ذلك هو استمرار لسنة التدافع بين الحق والباطل والذي سيستمر حتى قيام الساعة؛ ولأنها سنة كونية: ((سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا)).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.