في مرحلة مفصلية حساسة يمر بها الوطن كان لا بد من إستنباط الكثير من المفاهيم و القواسم المشتركة و حلحلة بعض الخيوط و وضع النقاط على الحروف في مسيرة الوطن , مع تصادم الولاءات و تقاسم الإنتماءات و تشرذم الدوافع الآنية و الأنانية يصبح الوطن في هامش الإهتمام و التفكير و لا يحظى بتلك الدوافع الغريزية المبطنه المأهولة بمعاني العشق و الذات للدفاع عنه و السعي الى سؤددة و علياءه, بدا ذلك من تعامل مختلف الأعضاء و القواعد الحزبية و السياسية مع متغيرات الواقع اليمني بكثير من الفتور و الإهمال و تفاوت الأهمية. و لأن مكون أنصار الله في واجهة الأحداث, و أجبرته الطروف قسراً لا طوعاً أن يكون في الصدارة, كان لابد من دق ناقوس الخطر الذي بدأ يتفشى بين بعض مريدية و أتباعه و تحركها الدوافع الحركية و العقائدية للمكون بعيداً عن الولاء المطلق للوطن ككل , بدا ذلك في كثير من المواقف المتناغمة مع أهداف الحركة و عقائدها و أدبياتها التي لها الحق المطلق في تكوين باكورة و مسيرة معينة لشبابها و قواعدها الحركية وصولاً الى قياداتها , إلا أنها و على حين غفلة تناست الوطن , و حينما ندرك الفوارق الجلية للتميز بين الولاء للوطن و الإنتماء للحركة تأتي مساحة التفضيل في طرح مصلحة و إعتبار الوطن أولاً و فوق كل شئ , هنا نستطيع القول أن الولاء غلب الإنتماء و عكس ذلك يكون محلاً للتذمر و التندر أن تكون أولويات و أهداف الحركة الفتية و إن تباينت مع جوهرها في تصادم مع أولويات و اهتمامات الوطن , سنطلق عليه تحالف المصالح و نقاط التقاء المنافع بين كليهما, حينما تلتقي المصالح تسوق نفسها كأدوات نفعيه تخدم الشكل الجمعي حينما تفترق و تتباعد تصبح مجرد فوارق متوازية لا تلتقي قد تسهم في تقويض المجتمع و زيادة حدة وطأته و إنهاكة مع العدوان في ظل الحرب, المسافة الفاصلة و المساحة بين الحركة كمكون شعبي و سياسي و تصدر الثورة و بين الوطن الأم قد تؤدي إن تمت بشكل تلقائي و عملي مفيد الى ولادة '' سلوك قويم '' ينفع المكون أولاً و يعود على المجتمع بالخير و الفائدة. حينما سئل آرثر شوبنهاور عن '' السلوك القويم '' فشبهه بقصة غاية في الروعة مستقاه من بلاغة التشبية و الإيجاز , عن مجموعة قنافذ تاهت في الصحراء و إذ هي على هذا الحال تبحث عن الغذاء حل عليها البرد فاقتربت من بعضها البعض لتلافي برودة الطقس فآلمها وخز الشوك فافترقت لتعاود ملاقاة البرد و هكذا حتى وصلت فطرياً بحكم غريزة البقاء الى مسافه و فاصلة تنعم فيها بالدفء و تذود بها عن البرودة تسمى ب '' المسافة السحرية '' , مسافة آمنة حينما يتبناها أعضاء مكون ما سيكون هناك '' سلوك سياسي قويم '' في التعامل مع أبجديات و متغيرات السياسة اليمنية بكثير من المرونة و المثالية العالية و تكون بحد ذاتها همزة الوصل و إلتقاء المكون و الوطن في بوتقة واحدة , و تضع أولويات الوطن فوق كل الاعتبارات الحزبية و الدينية و الإيديولوجية الضيقة , قد تتوج بالحوار و التفاهم على وضع اللمسات الأخيرة لآلية مواجهة العدوان كسقف وطني و مبدأ ثابت لا يمكن التفاوض عليه و الحياد عنه, و بذا يمكن تجنب الكثير من التصادم في التقوقع في مفهوم الحركة و الحزب و بين الإنطلاق في فضاء الوطن الفسيح. كانت موجة الفساد العقدية التي تنخر في عظم اليمن على مدى عقود عديدة و بصورة مزمنة و متوارثة , ورثتها الحكومات و الأنظمة المتعاقبة , كثقافة فاسدة و عادة مؤطرة مع التركة الثقيلة التي حملها أنصار الله تضع المكون في مواجهة القوى الجماهيرية مع الفراغ السياسي و الدستوري الحاصل أضف الى ذلك العدوان و التآمر الخارجي مع تحرك دؤوب للقاعدة في مختلف بقاع الوطن وضعت الحركة في مرمى سهام المسؤولية , و إن كان الحمل ثقيل .. و التركة ثقيلة إلا أن هناك ملامسات و عوازل إدارية كان لا بد من القيام بها و إتباعها في مواجهة الصلف الخارجي و التقليل من حدة الوضع المتأزم على المواطن , عبر تعيينات إدارية ترقى الى طموحات الشعب في مرحلة أحوج ما يكون فيها الوطن الى حسن الادارة في مرحلة حرب و مخاض عسير و حصار إقتصادي و مخاطر عديدة, مع إنتشار رائحة الفساد من المتسلقين او المخترقين أو من رموز التركة الماضية المتعاقبة أو .. أو .. التي أزكمت أنوف الصحافة الداخلية و وصلت إلى الاعلام الخارجي !, لن نجد أنفسنا و إن كنا مع الحركة في صف و خندق واحد و نلتقي في نقاط تقاطع و تلاقح تخدم الوطن , إلا أننا نقف أمامها و بشدة و ندين هذا العبث الحاصل في سوء إدارة أمور و شؤون الدولة الإدارية و المالية و مواردها الحيوية و إن كانت بصورة مؤقتة, و العبث في السوق السوداء و المتاجرة و الإبتزاز و القائمة طويلة من الإنتهاكات الصارخة وصل رحاها الى الحدود و المنافذ التي لا يمكن السكوت عليها و غض الطرف عنها. و كون أن مكون أنصار الله لن يكون بأية حال من الأحوال بديلاً للدولة بديهية متفق عليها , إلا أن المرحلة الإنتقالية تحتم على قيادته تحمل المسؤولية الأمنية و الإدارية للوطن , و إمتصاص حدة الداخل و قطع دابر الفساد الذي قامت الثورة لأجلة و كسب تعاطف أغلبية المجتمع بناءً عليه, التعامي عن الفساد قد يسبب في إندثار الحركة تدريجياً و إنكماشها شعبياً في ظرف أشد ما تكون أحوج إليه للتلاحم الوطني , كما تلاشى و اندثر قبلها الكثير من الاحزاب في مواجهة الرأي العام , و الإنكفاء على الذات في مواجهة الحقيقة و المبادئ و الأدبيات التي قامت عليها حركة أنصار الله بتعريفها الجوهري كعنوان ثورة و صمود ضد الفساد و المضلومية معاً و نصرة للحق و الذود عن القيم و المبادئ الإنسانية السامية التي تدعو اليها . كانت موجة النقد التي تبناها البعض إلى حد ما فيها الكثير من المجاملة و المداهنة و تمييع الحقائق و تزييف الوقائع في مواجهة الذات أولاً من قبل كتاب و صحف الداخل , التي لم تألو جهداً في كشف الحقيقة كاملة و القول بصريح العبارة أن هناك أخطاء كارثية و تجاوزات عديدة يجب أن يتم تلافيها على وجه السرعة بحلول طارئة , هنا تأتي فلسفة المسافة الجوهرية بين شوك الفساد و برودة تآمر الخارج .. بين الولاء للوطن و الإنتماء للحركة و الذات اليمنية , هنا تتجلي منطقية أولوية حب الوطن و بين مصداقية التحرك الذاتي لأجل أشخاص و قيادات معينة لكسب مواقف ضبابية آنية , و بين الحقيقة وحدها التي ستتوج الحركة مجدداً على رؤوس الخلائق. شخصنة الوطن تلك الطامة الكبرى التي أهلكت من قبلكم ! في تمجيد شخصيات و قيادات و الدفع بها الى حيز الإنتفاخ و الغرور الزائف و تبني مواقفها و أفعالها كثوابت راسخة لا يمكن الحياد عنها بدون تقديم و إبداء الرأي و المشورة و تصحيح الأخطاء و الانتقاد ووو, في خضم العمل التنظيمي و السياسي المتعارف عليه, الذي ساهم في رقي و تزكية أكثر الحركات الوطنية تقدماً لتجعل منها عالمية و تتصدر مواقف أغلب الحركات التحررية في أقطاب العالم , أعود و أقول أن لمكون أنصار الله الحرية في إدارة حركته و مسؤولياته بالطريقة التي يريدها و لكن حينما يصبح الأمر متعلقا باليمن ككل .. فالوطن و اليمن أولاً .. شيطنة أنصار الله من قبل البعض و الأطراف المتآمرة مع الخارج تصطاد في مياه الفساد العكرة و تستخدم التذمر الشعبي العارم أدوات لتجنيد شباب و أقلام تسهم في سهولة الغزو و أداء العدو مهمته على أتم وجه, أليس الأحرى تجنيب الكلفة الشعبية الباهضة و الأنصار بتعيين قيادات وطنية لا غبار عليها في إدارة شئون البلاد .. حرب الخارج في موازاة مواجهة الداخل لكسب موازين القوى و التغلب على المؤامرة التي تحيق باليمن , و بغض الطرف عنها .. بدون شعور قد نصبح نحن أدواتها من حيث لا ندري .. ليس المطلوب أن يكون المكون ملائيكاً قدسياً بل كحد أدنى من معايير المسؤولية بالتزامن مع الحراك الحربي و السياسي لسد الثغرات و انتشال الوطن من محنته , و أداء الامانة و المسؤولية التأريخية على أتم وجه ..فالمعركة أخلاقية في الوطن قبل ان تكون حربية , كما هي في الميدان يجب أن تتناغم في أروقة السياسة و الإدارة و العمل التنظيمي للمكون ككل .. أقول هذا و الله من وراء القصد ,,,