لم يمضِ منَّا سوى العمر ونحن باقون نبحث عن موطئ للغياب يا صديقي عرفنا معاني الضياع حين بدأنا نحسُّ بأنَّا قليلون على هذه الارض وأن الديارَ خاليةٌ من دفئها والتلالَ التي -في زمان- غشاها اخضرارُ الشجر راكمت عمرها في فصول الخراب سنينَ طويلة صمتنا "وحيدين" منذ أن غادرَتنا رياحُ "نِشَام" وحين افتقدنا سهولَ القمر نقشنا على ليلِ أوجاعنا جداريةً للكلام ورحنا نفتش عنّا ونبحث عنّا... لم نكن قد عرفنا بأنّا تركنا البلاد لحظة أحلامنا وأنا نتوه بعيداً وراء نحيب القصائد ولمّا نراها تضيع رويداً وتنمو على كتفيها المكائد نعود إلينا لنرسم كرّاسةً للطفولة ونشعل صوت التلاميذ في الذاكرة وتلهج فينا أغاني السحاب لنلهو على ساحة "ماطرة" ونلقى وجوه الصباح البعيد عليها شتاء الضباب تطالع أعمارنا الحائرة... لنبعٍ تساكب من صخرة على زهرة ذاوية لليل "جحاف" يجهز بعضَ السماء وشاحاً من البرق وصرخةَ رعد ثم ينزُّ على واديٓهْ لصوت الصبايا، يعُدْنَ من البئر يسرِّجْنَ صَهْوةَ الأمسيات إلى كرمةٍ نائية نعود، نوزع اشواقنا ياصديقي الأثير فما زال "ضالعنا" واقفاً عالياً... ونحن البعيدون، إذا ما ابتعدنا سنتعب من وقفة عالية