الحرب انتجت طبقتها. طبقة مستنفعة من رائحة البارود ،وشواء الاجساد ،وتخثرات الدم. مستنفعة من اصوات الهاوزر والصواريخ والكاتيوشا ومضادات الطيران، والسيارات المفخخة، ومن عويل النساء والاطفال والمشردين. مستنفعة من طوابير الغاز، والبترول والماء. مستنفعة من الاسواق السوداء للمشتقات النفطية ومواد الاغاثة والدواء. . مستنفعة من حصار المدن وتجويعها وتعطيشها ،ومن تكميم الافواه ومصادرة الحريات. .مستنفعة من نهب وتهريب السلاح والمتاجرة به، ومن الجهاد باسم الله والدين والوطن، وحق السلالة والطائفة في الحكم . طبقة تنمو وتكبر وتتجذر وتتشابك مصالحها، التي تبدو احيانا متعارضة، في تركيبتها الفوقية، ، لكنها في الاصل متصالحة تماماً ومتفقة على الغائنا، من اجل ان تبقي وتستدام دون غيرها. طبقة تتمدد اذرعها (الأخطبوطية) الصلبة في ثلاث قارات، واكثر من عشر عواصم (بيروت، طهران، الرياضإسطنبول، دبي، القاهرة، عمانمسقط ،صنعاء وعدن و...) طبقة ليست غريبة ،او مستنبتة في الفراغ ومنه، هي منا ،تعرفنا جيدا ،كما نعرفها اب عن جد، حضرت باستنباتتها التاريخية ،منذ خمسة عقود في كل مآدب البلاد ومآتمها، تتبادل ادوار البطولة، للتمثيل على هذا الشعب البائس والتمثيل به، تتفق من اجل نهبه وتختلف لتتقاتل بأبنائه وتقتلهم، في حروبها المدنسة. طبقة تستثمر الان في نتاج عقود طويلة، من الفساد التجهيل والتفقير والفوضى وغياب الدولة، وانتاج ثأرت السياسة ،وارتهان القرار الوطني، وغياب الديمقراطية . طبقة اقرب في لعبتها المستدامة الى راكب دراجة العجلة في السرك، الذي لا يريد لها ان تتوقف و الا سقط من فوقها. طبقة تتقوى نواتها الصلبة، في كل يوم حرب، تتجاوز كل حساسيتها الاجتماعية والمناطقية والمذهبية ،تاركة غبار ذلك، وضجيجه الاعلامي للسذج والبائسين في مناطحتهم للهواء. وبعيدا عن المجاز وفذلكة اللغة، سنقول ان المقيمين في فنادق الرياض وقصورها لا يريدون للحرب ان تنتهي ، لان اي تسوية سياسية ستتجاوزهم، وان منافعهم، المالية والسياسية، كأشخاص وعائلات تتعاظم من استمرار الحرب، فهم لا يخسرون شيئاً، فأبنائهم واقربائهم، لم ولن يكونوا في يوم من الايام وقودا في هذه الحرب، التي يسعرونها ويهيجونها من مستقراتهم الآمنة. ساكني (طيرمانات) صنعاء من (المتحوثين) وساكني كهوف صعدة (من الحوثيين) ومخابئ النهدين من (العفافيش)، تخدمهم هذه الحرب، ولا يريدون لها ان تنتهي، فعائدات السوق السوداء من بيع المشتقات النفطية، وتجارة العملة وبيع السلاح، ومواد الاغاثة وتجريف المؤسسات، ومن بيع الوهم ايضاً ، تخلق منهم يومياً رجالات نفوذ ،يصنعون في ايام قلائل، على نحو كيف تصبح حاكماً في خمسة ايام؟! وهي قبل هذا وذاك تُشعر المرضى من (زعاماتهم) انهم لم يصبحوا بعد خارج المشهد، ولا يزالون فاعلين فيه بقوة الطباع، ورهاب القتل. لهذا يظنون ان التسوية السياسية، ستفكك حلفهم الطائفي ،والتزاماته تجاه الالاف من الانصار والمقاتلين ، ومنتسبي السلالة الموعودين بنعيم السلطة، والذين قد يتحولون، في حال التسوية، الى حزام ناسف في (حقو) الجماعة والطائفة. راكبي موجة (المقاومة) ،من اللصوص والمدمنين وتجار الممنوعات والحروب في مدن الجنوب (المحررة)، وتعز ومأرب والبيضاء واب وبقية المدن ، لا يريدون لضروع الحرب ان تجف، وهي بفوضاها وجنونها، توفر لهم موارد رزق سهلة، من البلطجة والقتل والنهب والتعدي على الممتلكات والحرمات. كيف يمكن لجماعات الجهاد والعنف والارهاب، ان تتخيل امكانية انتهاء الحرب، وهي التي سقطت عليها كهدية سماوية، ومن الجنون التفريط فيها. فليس هناك من نعمة اكثر من نعمة الحرب والفوضى وغياب الدولة، حتى تتمدد وتنجز حلما روادها طويلاً، في اقامة اماراتها، بمقومات سلطة ناجزة من المال والجغرافيا والمقاتلين المدربين بعتادهم الخفيف والثقيل ،الذي قذفت به امواج الحرب الى شواطئهم ، بقليل من الجهد وكثير من التنظيم !!. هذه هي طبقة الحرب (العابرة للطائفة والجغرافيا والتراتب الاجتماعي)، الصاعدة بقوة الصاروخ من اوجاع البلاد وتشظيها، و التي لا تريد لأصوات الرعب ان تصمت ،ولا لرائحة الموت ان تنطفئ ، لأن ذلك هو الشريان الممتلئ الذي يمدها بالحياة ، ولا تريده ان يتيبس ويجف