إلى قبل أسابيع من التدخل العسكري الروسي في سوريا,كانت دول الغرب والولايات المتحدة على وجه الخصوص تقول ان الحرب على تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) سيستغرق وقتا طويلا, قد يمتد لسنوات عدة. فوزير الخارجية الأمريكي (جون كيري) قال أثناء إنعقاد قمة حلف شمال الاطلسي في مدينة (ويلز) أن الحرب على (داعش) سيستغرق ثلاثة أعوام على أقل تقدير. والشيء ذاته ردده المتحدث باسم وزارته (الأدميرال المتقاعد جون كيربي) ,بل لقد ذهب هذا الأخير الى أبعد من وزير خارجيته, حين قال أن الحرب قد تستغرق قرابة خمس سنوات للتغلب على ما وصفه بعدوان تنظيم داعش, كاشفا عن مماطلة بلاده بهذه الحرب من خلال مرحلَة الحرب - أي وضع لها عدة مراحل- حدّدها بثلاث مراحل طويلة المدى, تبدأ بمرحلة الحرب الجوية التي تشمل145غارة دوية –لاحظ هنا عدد الغارة ! ,فهذا الرقم نفذته الطائرات الروسية خلال يومن تقريباً- أو ما عُرفت بمرحلة حماية الاقليات والبعثات الدبلوماسية ,وانتهاءً بمرحلة ما عُرِفَ بتدمير الجيش الإرهابي ,معترفا في ذات السياق بان إدارة الرئيس أوباما تفتقر لاستراتيجية كاملة لهذه الحرب.! نفس مفردات هذا الخطاب تقريبا, ونفس لغة التسويف وعن نفس الفترة الزمنية تحدث الرئيس( باراك أوباما ) في أكثر من مناسبة. وبخطاب متشابه إلى حد التطابق تحدث قادة الدول الغربية الحليفة للولايات المتحدة بهذه الحرب, وعلى وجه الخصوص فرنساوبريطانيا. اليوم تغير الخطاب الأمريكي الغربي تجاه الحرب على داعش وبالأخص من ناحية الفترة الزمنية المتوقع ان تأخذها حتى القضاء على هذا التنظيم المتطرف أو إضعافه في سورياوالعراق على الأقل, كما تغيرت حدت اللهجة الإعلامية والسياسية حيال هذا التنظيم , فقبل أيام عبر الرئيس أوباما عن أمله بأضعاف داعش بالأشهر القريبة, بل والأغرب من هذا اشادته بالدور الروسي في سوريا. وبعد أن كانت تصريحات المسئولين الفرنسين والانجليز أيضا تتصف بالنعومة واللين, بل وحتى التملق لداعش نراها اليوم بعد أن ضرب داعش قلب عاصمة النور والجمال, وبعد التدخل الروسي المباشر قد أرتفعت وتيرة وحدة خطاباتها السياسية والاعلامية والعسكرية الى أعلى درجات الوعيد والتهديد بوجه الإرهاب متزامنا هذا الخطاب مع إجراءات عسكرية على الأرض تمثلت بتكثيف الضربات الجوية على مواقع ومراكز إمدادات حيوية مثل خزانات وناقلات النفط, فضلاً عن إرسال حاملة الطائرات (شارل ديجول) الضخمة الى شرق المتوسط, في خطوة تعبر عن درجة هاجس الهلع لدى الفرنسيين وحالة القناعة بضرورة محاربة هذه الآفة العابرة للقارات محاربة جادة بعد طول تمنّع وخداع. والحال مشابه لموقف بريطانيا التي تعهد رئيس وزرائها قبل ثلاثة أيام بالمشاركة الفاعلة بهذه الحرب جنبا الى جنب مع شركائه الأوروبيين برغم رفض معارضيه داخل مجلس العموم الواقعون تحت عقدة وكابوس مشاركة بلادهم بخطيئة غزو العراق عام 2003م.! لا يعني بالضبط ان الغرب وأمريكا قبل شن روسيا الغارات في سورية كانوا غير جادين بمحاربة داعش الى درجة التماهي مع داعش والتعايش معها, ولا يعني أيضا انهم بعد الغارات- الروسية وهجمات باريس وعملية فندق (راديسون ) بالعاصمة المالية باماكو- قد أصبحوا على قناعة 100% بمحاربة هذا التنظيم وبأقصر مدة ممكنة. ولا يعني أيضا أن هذا التعاطي الغربي الى قبل الأحداث الاخيرة المشار اليها آنفا يعني فشلا عسكري كما يعتقد البعض. فكلما بالأمر ان أمريكا وأوروبا ومن خلفهما إسرائيل لا يريدون القضاء كليا على داعش والتنظيمات الارهابية المشابهة له مثل النصرة وأحرار الشام , بل هم يريدون اضعافه وجعله تحت السيطرة وابقائه كأداة ضغط وتركيع ضد خصومهم بالمنطقة العربية مثل النظام السوري وإيران والحكومات العراقية المتعاقبة, ووسيلة ابتزاز بوجوه حلفائهم مثل المملكة العربية السعودية ودول خليجية أخرى لاستحلابها ماليا واقتصاديا , جمهورية ومصر العربية ولبنان وغيرها من دول الشرق الأوسط, كامتداد لذات السياسة الابتزازية التي اتبعتها هذه الدول -أي الدول الغربية- منذ عقود, حين استخدمت منذ الحُقبة السوفييتية المنصرفة وسيلة تخويف وترويع من الخطر السوفييتي المزعوم بوجه حلفائها العرب وغير العرب بمنطقة الشرق الأوسط ودول شمال أفريقيا مخترعين لهذا الغرض تنظيم القاعدة بتمويل مالي وبشري عربي. قبل ان يكتشفوا أن هذا التمساح الداعشي المفترس قد انطلق من قفصه يفترس الكل دون تمييز بين ضحاياه, ولم يعد تحت السيطرة كما ظن واهما هذا الغرب المخادع .! وكلنا نعلم من أي رحم ولد تنظيم القاعدة وكيف استخدمت هذه الدول هذا التنظيم بعد سقوط المعسكر السوفييتي بذات الطريقة ولنفس الغرض الذي يتم اليوم مع تنظيم الدولة الاسلامية أو لنقل الى قبل التدخل الروسي والهجمات الدامية التي شهدتها باريس خلال الأيام القليلة الماضية. -إجمالا يمكن القول ان التغيُر الغربي الايجابي الذي تبدأ لنا جلياً بالأسابيع الماضية تجاه الحرب على تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) يقف خلفه : أولا:التدخل الروسي الذي حفّز هرمون الخوف والقلق لدى هذه الدول من الهيمنة الروسية بالمنطقة واستعادت الدب الروسي المكشر عن أنيابه ومثالبه منذ أحداث أوكرانيا وما بعدها لوجوده بهذه المنطقة الحيوية التي كان تخلى عنها منذ انهيار الاتحاد السوفييتي بتسعينات القرن الفارط. ثانياً: الهجمات الدموية الخطيرة التي شهدتها باريس وأوجدت حالة من الهلع لدى فرنسا وأوروبا بل والغرب كله, استشعرت أوروبا على اثرها الخطر الداهم عليها ,بعد ان كشفت هذه الأحداث الدامية قدرة هذا التنظيم الهائلة على التحرك والتخفي وحشد أعداد كبيرة من المتطرفين الاوروبيين وغير الأوربيين, واكتشافهم مدى التضخم والتوحش الذي بلغه تنظيم ديني متطرف لا يتعدى عمره عامين ونيف.! *صحافي من اليمن -عدن