وبعبارة اكثر دقة وهي متداولة في المحاكم وفي المعاجم القانونية ، تقو ل "انتهاك حرمة القضاءContempt of Court" زار وفد من البرلمان البريطاني مدينه عدن بعد أسابيع من انتهاء الحرب الاهلية المعروفة ب "احداث 13 يناير 1986م"، وكان في استقبال الوفد الاخ علي سالم البيض . باشر الوفد البريطاني مستقبلية بسؤال واحد كان هو محور ذلك اللقاء . والسؤال هو : " كيف هي أحوال القضاء في عدن ؛ هل هو مستقل عن السلطة الحاكمة ؟" ولم يهتم الوفد البريطاني بأي شيء أخر ؛ فقد كان يقصد أرسال رسالة واضحة لمستقبلية وهي : ان اليمن الديمقراطي بدون قضاء مستقل لا يمكن ان تقوم لحكومته قائمة بعد أحداث يناير ؛ وبأن هدف الزيارة هو معرفة ان كان القضاء مستقلاً عن الحاكم أم لا ؛ فان كان غير مستقلٍ فلن تجازف عندئذ لا بريطانيا ولا دول الاتحاد الاوربي التي يتحدث الوفد بلسانها ايضاً، في اقامة علاقات دبلوماسية أو اقتصادية مع اليمن الديمقراطي. على مقربةٍ من مقر الرئاسة في صنعاء ، يقع مبنى الهيئة الوطنية العليالمكافحة الفساد . وفي هذا المبنى تعين لإدارة نشاط الهيئة نفر مؤلف من احد عشر عضوا ، لا عيب فيهم سوى أن القرار الرئاسي رقم 54 لسنة 2013م الذي تعينوا بمقتضاه جاء مخالفاً لقانون مكافحة الفساد رقم 39 لسنة 2006م ؛ وترتب على تلك المخالفة انتهاك الرئيس هادي لصلاحياته الدستورية وهي الصلاحية التي تلزم رئيس الجمهورية بأن يتقيد بنصوص القانون المختص عندما يصدر بتنفيذه قراراً في اي موضوع كان ؛وبالمناسبة، سبق وان اصدر الرئيس صالح قراراً مشابهاً في يوليو 2007م بتعيين احد عشر عضواً(( الهيئة الاولى )) ولكن ذلك القرار من دون تزلف او نفاق، كان نظيفاً من اية عيوب قانونية او دستورية! وبالنظر الى تلك المخالفة للقانون وذلك الانتهاك للدستور في قرار تعيين الهيئة الثانية ، طعن القضاء في مشروعية قرار التعيين وحكمت المحكمة بالغاءه وابطال مفعوله منذ تاريخ صدوره في 16 سبتمبر سنه 2013م بموجب حكم المحكمة الابتدائية في 12/1/2014م الا ان هذا الحكم تم استئنافه لدى محكمة الاستئناف التي فصلت فيه بتأييدها لحكم المحكمة الابتدائية في اكتوبر 2015م؛ فرفعت "الرئاسة الجديدة " طعناً بحكم محكمة الاستئناف الى المحكمة العليا والتي تولت بدورها رفض الطعن وايدت حكم المحكمة الابتدائية للمرة الثانية وجاء حكمها "باتا"في تاريخ 11/ 8/2016م! وهذه سابقة قضائية نادره في دعوى قضائية يصدر بها ثلاثة احكام تباعاً وعلى ثلاثة مستويات بينما موضوعها سهل وهو "قانون" ؛ هل حصل انتهاكه ام لم يحصل؟! ليس فيها منازعات على اراضي أو املاك ولا خصومات في حقوق تجارية ولا شيء من هذا القبيل حتى تستحق ان يصدر بها ثلاثة احكام قضائية وانما تستحق ان تسجل في "موسوعة جينيس" للأحداث النادرة ! ولكن الاغرب من "نُدرة هذا الحدثالقضائي " هو ان الاعضاء الذين شملتهم الاحكام القضائية الثلاثة لا يفارقون مكاتبهم حتى اليوم بعد مرور ما يقارب المئة يوم من حكم المحكمة العليا البات ، وهو الحكم الذي تبعه صدور حكم المحكمة ب" التنفيذ" ورافقه صدور قرار النيابة العامة ب"تحريز" ختم الهيئة وهو القرار الذي استفز وحفز افراح بادويلان على رمي القرار في السلةوخوصصةختم الدولة وسحبه من المكتب الى البيت وكأنه ختم "مطعم شعبي مملوك لها وليس ختم هيئة"!! فهل من المقبول ان تصلبها الحالة الى هذه الدرجة من الجهل والغطرسة ويبلغ بأفراح بادويلان الطيش ذروته لتتحدى احكام القضاء وتزدري قرارات النيابة وتُرمي بها في زبالة مكتبها كما ترمي أقفاص السجائر الفارغة ؟! هي تدرك من دون ادنى شك بانها بفعلها المنكر هذا تطعن في استقلالية وحيادية القضاء فقد كانت قاضية يوما ما ! . استقلالية وحيادية القضاء هما الشرطان الوحيدان لسيادة القضاء ولهيبة القضاء ، والطعن في احكام القضاء وتسفيهها بعدم تنفيذها فيما لو اقتدى بها المارقون من القانون وهم كثرُ في اليمن ، فسوف يعني هذا شطب القضاء من منظومة الحكم في صنعاء والغاء الدور الانساني الذي كان يلعبه وهو دور المرجعية الاخيرة لكل مكونات المجتمع اليمنيمن مواطنين ومنظمات ومؤسسات وأقليات عرقية ومذهبية بل ومرجعية اخيره للحكومة ذاتها ولمرافقها العامة ؛ ويعني ذلك ايضاً بروز مظاهر اجتماعية واقتصادية وسياسية مزرية ومنها دون حصر : - تفشي الفساد واستقواء الفاسدين في البلدو - تنامي الشعور عند عامة الناس "بالإعجاب" بالأشخاص المتحديين للقضاء وكأنهم ابطال شعبيون و - تكريس ظاهرة "السِمخ" في المجتمع ؛ وهي الظاهرة التي نشرتها "الصفوة" الفاسدة بين صفوف الناس لتحبيب صورة "السارق" ( او السارقة ) المتحدي الاكبر ليس للقضاء فحسب ، بل وللقانون بصفة عامة ، لكي تتغير النظرة العامة عنه من رجل مارق، او امرأة مارقة من القانون الى بطل شعبي او بطله شعبية!! اليمن اليوم أكثر من اي وقت مضى تحت المجهر بسبب الاحداث الجسام التي تفوق في ضراوتها احداث يناير 1986م.. بمعنى ان الانظار الخارجية متجهة اليها لترصد كل صغيرة وكبيرة تحصل فيها واول ما ترصد هذه الانظار هو "موقع القضاء من منظومة الحكم ؟" فماذا لو رصد الخارج الاستهتار السافر لأفراح بادويلانبالقضاء في صنعاء وتسفيه أحكامه وازدراء قرارات النيابة العامة؟!. المراقبون الاجانب سيبنون مواقفهم ليس على استهتار أفراح بادويلان بالقضاء والنيابة وانما على الموقف السلبي للسلطة الحاكمة في صنعاء ووقوفها كالمتفرج على مثل هذا الاستهتار. لذلك ، ليس من قبيل الصدف أن ابدأ مقالي هذا بذلك اللقاء الذي تم في عدن بين وفد البرلمان البريطاني والسلطة الحاكمة في عدن في مطلع شهر مارس عام 1986م ، لتسليط الضوء على اهتمام الأمم بسيادة واستقلالية القضاء حتى في احلك الظروف؛ والشبه كبير بين الحدثين! فلا يكفي ان نكتب في مناهج طلاب كليات القانون بأن القضاء له حرمته التي لا يجوز المساس بها ويجب احترامه وتنفيذ احكامه والطعن فيها بالطرق والاجراءات القضائية وليس بالزيارات الممجوجهلمكاتب اصحاب السلطة السياسية في البلد بتعطيل احكام القضاء بالتمديد واحراجهم امام الشعب في الداخل وامام دول الخارج وخصوصا تلك الدول التي تتربص بهم!! لمتابعة قناة التغيير نت على تيلجيرام https://telegram.me/altagheernet