قدم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام"داعش" أسوأ وأفظع صورة في الإرهاب, وعدم القبول بالآخر, والإنغلاق على الذات, والراديكالية, في هذا العصر الذي يشهد فيه العالم تحولاً كبيراً نحو الديموقراطية والحرية والمساواة وغير ذلك من القيم الإنسانية السامية. لكن الصورة التي رسمت ملامحها حركة "الحوثيين" في اليمن فاقت, في سوءها وفظاعتها, تلك الصورة-التي قدمها تنظيم داعش- في الإرهاب ورفض الآخر وإستخدام العنف والقوة للوصول حكم البلدان والمناطق, غير إن الصورة التي قدمها الحوثيين لم تحظى, لأسباب ما, بذات الإهتمام الذي لاقته صورة تنظيم داعش لدى الرأي العام الإقليمي والدولي. قد يتهمني البعض بالمبالغة في هذا الرأي, لكن ثمة مقارنة سريعة يجريها المتابع بين الصورتان التي قدمها كل من حركة الحوثيين وتنظيم داعش-كلٌ على حده-, إن من ناحية السلوك والممارسات كالقتل والإرهاب وتكميم الأفواه والعنف وغير ذلك ذلك من الأعمال اللا أخلاقية التي يمارسها داعش والحوثيين, أو من ناحية المعتقدات والأدبيات لديهما, توصل المتابع إلى إستنتاج رأيي هذا في إن صورة الحوثيين أكثر سوءاً وفظاعة من صورة داعش. داعش الذي يرى الجميع بإنه قد حطم الرقم القياسي في الإستهانة بأرواح البشر لم يصل بعد إلى درجة إن ضمن لعناصره دخول"الجنة" كمكأفاة لكل من يقتل جندي تابع لدولة من الدول التي تحارب التنظيم. الأمر الذي حصل عند الحوثيين أيام الحروب الستة بين مليشياتهم وبين الجيش اليمني أثناء تمردهم على الدولة عندما ضمن حسين الحوثي لكل من يقتل جندي في الجيش دخول الجنة بدون حساب, وعلى إثر ذلك حصلت العديد من المجازر الدامية بين الطرفين راح ضحيتها الآلاف من منتسبي الجيش والأمن وكذا من المراهقين الذين زج بهم الحوثي لمحارقهم في تلك الحروب. وفي أحد خطابات عبدالملك الحوثي قال ما معناه:( إن كل من يعترض طريق ما أسماها ب"المسيرة القرآنية" أو يعاديها مباح الدم ويجب اجتثاثه لأنه يوالي قوى "الإستكبار العالمي" ويحارب هدى الله وأهل بيت رسوله). يوالي قوى "الإستكبار العالمي" ويحارب هدى الله وأهل بيت رسوله). ليس هذا فحسب بل وصل الحال بالحوثيين في الإستخفاف بدماء الناس وأرواحهم إلى درجة إن قتلوا أشخاصاً لإستماعهم إلى الأغاني في ما يشبه عمليات الإعدام الميداني. وبإختصار يكفي إن تعرف عنهم في هذا الصدد إنهم المكون السياسي/الإجتماعي الذي لم يدخل قرية ولا محافظة إلا بعد معارك دامية سواء مع الجيش والأمن أو مع المسلحين المحليين لتلك المناطق التي دخلوها يسقط خلالها المئات وأحياناً الآلاف من القتلى والجرحى وكان بإمكانهم نشر حركتهم في كل المناطق بطرق مشروعة وسلمية كغيرهم من بقية المكونات والتيارات من خلال التوعية والإستقطاب لكن استخفافهم بدماء وأرواح البشر جعلتهم يلجأون إلى الحرب والعنف والقوة كخيار وحيد لإخضاع المناطق والمدن لسيطرتهم ومن ثم نشر ثقافتهم في أوساط سكانها. وبذلك يمكن القول إن الحوثيين قد خلفوا داعش وراء ظهورهم في سباق الإستهانة بأرواح البشر وإستمراء القتل وامتصاص الدماء. وكما إن داعش تنظيماً مسلحاً عابراً للحدود والقارات فإن الحوثيين أيضاً كذلك. ففي إحدى مقابلاته التلفزيونية قال أحد قيادات حركة الحوثي في معرض حديثه عن المشروع الذي تحمله حركته:(نحن في المسيرة مشروعاً قرآنيا جاء لينقذ الناس من الإستعباد ومن هيمنة قوى الإستكبار العالمي وحدود مشروعنا الجغرافية هي حدود المصحف..وستصل المسيرة القرآنية إلى دول أوروبا وأمريكا وأفريقيا). وهنا يكمن أحد أخطار هذه الحركة بحيث لو تمكنت من الوصول إلى الحكم فإنها ستسعى إلى توسيع نطاق مشروعهم جغرافياً إلى ما وراء حدود اليمن على حساب دول الجوار الأمر الذي بلا شك سيتصدى له الجيران ما ينذر بدخول المنطقة في صراع دائم وربما حروب في حال لو تمكن الحوثيون من الحكم, وقد رأينا كيف بدأوا يمهدون لهذا الأمر عندما ظنوا إنهم قد تمكنوا من السلطة بعد إجتياحهم العاصمة صنعاء حيث ذهبوا لإجراء المناورات العسكرية على الحدود مع السعودية وتهديد الأمن القومي والوطني لدول الجوار. ومن أبرز السمات التي تجمع بين الحوثيين وداعش أيضا الطبيعة المليشوية لكلٌ من الطرفين. فكل منهما تنظيماً مسلحاً خارجاً عن النظام والقانون ويرفض العمل السياسي ضمن منظومة سياسية جامعة في إطار الدولة مع الإلتزام بالأنظمة والقوانين ذات الصلة واحترام الثوابت الوطنية وذلك من خلال المشاركة في الحياة السياسية السلمية, بعيداً عن العمل العسكري المسلح والطابع المليشوي, كمكون سياسي يسعى للسلطة عبر المنافسة الحرة عبر صناديق الإنتخابات ولديه مشروع ورؤية واضحة ومعلنة. ويراعى في هذا الصدد الفارق بين داعش والحوثيين فالأول لم يدعى أبداً للإنخراط في العمل السياسي أما الحوثيين فكم هي الدعوات التي وجهت لهم بترك العمل المسلح والمشاركة في الحياة السياسية السلمية من المجتمع الدولي والإقليمي ومن الحكومات اليمنية على تعاقبها وكذا من القوى الوطنية الأخرى لكن الحوثي أدار ظهره لتلك الدعوات وظل متمسكاً بالخيار العسكري عبر مليشياته المسلحة للوصول إلى السلطة بالقوة من خلال إسقاط المدن والبلدات لسيطرته وإقتحام المراكز الحيوية للبلد واغتصاب مؤسسات الدولة واحتلال معسكرات الجيش وتعطيل العمل المؤسساتي الرسمي لأجهزة الدولة وغير ذلك من الممارسات الهمجية التي لم يجاريه فيها حتى تنظيم داعش. وعلى مستوى الشأن الشخصي هناك تشابه كبير بين القيادات في كلا التنظيمين الإرهابيين داعش والحوثيين في هذا الصدد. فمثلاً أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم داعش لا تتوفر أي قاعدة بيانات أو معلومات عن شخصه أو مستواه العلمي أو ماضيه أو حتى عن مكان تواجده وما إذا كان داخل أو خارج العراق ويعيش في جو تكتنفه اللامعلوماتية عنه تماماً كما هو واقع الحال مع عبد الملك الحوثي زعيم حركة الحوثيين. ليس هذا فحسب بل تقول التقارير إن أغلب قيادات وعناصر داعش هم من ذوي السوابق الجنائية وأصحاب الماضي الشخصي السيء والمليء بالأعمال الخادشة في الأخلاق كالسرقة وقطع الطرق والخطف وغيرها وهذا ما ينطبق على حال غالبية قيادات وعناصر جماعة الحوثي حيث لا تكاد تجد فيها غير أصحاب تلك الصفات المقيتة من قطاع الطرق وخريجي السجون وذوي السوابق الجنائية كالقتل وعصابات السرقة وخطف السياح وغير ذلك حتى إن مليشيات الحوثي بمجرد إن سيطرت على العاصمة صنعاء سارعت إلى دور النيابة والقضاء لسحب وإحراق ملفات جنائية بعضها في قضايا جسيمة كانت بحوزة النيابات والمحاكم تخص قيادات وعناصر منهم بالقوة وتحت تهديد السلاح كما يؤكد قضاة محامون. ولا نستطيع أن نحصي أوجه التشابه بين الحوثيين وداعش لتماهي كل منهما مع الآخر في السلوك والأعمال والممارسات، فقط أردنا الإشارة إلى هذه الجزئية التي توضح أن كل حركات وجماعات الإرهاب أسوأ من بعضها مهما تباينت في العقيدة والمذهب. لمتابعة قناة التغيير نت على تيلجيرام https://telegram.me/altagheernet